«إنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَعْثُرُ»، مثل عربي يُضرب لمن يكون الغالب عليه فعل الجميل، ثم تكون منه الزَّلَّة‏، وهو يشابه المثل «لكل جواد كبوة»، وهذا أمر طبيعي، فكل ابن آدم خطَّاء، فقط مَنْ لا يعمل هو الذي لا يُخطئ، وكيف يُخطئ وهو أصلاً لم يُحرك ساكناً؟

الكسائي قال في ذلك: صليت بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي، فغَلطت في آيةٍ ما أخطأ فيها صبي قَط، أردت أن أقول: «لعلهم يرجعون» فقلت: «لعلهم يرجعين» قال: فوالله ما اجترأ هارون أن يقول لي: أخطأت، لكنه لما سَلّمت قال لي: يا كسائي، أي لغةٍ هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد، فقال: أما هذا فنعم. والكسائي هو أبوالحسن علي الكسائي الكوفي، كان إمام الكوفيين في اللغة والنحو، وسابع القرَّاء السبعة، ويُعد المؤسس الحقيقي للمدرسة الكوفية في النحو.

Ad

وهناك حديث طريف حصل بعد حادثة أُحرج فيها الشاعر ابن القرية مع الحجاج بن يوسف الثقفي، فقد قال مُحدثاً الحجاج: رأيت الأمير يُشير باليد، ويُكثر بالرد، ويستعين بأمّا بعد، ثم قال: أيها الأمير، لكل جواد كبوة، ولكل شجاع نبوة، ولكل كريم هفوة، ثم أنشأ يقول:

أقلني أقلني لا عدمتك عثرتي

فكل جواد لا محالة يعثر

لعمري لقد حذرتني ونعيتني

وبصرتني لو أنني كنت أبصر

ليالي سهامي في اليدين صحيحة

ألا كل سهم مرةً يتكسر

وأحسن ما يأتي امرؤ من فعاله

تجاوزه عن مذنب حين يقدر

والرسول صلى الله عليه وسلم قال في ذلك المعنى: «كلُّ بني آدم خَطَّاء، وخيرُ الخَطائين التوابون».

فليس هناك عصمة لأحد إلا الأنبياء، فمن وعى عقله هذا الكلام، عَلِمَ أن العالِم مهما علا كعبه، وبرز في العِلم، إلا أنه لا يسلم من أخطاءٍ وزلات، لا تقدح في عِلمه، ولا تَحطُ من قدره، ولا تنقص من منزلته، ومن حمل أخطاء أهل العلم والفضل على هذا السبيل حمدت طريقته، وشكر مسلكه، ووفّق للصواب.