معبد إدفو يستعيد بهاءه ويُفصح عن ألوانه الأصلية

ترميمه بدأ قبل 3 سنوات وكشف عن نقوش بديعة طمسها غبار الزمن

نشر في 27-09-2024
آخر تحديث 26-09-2024 | 18:54
الألوان الطبيعية تظهر لأول مرة بعد إزالة الاتساخات
الألوان الطبيعية تظهر لأول مرة بعد إزالة الاتساخات

كأنه ارتدى زيًا جديدًا، ونطق بلغة الألوان الطبيعية مستعيدًا بهاءه العتيق. تلك هي حال معبد إدفو في مدينة أسوان (أقصى جنوب مصر)، بعد أن خضع لمشروع ترميم، فقد كللت جهود المرممين باستعادة نقوش المعبد الأثري الشهير، مما أدى إلى إبراز تفاصيله التي كانت قد اختفت تحت غبار الزمن، ليعود إلى واجهة المباني التاريخية التي تعزز الحفاظ على التراث المعماري والحضاري.

ونجحت البعثة الأثرية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار المصرية وجامعة ڤورتسبورغ الألمانية، في الكشف عن الألوان الأصلية لمعبد إدفو وعدد من النقوش التي تظهر للمرة الأولى، أثناء أعمال مشروع ترميم سطح المعبد المكرس لعبادة الإله حورس، والذي بدأ عام 2021 بتمويل من مؤسسة جيردا هينكل الألمانية.

وأشاد وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، بالدور الذي يقوم به المرممون، في الحفاظ على تراث مصر الحضاري، وما يبذلونه من جهد رائع ومحاولتهم الدؤوبة للكشف عن كل النقوش الموجودة بالمعابد المصرية واستعادة الألوان الأصلية التي كانت تزينها منذ آلاف السنين.

توثيق رقمي

فيما أوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، محمد خالد، أن مشروع ترميم المعبد يأتي في إطار استراتيجية وزارة السياحة والآثار في الحفاظ على تراث مصر الحضاري والثقافي الذي يعد إرثًا للإنسانية جمعاء، ويهدف المشروع إلى تنظيف جدران المعبد وإعادة نشر النصوص والمناظر الخاصة بها وتوثيقها رقميًا في إصدارات جديدة تحمل ترجمات ودراسات أكثر دقة مقارنة بالإصدارات السابقة التي نُشرت خلال القرن الماضي.

كما يتضمن المشروع أيضًا ترميم وتنظيف المقاصير والجدران الداخلية للمعبد، فضلًا عن تثبيت الألوان، وعمل دراسات مفصلة للنصوص والمناظر الموجودة بجدران «قدس الأقداس» والغرف المجاورة لها.

وأشار خالد إلى أنه خلال ترميم سقف وجدران «قدس الأقداس» بالمعبد، تم الكشف عن بقايا مناظر ملوّنة وكتابات للكهنة مدونة بالخط الديموطيقي، بالإضافة لآثار ألوان ذهبية كانت تُستخدم لتذهيب النقوش البارزة من مجوهرات وشارات ملكية وكذلك أجساد الآلهة، مشيدًا بالجهود المبذولة لإظهار النقوش والألوان، التي ستعمل على عودة المعبد لما كان عليه عند بنائه.

فيما قال رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، أيمن عشماوي، إن النصوص الموجودة في المعبد تشير إلى أن بعض المباني الموجودة به كان مغطى بطبقات من رقائق معدنية سميكة مصنوعة من النحاس (المُذهّب) التي لم يتبقَ منها إلا مجموعات من الثقوب في الجدران، ما أدى إلى ندرة توثيقها في السجلات الأثرية.

وأوضح المشرف على المشروع، أحمد عبد النبي، أن فريق العمل أزال الاتساخات العالقة بالأسطح وفضلات الطيور والأتربة، وتكلسات الأملاح، ما أسفر عن ظهور بقايا الألوان الأصلية التي كانت تغطي النقوش البارزة بأكملها، موضحًا أنه جارٍ حاليًا فحص وتحليل الألوان المستخدّمة وترميمها، لعودة المناظر إلى صورتها الأصلية عند تشييد المعبد.

نص ديموطيقي

من جانبه، قال رئيس المشروع ورئيس قسم المصريات بجامعة يوليوس ماكسميليان بڤورتسبورغ، الدكتور مارتن أ. شتادلر، إن جودة الألوان بالمعبد تعكس مدى تقدم الفن المصري، لافتًا إلى العثور على نص ديموطيقي مرسوم بالحبر كان مختفيًا تمامًا تحت العوالق يتحدث عن دخول الكهنة إلى قدس الأقداس، وهو نقش فريد، فمن المعروف أن الكتابات الشخصية تظهر دائمًا في المحيط الخارجي للمعبد أو على المداخل وليس في المقصورة الرئيسية أو قدس الأقداس، حيث يوجد القارب المقدس وتمثال الإله، مؤكدًا أن هذه النصوص المُكتشفة، ستسهم في تشكيل رؤى جديدة حول الممارسات الدينية للكهنة في ذلك الوقت.

في السياق، قالت مديرة المشروع الباحثة بجامعة يوليوس ماكسميليان بڤورتسبورغ، ڤكتوريا ألتمان ڤيندلنج، إن الكشف عن الألوان الأصلية للنقوش ساهمت بشكل كبير في معرفة مزيد من تفاصيل المناظر والكتابات الهيروغليفية التي لم تظهر في النقوش البارزة، بالإضافة إلى إضفاء طابع فريد على قدس الأقداس خاصة عند دخول أشعة الشمس إليه.

حورس بحدتي

ويعد معبد «حورس بحدتي» في إدفو أحد أفضل المعابد المحفوظة في مصر، حيث يضم مجموعة من النقوش والرسومات التي تسجل معلومات مهمة عن اللغة المصرية القديمة والأساطير المصرية القديمة والعقائد الدينية وممارسات العبادة، وهو ثاني أكبر معابد مصر القديمة حجمًا.

وبدأ تشييد معبد إدفو في عهد الملك بطليموس الثالث إيرجيتيس، واكتمل في عهد الملك بطليموس الثاني عشر، حيث استغرق بناؤه نحو 180 سنة. ويعد المبنى نصبًا فريدًا من نوعه للدين والعمارة القديمة، بالإضافة للألوان الزاهية البرَّاقة ذات السحر الخاص.

back to top