في بداية السبعينيات، وضعت مجلة الحوادث اللبنانية على غلافها صورة لصندوق كبير انكسر أثناء إنزاله من إحدى السفن في مرفأ بيروت، فظهر للعيان ما كان فيه من أسلحة مستوردة لمصلحة إحدى الميليشيات اللبنانية، فكتب صاحب المجلة سليم اللوزي على الصورة «ماذا يراد أو سيحدث في لبنان؟».

والآن، وبعد أكثر من خمسين عاماً، رأينا ماذا حدث في لبنان الجميل من الاقتتال والانهيار في كل المقومات السياسية والاقتصادية، وهذا يؤكد أن إهمال معالجة أي اختراق للقانون أو الحياد عن المصلحة العامة، لأي سبب، يحعل بذرته تنمو وسلبياته تتضخم، وقد تكوّن مدمرة، ولقد بيّن ذلك الحديث النبوي الشهير في مثال السفينة التي إذا سُمح لساكني الطابق السفلي بخرقها، فإن جميع الركاب سيغرقون.

Ad

والأمثلة على ضرر التأخر عن اتخاذ القرار الحازم متعددة في أكثر من مكان بالعالم، وفي الكويت أيضاً، فعندما تُرك الحبل على الغارب للواسطة والمحسوبية حتى أصبحت جزءاً من الحياة اليومية دُمّرت الكفاءة والعدالة، وعندما تغافلت الوزارات عن الالتزام بالدوام امتلأت المقاهي بالموظفين، حتى جاءت البصمة الثالثة، وعندما تم ملء التأمينات بالتقاعد الشعبوي الانتخابي، وصل عجز التأمينات إلى عشرين ملياراً، وعندما تم استغلال المادة 80 من التأمينات وصلت تكلفة المعاشات الاستثنائية إلى عشرات الملايين سنوياً، ووصل التذمر الشعبي إلى كلفة أعلى، وعندما تم إهمال التعديات على أملاك الدولة امتدت الدواوين والأبنية إلى الأرصفة والارتدادات، وعندما وافقت الحكومة على قوانين شعبوية مكلفة، من دون دراسة حقيقية، مثل الكوادر الكبيرة وبيع الإجازات وتأمين عافية، ثم حاولت العدول عنها، أدى ذلك إلى استياء شعبي، لأن هناك من اعتقد أن العدول ضد المواطن.

وأيضاً عندما أهملت العصبيات القبلية والطائفية والفئوية ونمَت، كانت النتيجة أنها سيطرت على كثير من الانتخابات النيابية والطلابية ومؤسسات المجتمع المدني، وعندما تم إهمال الخلاف بين هيئة الاستثمار وشركة مستشفيات الضمان الصحي لسنوات، لم يتم تحويل مليونَي وافد إلى هذه المستشفيات، واستمر زحام المستشفيات الحكومية، وكان بإمكان وزارتي المالية والصحة التدخل لإنهاء الخلاف في بدايته، فقد كان ذلك سيوفر الكثير من الجهد والمال والخدمات الصحية للجميع، وأخيراً تم السكوت عن مخالفة الدستور واللائحة في المجلس لسنوات، حتى خسرناه.

لا شك في أن تعديل هذه الأوضاع المهملة التي أضرت بالبلاد لسنوات يتطلب الآن قرارات إصلاحية حاسمة ومدروسة من الحكومة، وعلى مؤسسات المجتمع المدني والمفكرين والمخلصين من جميع الأطياف التضامن من أجل الإصلاح الذي يضع حداً لذلك الإهمال، رحمةً بالكويت.