• ماذا عن أهم المحطات في المسيرة الإبداعية للفنان د. شادي أبوريدة؟
- توجد محطات كثيرة مررت بها، وفي جوهرها كانت الطبيعة هي المصدر الرئيسي لإلهامي وأفكاري، فالأماكن التي أمر بها وأتردد عليها، أو أستقر فيها زمنا طالَ أو قَصُر، هي بيئة أعمالي الفنية، ومنبع للصور الذهنية المتراكمة في ذهني وذاكرتي، والتي أستعين بها قاعدة للبناء التشكيلي، وعناصر بصرية أعيد صياغتها وترتيبها وتوليفها وفق الرؤية الفنية والفكرية الكليَّة. وفي تصوري أن إحدى أهم المحطات في مسيرتي الإبداعية عندما قررت أن أطرق مجال النقد الفني التشكيلي، وذلك منذ نحو 3 سنوات فقط، وقد اتخذت هذا القرار لحبي الشديد للغة العربية والكتابة الإبداعية، ولا سيما عندما تكون تلك الكتابة في تخصصي ودراستي الأكاديمية، وفلسفة الفن. وقد شاركت بأول مقال نقدي تشكيلي أكتبه في جائزة النقد الفني التشكيلي، التابعة لمؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون عام 2022م، وفزت بإحدى جوائزها، ثم كان التتويج بالمركز الأول على مستوى الوطن العربي في جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، في دورتها الرابعة عشرة 2023م، تحت عنوان «دور الترجمة في النقد التشكيلي الحديث»، عن بحث بعنوان «ترجمة الفن وفن الترجمة بين الإمتاعية والامتناعية».
• وهل يوجد فنان ما تأثرت به؟
- لا أعتقد أنه من الصواب أن يتأثر أحد الفنانين بفنان آخر، فيصبح فنه - بلا قصد - نسخة معدلة من فن وأسلوب الفنان الأصلي، وسواء كانت تلك النسخة أفضل أو أقل من الأصل، فهي في كل الأحوال نسخة، وليست أصلا، وفي هذه الحالة يكون عدم وجود التجربة المستنسخة أفضل وأنفع كثيرًا من وجودها، بل يجب تنظيف الفضاء التشكيلي من تلك التجارب الضارة واقتلاعها، كاقتلاع الأعشاب الضارة لفائدة النباتات النافعة، والفنان يجب أن يسعى جاهدا إلى أن يكون فنه أصيلًا متفردًا، فالإبداع هو أن نأتي بالجديد البديع، وما سوى ذلك ليس إبداعًا، فكم نعاني حاليًا على المستوى المصري والعربي تشابه الكثير من التجارب الفنية التشكيلية. لذا، أحاول دائمًا ألا أقيد خيالي الفني داخل فضاء محدود، وأسجن أسلوبي الفني داخل قالب غير متجدد الشكل والخصائص، بل يجب أن يكون حرا طليقًا متنوع الأنماط، مع دعمه الدائم بالثقافة المتخصصة والمعارف العامة. ورغم أنني أدعو إلى تكوين المدارس الفنية مرة أخرى، فإن ذلك لا يعني ألا يتنقل الفنان بحريّة من مدرسة فنية إلى أخرى، وفق تطور تجربته الفنية وتغيّر مساراتها، ولا أجد تناقضا في ذلك.
انزوائيات
• حدثنا عن عملك الفائز بجائزة الدولة التشجيعية (انزوائيات)، وما القضية التي تطرحها من خلاله؟
- هي تجربة فنية عبارة عن 14 عملا فنيا، يمثّل كل عمل مشهدًا انزوائيًا أو (انعزاليًا)، جراء ما خلّفته جائحة كوفيد - 19 من تأثيرات اجتماعية ونفسية عميقة في الوجدان والنفس والخيال وكذلك الفكر، حيث غيّرت كثيرًا من نظرتنا للوجود والموجودات، بل للحياة وجدواها ومعناها، فقد أجبرت الجائحة الفنانين على الانزواء في منازلهم ومراسمهم بعد التقاطهم لمشاهد الشوارع شبه الخالية من المارة والحياة، والمقاهي والمحال الخاوية من زبائنها، والأبنية المغلقة على ساكنيها المرتعبين من القاتل غير المرئي المتربص بهم، حيث أصبحت تلك المَشاهد المحملة بالمضامين النفسية القاتمة هي المسيطرة بصريًا ووجدانيًا، مع وجود الأمل في انفراجة قريبة. والتجربة الفنية منفذة بواسطة فن الحفر والطباعة البارزة الملونة من القالب الخشبي الطولي المقطع، وهي التقنية الفنية الأقرب إلى قلبي من بين جميع التقنيات الأخرى التي مارستها، وخصوصا أنها تتسم وتتميز بملمس يربط العمل الفني بالطبيعة بشكل فريد، وهو الملمس الطبيعي غير المصطنع لألياف الخشب. كما يسعدني أن أشير إلى أن لهذه الجائزة قيمة خاصة جدا بالنسبة لي، على المستوى المهني، لأنها في تخصصي الأكاديمي الدقيق، وهو تخصص (الطبعة الفنية).
جائزة رسمية• كيف تنظر إلى فوزك بجائزة الدولة التشجيعية عن عملك (انزوائيات)؟
- تعد جائزة الدولة التشجيعية أهم جائزة رسمية للمبدعين تحت سن الأربعين عاما، وهي وسام مصري مرموق على المستويين الفني والأدبي، وقيمة معنوية بالغة الأثر، وقوة دافعة لتحقيق المزيد من الأهداف والطموحات، وتؤكد حرص الدولة على تشجيع مبدعيها وعلمائها ومفكريها ودعمهم.
لذا، فقد كان التتويج بهذه الجائزة أحد أهم أهدافي خلال الفترة الماضية، وسعدت أيما سعادة بأنني قد نلت هذا التكريم والتقدير من أعلى مؤسسة ثقافية مصرية رسمية، وهي المرة الأولى التي أتقدم فيها لنَيْل هذه الجائزة.
• ماذا أضافت الجائزة إلى مسيرتك الفنية؟
- لا شك في أن هذه الجائزة تمثّل إضافة مهمة لمسيرتي الفنية، ودافعا لمواصلة البحث والتجريب، والتنقيب عن أفكار وأطروحات وصياغات فنية وفكرية جديدة وجادة ومتفردة، كما تُعد مؤشرًا مهما بأنني أبذل الوقت والجهد والفكر في الاتجاه الصحيح، وأطرق أبوابا يوجد خلفها المتلقي، منتظرا أن يرى ما يصبو ويتطلع لرؤيته، دون أن أخذله، فالفنان في حاجة دائمة إلى إعادة تقييم مساره ومسيرته والمساحة التي يوجد فيها، ليتحقق من أنه لم يضل السبيل عن مساحات تفرده وبريقه.
• لكل فنان مشروعه الفني، فهل نستطيع أن نقول إن أعمالكم عن البيئة المصرية هي المشروع الفني الخاص بك؟
- لقد تأثرت بشكل أساسي - في الكثير من تجاربي الفنية السابقة - بالبيئة الساحلية لمدينة رشيد، وهي المدينة التي نشأت فيها وما زلت أقيم فيها بصورة شبه دائمة، وقضيت فيها أغلب الوقت على مدار سنوات العمر الماضية، مما كان له بالغ الأثر في أعمالي الفني، فمدينة رشيد مدينة تتسم بطابعها التاريخي والأثري العريق، كما يلتقي عندها نهر النيل بالبحر الأبيض المتوسط، حيث مشاهد الصيد، والمراكب وصناعتها، فضلا عن وجود الحِرَف التقليدية القديمة في شوارعها وأزقتها. إضافة إلى تأثري بشكل عميق بالريف المصري الأخضر الهادئ، حيث القرية التي تنتمي إليها عائلتي بمحافظة كفر الشيخ، كما كان لمدينة المنيا في صعيد مصر - حيث أدرس في كلية الفنون الجميلة بهذه المدينة التاريخية - جانب مهم ومؤثر في تجاربي الفنية بلا شك.
لذا، يمكنني أن أصف تجاربي الفنية بأنها مشروع للتنوع البيئي، مشروع يستحق البحث في مدى تأثير هذا التنوع في مضمون العمل الفني، وكذلك التأثيرات الجمالية والبصرية والفكرية.
مشاركات فنية• وما أهم المعارض التي شاركت فيها؟
- شاركت في العديد من المعارض داخل وخارج مصر، منها معرض لقاء الآخرMEETING THE OTHER، معرض الطباعة الأميركي - المصري، (أميركا 2010م)، ومعرض الجرافيك القومي الرابع، وصالون الشباب في قصر الفنون بدار الأوبرا، ومعرض أجندة بمكتبة الإسكندرية، وكذلك في قاعات العرض الخاصة، وآخرها معرض جماليات الحفر والطباعة (الجرافيك)، بغاليري سويلم آرت Swailem Art Gallery، وكذلك العديد من المعارض الفردية، كان آخرها: معرض طَيْشُ الفَراش، بقاعة عبدالسلام الشريف، بكلية الفنون الجميلة/ جامعة المنيا.
خطان متوازيان
• ما الجديد لديك في الفترة القادمة؟
- في الحقيقة أن أهدافي خلال الفترة الحالية، تنحصر في مجالين إبداعيين يسيران على خطين متوازيين، أولهما إبداع أعمال فنية متفردة تستحق العرض في أهم متاحف العالم، تحمل قيما فنية وفكرية وجمالية تثري ساحة الفنون البصرية، وتمثّل إضافة معتبرة، وتترك بصمة مميزة، تعبّر بشكل أساسي وحقيقي وصادق عن هويتنا المصرية وتراثنا العريق.
أما الهدف الثاني فهو أن أصل إلى أبعد الأمدية في مجال النقد الفني التشكيلي، والكتابة الإبداعية في فلسفة الجمال والفنون البصرية، وأن أختط لكتاباتي خطا مميزًا غير مستنسخ أو مكرر، لأنني أومن بعدم جدوى المماثلة والمشابهة فيما يتعلق بكل مجالات الإبداع، فإما أن نقدم جديدًا يمثل إضافة فريدة، ويشكل شخصية إبداعية متفردة، أو توفير الوقت والمجهود الذهني الثمين في سياقات أخرى أكثر نفعا.