وجدت المبادرة الدولية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، والتي أُعلنت مساء أمس الأول، نفسها، محاصرة بين رغبة إسرائيل في استمرار الضغط العسكري على «حزب الله» مستفيدة من الزخم الذي حققته عملياتها في الأيام الماضية ضده، وبين معضلة فصل جبهة لبنان عن غزة، إذ فشلت الصياغات اللغوية المرنة التي سعت إلى معالجتها، في إقناع الحزب، المصرّ على الربط بين الجبهتين، بقبولها.
وجدد هذا الجمود المبكر للمسار الدبلوماسي، المخاوف من احتمال اندلاع حرب شاملة في المنطقة، يمكن أن تنجر إليها الولايات المتحدة وإيران، وأن تنزلق إليها دول عدة على رقعة جغرافية واسعة، وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي قال إن الحل الدبلوماسي لا يزال قائماً، لكنه شدد على أن «خطر اندلاع حرب شاملة قد تكون مدمرة لإسرائيل ولبنان» لا يزال قائماً.
وكانت الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا واليابان والسعودية والإمارات وقطر، دعت، في بيان مشترك، إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار 21 يوماً على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان بهدف «توفير مساحة نحو إبرام تسوية دبلوماسية متوافقة مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، وتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2735 بشأن وقف إطلاق النار في غزة».
ودعا البيان «جميع الأطراف، بما في ذلك حكومتا إسرائيل ولبنان، إلى تأييد وقف إطلاق النار المؤقت على الفور»، متعهداً بأن تقدم الدول موقعة البيان «الدعم الكامل لكل الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل لاتفاق بين لبنان وإسرائيل خلال هذه الفترة، بناءً على الجهود المبذولة خلال الأشهر الماضية، لإنهاء هذه الأزمة بشكل نهائي».
ووسط إشارات إسرائيلية سلبية تجاه النداء الدولي، صعّدت تل أبيب عملياتها العسكرية في لبنان أمس من أقصى الشمال الشرقي، حيث تم قصف 8 معابر مع سورية، مروراً بغارة جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت استهدفت مسؤول الوحدة الجوية والمسيّرات في «حزب الله» محمد حسين سرور «أبو صالح»، في حين لم تتوقف الغارات في الجنوب والبقاع. ورد «حزب الله» بإطلاق مئات الصواريخ أمس باتجاه مناطق متعددة من شمال إسرائيل في وتيرة لم تُعهَد من قبل.
وبعد يوم طويل من المزايدات ضد المبادرة الدولية بين وزراء الائتلاف الحكومي اليميني الحاكم في إسرائيل، نُقل عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لدى وصوله إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة قوله، إن بلاده ستواصل ضرب جماعة «حزب الله» اللبنانية «بكل قوة» حتى يتسنى لسكان شمال إسرائيل العودة إلى ديارهم سالمين.
وفي لبنان، سعت الحكومة اللبنانية إلى اتهام إسرائيل برفض المبادرة، لتجنب تحميلها مع «حزب الله» مسؤولية رفضها.
وقالت مصادر إن الحزب استقبل المبادرة بسلبية، ما كوّن تصوراً لدى المراقبين بأن «المفاوضات في بداياتها» والحرب أيضاً في بداياتها، ويمكن للمسارين أن يترافقا على إيقاع واحد، أي بالتزامن مع زيادة العمليات العسكرية وتصعيدها تتكثف حركة الاتصالات في سيناريو مشابه لما جرى في غزة من قبل.
وأشارت مصادر قريبة من الحزب إلى أن تقديرات الأخير تشير إلى أن إسرائيل ستكون مضطرة في النهاية إلى تنفيذ عملية برية في لبنان، وأنه لا يزال يعتبر أن الدخول الإسرائيلي البرّي سيصب في مصلحته، وأن لديه إمكانية لقلب الطاولة.
وفي طهران، أكد مصدر في مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي لـ «الجريدة»، أن المقترح الأميركي ــ الفرنسي كان محل نقاش في اجتماع فرنسي ــ إيراني غير رسمي في نيويورك، مضيفاً أن طهران كان لديها ملاحظات ومآخذ كثيرة على المقترح، لكنها أكدت أنها تدعم أي جهود يمكن أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار، والسلام في المنطقة، وأنها تنتظر رد فعل حلفائها في لبنان.
وفي تفاصيل الخبر:
وجدت المبادرة الدولية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، التي تم إعلانها مساء أمس الأول نفسها محاصرة بالتصعيد العسكري الإسرائيلي، الذي امتد من أقصى الشمال الشرقي حيث تم قصف 8 معابر مع سورية، مروراً بغارة جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت أسفرت عن اغتيال مسؤول الوحدة الجوية والمسيّرات في «حزب الله» محمد حسين سرور «أبو صالح»، في وقت تواصلت الغارات العنيفة على قرى جنوب لبنان والبقاع، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، في حين أطلق الحزب مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل.
وكانت الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا واليابان والسعودية والإمارات وقطر، دعت في بيان مشترك، إلى وقف فوري لإطلاق النار مدة 21 يوماً على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان بهدف «توفير مساحة للدبلوماسية نحو إبرام تسوية دبلوماسية متوافقة مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، وتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2735 بشأن وقف إطلاق النار في غزة».
ودعا البيان «جميع الأطراف، بما في ذلك حكومتا إسرائيل ولبنان، إلى تأييد وقف إطلاق النار المؤقت على الفور»، وتعهد بأن تقوم الدول الموقعة بـ «تقديم الدعم الكامل لكل الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل خلال هذه الفترة، بناءً على الجهود المبذولة خلال الأشهر الماضية، لإنهاء هذه الأزمة بشكل نهائي».
وكان لافتاً أن مصر لم توقع البيان. ووقعت الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية المعنية بالملف اللبناني، وهي الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر، البيان، باستثناء مصر.
وفي وقت سابق، قال الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان مشترك، إنه «حان الوقت لإبرام تسوية دبلوماسية تضمن الأمن وتمكّن المدنيّين على جانبي الحدود من العودة إلى ديارهم بأمان».
ورحّبت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس- بلاسخارت بالدعوة، معتبرة أنها تسمح «بمساحة للدبلوماسية للنجاح». وعوّلت على «دعم واضح من الجميع لاغتنام هذه الفرصة».
سلبية إسرائيلية
وأثار البيان ردود فعل متضاربة في إسرائيل معظمها سلبية، في وقت استبعد محللون ومراقبون لبنانيون موافقة «حزب الله» على البيان الذي ينص عملياً على ضرورة فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، وهو ما يرفضه الحزب.
ونفى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يكون الأخير وافق على البيان، أو أمر الجيش الإسرائيلي بخفض مستوى العمليات في لبنان، مؤكدا ان الضربات ستستمر بقوة. وقال وزير الخارجية يسرائيل كاتس: «لن يكون هناك وقف لإطلاق النار في الشمال. سنواصل القتال ضد منظمة حزب الله بكل قوتنا حتى النصر والعودة الآمنة لسكان الشمال إلى ديارهم».
وتعهد نتنياهو قبل مغادرته أمس، إلى نيويورك، حيث سيلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم (الجمعة)، بإعادة نحو 70 ألف اسرائيلي تركوا منازلهم في الشمال قرب الحدود من لبنان هرباً من صواريخ «حزب الله»، وخوفاً من عملية مشابهة لعملية 7 أكتوبر التي قامت بها حركة حماس.
ورفض وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريش وقف النار، قائلاً، إن الهدف يظل «سحق حزب الله وحرمانه من قدرته على إلحاق الأذى بسكان الشمال»، معتبراً أنه «لا يجب أن يمنح العدو وقتاً للتعافي من الضربات الثقيلة التي تلقاها». وتعهد زعيم حزب «القوة اليهودية» اليميني المتطرف وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن غفير بعدم توقيع اتفاق وقف مؤقت لإطلاق النار في حال طرح على التصويت في الحكومة.
أما زعيم المعارضة يائير لابيد فقال، إنه يجب قبول المبادرة الدولية، لكن تقليص مدة وقف إطلاق النار من 21 يوماً إلى 7 أيام فقط.
وكان السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون قال للصحافيين قبل اجتماع لمجلس الأمن أمس الأول، إن إسرائيل سترحب بوقف لإطلاق النار، وإنها تفضل الحل الدبلوماسي.
معضلة لبنانية
في المقابل، نفى رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي توقيع مقترح اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل بعد لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في نيويورك. وجدد ميقاتي ترحيبه بالبيان الدولي مضيفاً: «تبقى العبرة في التطبيق عبر التزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية».
ونفى رئيس مجلس النواب نبيه بري، زعيم حركة أمل الشيعية المتحالفة مع «حزب الله»، أن تكون المبادرة الدولية تفصل بين جبهتي غزة ولبنان. وكان بري أعلن أمس الأول أنه شارك في اتصالات دولية حول مبادرة دولية لحل سلمي وتجنب الانزلاق نحو مزيد من التصعيد، معلناً أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة للدبلوماسية.
وكان الأمين العام للحزب حسن نصرالله تعهد بعد عمليات تفجير آلاف أجهزة الاتصال التي تستخدمها عناصر الحزب واغتيال قيادة «وحدة الرضوان» قوة النخبة في الحزب في غارة على الضاحية، بعدم القبول بفصل الجبهتين مهما كلف الأمر حتى لو تطلب ذلك حرباً شاملة.
وأكّدت قطر، وهي إحدى دول الوساطة لوقف الحرب بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة، عدم وجود رابط مباشر بين هذه المباحثات وتلك الهادفة لوقف التصعيد بين الدولة العبرية و«حزب الله» اللبناني.
وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي بالدوحة أمس: «لست على علم بوجود صلة مباشرة، لكن من الواضح أن الوساطتين متداخلتان بشكل كبير عندما تتحدث عن نفس الأطراف التي تشارك، في الغالب في هذا» المسار الدبلوماسي.
وقال الأنصاري «نعمل مع شركائنا لضمان وقف إطلاق النار الفوري في لبنان، والعمل على العودة إلى المسار الصحيح بعد التصعيد الحالي».
وتابع «كما نواصل جهودنا على المسار الآخر، المحادثات بشأن غزة».
وأضاف «أعتقد أن هناك شعوراً عاماً في المجتمع الدولي بأن الجميع يعملون معاً من أجل ضمان وقف إطلاق النار في لبنان، ولا أعتقد أننا نستطيع الآن أن نقول، إن هناك مساراً رسمياً للوساطة، بل إن كل قنوات الاتصال تظل مفتوحة».
ضرب المعابر
وغداة مقتل 72 شخصاً بغارات اسرائليية متفرقة ضربت مناطق خارج منطقتي البقاع والجنوب ذات الأغلبية الشيعية، واصل الجيش الإسرائيلي ضرباته من الجنوب إلى أقصى الشمال الشرقي حيث قتل نحو 20 سورياً ولبناني واحد على الأقل في غارة على منزل في بلدة يونين.
وقالت مصادر أمنية، إن الجيش الإسرائيلي ضرب 8 معابر حدودية مع سورية، وإن طائراته المقاتلة قصفت «بنية تحتية على الحدود اللبنانية السورية لوقف نقل أسلحة من سورية إلى جماعة حزب الله»، مضيفاً «سيواصل جيش الدفاع الإسرائيلي الضرب والتحرك ضد محاولات منظمة حزب الله تسليح نفسها ونقل الأسلحة إلى لبنان من الأراضي السورية».
وتحدثت مصادر لبنانية عن محاولة إسرائيلية لـ «خنق حزب الله بالنازحين»، في وقت تصاعدت حدة الاحتكاكات بين النازحين وسكان مناطقيين على خلفية حساسيات سياسية وطائفية وهو ما قد يشكل ضغطاً على الحزب.
وقال مصدران أمنيان سوريان لوكالة فرانس برس، إن أكثر من 22 ألف شخص، بينهم عدد كبير من السوريين، عبروا الحدود من لبنان منذ مطلع الأسبوع على وقع الغارات الإسرائيلية الكثيفة.
وقال وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، إن نحو نصف مليون لبناني غادروا منازلهم في حين سجلت الامم المتحدة نزوح أكثر من 90 ألف شخص.
مناورة برية
ودعا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي أمس الأول جنوده للاستعداد لهجوم بري محتمل في لبنان، ما أعاد ذكريات الحرب الأخيرة بين إسرائيل و«حزب الله» عام 2006.
ورغم عدم ترجيح البنتاغون وقوع هجوم بري «وشيك»، أعلن الجيش الاسرائيلي أمس، أن مجموعة القتال اللوائية 7 بقيادة المركز الوطني للتدريبات البرية اختتمت أمس، مناورة برية على بعد عدة كيلومترات عن الحدود اللبنانية، وتدربت خلاله القوات على القتال وسط تضاريس وعرة وجبلية.
وقال الجيش في بيان إنه «خلال التمرين، رفعت القوات مستوى أهليتها العملياتية واللوجستية للتعامل مع سيناريوهات القتال المختلفة على أرض العدو الشمالي».
في المقابل، أعلن الجيش الاسرائيلي أنه رصد إطلاق 45 صاروخاً من لبنان تمكن من «اعتراض بعضها بينما سقطت البقية في مناطق مفتوحة». وأعلن «حزب الله» أنه قصف مجمعات صناعات عسكرية تابعة لشركة رفائيل في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا «بصليات من الصواريخ»، وقاعدة ميرون الجوية في صفد والجليل الأعلى. وكان الحزب أطلق أمس الأول صاروخاً بالستياً للمرة الأولى باتجاه تل ابيب مستهدفاً مقر الموساد، وقالت إسرائيل إنها اعترضت صاروخاً بمنظومة «مقلاع داود»، المخصصة للصواريخ متوسطة المدى في منظومتها متعددة الطبقات للدفاع الجوي.