قبح وجمال!
الجمال، تلك القيمة العليا التي قصدناها إلى حد الهوس، فأتى العائد عكسياً وأصبحنا أبعد ما يكون عن الجمال سواءً أكان بالشكل أو بالمضمون، لماذا يعدّ الجمال مهماً لهذه الدرجة؟ وهل الجمال مجرد قشرة خارجية تخبئ شتى أنواع القبح خلفها أم هو تحصيل حاصل لكل ما هو صافٍ ونقي؟
أرى أن القبح هو حالة من النشاز وعدم الاتساق سواء أكان في المناسيب والألوان أم كان قبحاً فكرياً وأخلاقياً، ولعل ذلك ما يفسر رؤيتنا لبعض الوجوه الجميلة بلا قبول، فإن فاتك جمال الصورة فليكن جمال الخُلُق سمتك الفارقة.
ولطالما ارتبط الجمال بالقيم العليا كالحقيقة والعدالة لدى الفلاسفة والمفكرين، فهو وجه الحق الساطع ودليل الاتساق والتوازن، فالزهرة تأتينا كـ«تحصيل حاصل» لصحة النبتة، والمقطوعة الجميلة هي نتيجة اتساق اللحن وعازفيه فيما بينهم وهلم جراً... تخيلوا معي حياة بلا جمال! ستكون حياة كئيبة بلا شك.
والذائقة هي تلك البوصلة الداخلية التي تجعلنا نقيّم جمال أو قبح شيء ما، فعندما تعتاد الأعين والأفئدة على القبح فإنها تستسيغه فتراه جمالاً مع الأسف، لذا يرى بعضنا الفساد «شطارة» والوجوه البلاستيكية «كمالاً»، وأصبحنا نرى الصدق والنزاهة سذاجة والعفوية الطبيعية «هلاقة» ومدعاة للازدراء!
وتتوسع الذائقة وترتقي عند تذوق مختلف الفنون وتقدير الجمال من حولنا، ولربما كان هذا السبب في «غرابة» ذائقة الفنانين، فهم يرون بواطن الجمال في الأماكن والتركيبات غير المألوفة وهنا يكمن الإبداع.
ولا يمكننا الحديث عن الجمال دون ذكر المرأة، ذلك الكائن المركب الجميل، يبدو لي أن أكبر مأساة قد تواجهها المرأة هي أن تولد عادية الجمال في زمننا الذي أدمن الوجوه الإنستغرامية، وإني لأشعر بالأسى على المرأة فهي الخاسرة في الحالتين، إن قررت أن تكون نفسها فهي «عادية» و«لا تهتم بنفسها» في تقدير البعض، وإن قررت تلك «العادية» أن تقوم بـ«كربنة» نفسها فهي مصطنعة بلاستيكية وتُهاجَم على ذلك أيضاً. والمدهش أن النساء قمن يضغطن على بعضهن للقيام بهذه الإجراءات بعد أن كان الهدف الأساسي هو إرضاء الرجل، وهنا السؤال: من القدوة أو المثل الأعلى الذي تحاول هؤلاء النساء أن يتشبهن بها؟ وما منظومة القيم التي تعكسها هذه «الطلة»، وهل نريدها حقاً؟
عند مشاهدة الأفلام والمسلسلات القديمة نلاحظ «إنسانية» البشر وجمالهم الكامن في تنوع الأدوار وعدم التركيز على تلك الصورة المثالية كما هي الحال الآن، فيبدو لي أن المرأة –على الأخص- كانت تتخذ أدواراً أكثر تنوعاً حيث كان يُسمح لها أن تشيخ وتسمن وتمثل شخصيات ذات أبعاد متنوعة عميقة.
الجمال ليس مجرد عملية حسابية جامدة، ففي ضعفنا وعدم اكتمالنا جمال أخاذ تكاد الكلمات ألا تسعه، وهو سر عمق وتكامل العلاقات الإنسانية، فلتتسع ذائقتنا الجمالية، ولتكن أعمق من سطحية المعايير الإنستغرامية!