بدون مجاملة: جيد أكثر من اللازم!
لا أعتقد أن ثمة واحداً منا لم يفقد التواصل مع شخص ما، بمعنى أدق انقطع عنه وأزاله من القائمة، فالعلاقات بمختلف أنواعها تنتهي عادة لأسباب تتصل بسوء التصرف أو التعامل، لا العكس، في حين يحدث هذا فعلا عندما نجد التفريط بالنماذج الطيبة، والصد عنها وإلغاءها، كصديق قديم أو زميل جديد، أو جليس عابر أو صاحب مجلس، أو شريك حياة أو عمل.
تخيل شخصا بحاجة إلى جهاز كهربائي معين، اطلع على السلع المتاحة في مختلف المعارض، وقارن ثم سأل واستشار، الكل يريد المنتج الأفضل والأداء الأعلى مع العلم أنه لا شيء كامل بالمطلق، فالشوائب جزء من الحياة وكل له عيوبه، وكما يقال «الكمال لله وحده»، ثم وجد منتجا ذا جودة ومواصفات وبسعر مثالي، لكنه تراجع عن اقتنائه لأنه ممتاز!
رغم فارق التشبيه إلا أن القصة تبدو غريبة وصاحبها أحمق، ومشوش الرؤية! ففي الحقيقة هناك من لا يريد صديقا رزينا، أو زميلا ناصحا، أو شريكا ملتزما! فما السبب؟ كراهية للحق؟ انخفاض في تقدير الذات؟ اتباع هوى؟ إحساس بالدونية؟
يأتيك تبرير: «أنا شخص عادي» وأريد أن أعيش حياتي، ماذا تقصد بالعادي؟ أي أنك شخص بلا معايير؟ لا تنطلق من أرضية صلبة، ليس لديك اعتبارات أخلاقية؟ ثوابت؟
إن تحاشي أصحاب المبادئ ورفض التعامل معهم وهجر مجالستهم لأنهم (نكديون) ويضيقون علينا مباهج الحياة، من المفاهيم المشوهة، فغياب مبدأ الصواب والخطأ يجعل منك شخصا متخبطا لا مرجعية له، يتبع أي فكرة، ويصفق لأي ناعق، ويركب أي موجة. الحرص على الأخلاق النبيلة ليس مسألة سهلة، يرافقها دائما تحديات داخلية وخارجية، شخصية وجماعية، أطوار وتبدل أحوال، وتغير في الآراء وتحول في المواقف، فنحن لسنا ملائكة، والتمسك بالفضائل والدعوة إليها حياة اجتماعية واعية وروابط إنسانية متكاملة، لأن الكل معرض للزلل، والكل مقصر، والغاية أن نذكّر بعضنا، ونتعاون في المعروف.
من يفهم هذه المعاني بطريقة معكوسة يتحمل ضياعه، فكريا وأخلاقيا، ويتحمل سوء تقديره وخسارته، هذا الفرد تحديدا تراوده هلاوس بأن صاحب الأخلاقيات أفضل منه وأكرم، لذا يمقت أي صلة معه، ففي النية الصادقة ومجاهدة الباطل وحب الخير للآخرين ستتناقض حولك الانطباعات، وتطولك تصنيفات ومسميات، والكثير من التفريطات، ولكن تأكد أن كل من يرفض مودتك ليس جديراً بها.