الخطة المعلنة درع الحكومة ضد الشائعات

نشر في 29-09-2024
آخر تحديث 28-09-2024 | 17:39
 محمد الجارالله

الحكومة في العهد الجديد تواجه تحديات كبيرة في رأب الصدع الناتج عن التخطيط والأداء الحكومي في المراحل السابقة. الآن، وفي ظل غياب مجلس الأمة، تبرز الحاجة المُلحَّة لتبني الحكومة خطة واضحة واستراتيجية مُعلنة لتجنب التأثيرات السلبية للشائعات التي تزعزع الثقة بين المواطنين، القطاع الخاص، والحكومة. فقد أصبحت الشائعات وسيلة لتأجيج القلق، خصوصاً مع الميل العام لتصديقها، رغم النفي الرسمي. على سبيل المثال، انتشرت شائعات حول فرض ضريبة الدخل ونهاية الخدمة، ورغم نفيها، فإن أثرها السلبي على المواطنين والقطاع الخاص كان كبيراً.

المشكلة الحقيقية تكمن في أن المواطن أو القطاع الخاص أصبح مستعداً لتصديق أي قرار سلبي قد يصدر عن الحكومة. هذا التشاؤم يعززه غياب التخطيط المسبق والإعلان الواضح عن الاستراتيجيات الحكومية. هذا الوضع يخلق بيئة من عدم الاستقرار، تعوق التنمية المرجوة في العهد الجديد، وتؤثر سلباً على قدرة الشركات الخاصة على التخطيط للمستقبل، فكل قرار مفاجئ قد يربك حساباتها وخططها.

مثال على القرارات التي تفتقر إلى التخطيط الاستراتيجي المعلن، هو قرار إلغاء نظام «عافية». إننا نؤيد إعادة النظر في «عافية» بشكل جذري، إلا أن طرحه من قِبل وزارة الصحة على مجلس الوزراء كحل وحيد كان أمراً غير موفق. كان من الأفضل تقديم عدة حلول، أحدها التفريق بين مفهوم المتقاعد وكبار السن. في الكويت، هناك نسبة كبيرة من المتقاعدين وربات البيوت دون سن الخمسين أو الستين، وهؤلاء لا يُعتبرون كبار السن في أي دولة بالعالم، ولا ينبغي أن يحصلوا على ذات الأولوية في الرعاية الصحية. كما أن القرار جاء بشكل مفاجئ، ولم يراعِ الوقت أو الخسائر التي تكبَّدها القطاع الصحي الخاص الذي يضم مواطنين كويتيين.

إضافة إلى ذلك، كان لشركات التأمين دور سلبي في رفع أسعارها عند التعاقد مع وزارة الصحة، حيث كانت تعتمد على الضغط الشعبي من مجلس الأمة والمتقاعدين لزيادة أسعار التأمين. هذا الضغط كان يجبر وزارة الصحة على الخضوع لشروط شركات التأمين ورفع الأسعار.

الآن، بعد أن فقدت شركات التأمين هذا العنصر، أتيحت لوزارة الصحة فرصة إلغاء نظام «عافية». لكن المشكلة تكمن في الطريقة المفاجئة للإلغاء، حيث كان من الأفضل أن يتم بشكل تدريجي، ما كان سيتيح للوزارة ستة أشهر أو حتى سنة للإعداد الحقيقي والمدروس لكيفية استقطاب كبار السن فقط، وليس جميع المتقاعدين، بما يضمن العدالة والفاعلية.

الأمر لا يقتصر على «عافية»، بل إن هناك العديد من القرارات الاقتصادية والحكومية التي تصدر بشكل مفاجئ ودون خطة واضحة أو جدول زمني، مما يزيد من تعقيد الأوضاع في القطاع الخاص، ويخلق حالة من الضبابية والشك.

في دول الخليج، مثل الإمارات والسعودية، تم تطبيق نماذج ناجحة في التخطيط الحكومي المعلن والمرتبط بجداول زمنية واضحة. فقد أطلقت هذه الدول خططاً تنموية كبرى، مثل رؤية السعودية 2030، وخطة الإمارات 2021، حيث تم تحديد الأهداف والمواعيد والمخرجات بشكل شفاف، مما منح الثقة للمواطنين والمستثمرين على حد سواء.

في الكويت، تعوَّدنا أن البرامج الحكومية تكون إنشائية وتفتقر إلى تحديد الأهداف الواضحة، وغالباً ما تفتقر إلى الارتباط بجداول زمنية محددة. السبب الرئيسي لذلك، هو أن أي خطة قد تكون فرصة للانتقاد من قِبل أعضاء مجلس الأمة أو المتربصين بأخطاء الحكومة، مما يدفع الحكومة إلى تجنب تقديم تفاصيل دقيقة حتى لا تُستخدم ضدها. لكن الآن، وفي ظل غياب المجلس، على الحكومة أن تتبنى نموذجاً جديداً للعمل الجاد، يعتمد على وضع مؤشرات أداء واضحة (KPI) وجداول زمنية ملزمة للوزارات.

إن وجود خطة واضحة وشفافة يمكِّن المواطنين والقطاع الخاص من التكيف مع القرارات الحكومية، كما يمنح الثقة بأن هذه القرارات تستند إلى أسس مدروسة، وتخدم مصلحة الوطن والمواطن على المدى القريب والبعيد. الشفافية في التخطيط ليست ترفاً، بل هي ضرورة مُلحَّة لتحقيق التنمية المستدامة وضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

الحكومة اليوم أمام فرصة ذهبية لتبني هذا النهج. فغياب النقد المتصيد والتكسب الشعبوي يمنحها فرصة للعمل بحُرية أكبر، دون الخوف من الانتقادات. ومع ذلك، يجب أن تدرك أن الشفافية والوضوح هما السبيل الوحيد لضمان استمرارية الثقة بينها وبين الشعب والقطاع الخاص.

لا شك في أن الاستراتيجية الواضحة والمعلنة هي السبيل الأمثل لتحقيق التنمية في الكويت. الحكومة اليوم أمام فرصة فريدة لوضع خطط تستند إلى مؤشرات أداء وجداول زمنية واضحة. يجب أن تكون هذه الاستراتيجيات شاملة وشفافة، حتى يتمكن المواطنون والقطاع الخاص من الاستعداد والتكيف معها، وضمان أن التنمية تسير في الاتجاه الصحيح لخدمة الأجيال الحالية والقادمة.

سؤال:

رواتب مستشفيات الضمان المهدرة منذ أكثر من عامين 750 ألف دينار شهرياً (74٪ من المال العام)، وهي جاهزة، ولكن لم تستقبل وافداً واحداً. مَنْ المسؤول عن هذا الهدر؟ وما سبب تأخير خروج مئة ألف وافد شهرياً من المستوصفات والمستشفيات الحكومية (حتى يصلوا إلى مليوني وافد)، بحيث تصبح مستشفيات الحكومة بميزانيتها المليارية مخصصة للكويتيين؟

* وزير الصحة الأسبق

back to top