الانتخابات الأميركية والعرب

لم تلق الانتخابات التي جرت في ثلاث دول عربية هي الجزائر والأردن وتونس، الاهتمام العربي الذي تلقاه الانتخابات الأميركية في السباق الانتخابي الرئاسي الذي يدخل مرحلته الأخيرة خلال أكثر من شهر لاختيار قيصر العالم الجديد، خلفاً لبايدن، سواء في السباق الانتخابي الذي بدأ بين بايدن الرئيس الحالي لأميركا وبين ترامب الرئيس السابق، وكذلك السباق الذي بدأ بين ترامب وبين كامالا هاريس نائبة الرئيس الحالية التي تنحى لها بعد فشله في المناظرة الأولى بينهما.

Ad

فقد كانت القنوات الفضائية العابرة للمنطقة العربية تعرض للانتخابات العربية سالفة البيان ونتائجها باستحياء شديد، وقد يكون باعث ذلك التحفظ ألا يكون عرض السباق الانتخابي فى هذه الدول الثلاث، تدخلا في شؤونها الداخلية، أو أخذا بالقول المأثور «دع الفتنة قائمة، في الدول العربية الأخرى»، وهو موقف الصحافة العربية كذلك التي تناقلت أنباء هذه الانتخابات وتوقعاتها والمعارك التي تدور فيها، وهو ما يختلف تماماً عن موقف هذه القنوات وهذه الصحافة في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فدور الرئيس الأميركي (القيصر الجديد) دور هام فى مصير العالم كله، بما يتضاءل معه الاهتمام العربي بالانتخابات العربية في هذا الوطن المترامي الأطراف، والتي يعتبرها الشارع العربي شكلا بغير مضمون، وتجريها حكوماته على هذا الأساس الشكلي لمواكبة التحول الديموقراطي في العالم.

نداء البابا فرانسيس

وقد فوجئ العالم العربي بما لم يفاجأ به باقي أجناس هذا العالم ببيان يدلي به البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، خلال مؤتمر صحافي، برأيه في السباق الانتخابي الرئاسي الأميركى، بين الرئيس السابق ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، وبين هاريس، نائبة الرئيس بايدن، ومرشحة الحزب الديموقراطي، في هذا السباق، بمناشدة الناخب الأميركي، بأن يصوت في الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجرى في شهر نوفمبر القادم، وفق ما يمليه عليه ضميره المسيحي، للمرشح الأقل شرا من المرشحين الرئاسيين، في سياق ما اعتبره البابا شرا قضيتين رئيستين، القضية الأولى مناهضة الهجرة، والقضية الثانية الإباحة المطلقة للإجهاض وهما قضيتان، جوهرهما حق الحياة، حيث يدعم المرشح الجمهوري ترامب مناهضة الهجرة، وهو المسؤول إبان فترة حكمه عن إقامة الجدار الفاصل على الحدود الأميركية المكسيكية، لمنع المكسيكيين من اجتياز الحدود، وكما تقف مرشحة الحزب الديموقراطي ضد إطلاق الإجهاض، وأغلبية الناخبين من الكاثوليك، يرون رأي هاريس في أن يكون الإجهاض بمبرر مشروع ومقبول، يقننه القانون، بما ينطوي رأي البابا بيقين، وإن لم يصرح بذلك، على أن هاريس هي الأقل شرا بين المرشحين، وهي التي يجب أن تذهب اليها أصوات الناخبين الأميركيين، لتفوز برئاسة القطب الأعظم والأوحد في العالم، والتي تملك أكبر ترسانة عسكرية، تهدد العالم بالفناء.

مواقف أخرى مشرفة للفاتيكان

وكان من نصيب البابا فرانسيس في مسار القضية الفلسطينية أنه أبرم اتفاقا ثنائياً في مايو عام 2015 بين الكرسي البابوي وفلسطين جاء فيه اعتراف صريح بدولة فلسطين.

وقد وصف الرجل الثاني بعد البابا فرانسيس، الكاردينال بارولين وزير خارجية الفاتيكان‏ بأن ما يحدث فى غزة مذبحة وطلب بأن «يكون حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والذي استندت اليه لتبرير الحرب على غزة مناسباً»، وأضاف بأنه «من المؤكد أن مقتل 30 ألف إنسان ليس متناسباً... وأعتقد أننا جميعاً غاضبون بسبب هذه المذبحة، ولكن يجب أن نتحلى بالشجاعة وألا نفقد الأمل في إيجاد طرق أخرى لحل مشكلة غزة ومشكلة فلسطين».

وكانت حاضرة الفاتيكان ولا تزال جداراً عالياً للشعب الفلسطيني باعتباره من المستضعفين في الأرض، وقبل وعد بلفور، فقد طلب هرتزل من البابا بيوس العاشر في شهر يناير عام 1904، أن يساعد اليهود على إقامة وطن قومي لهم، فأجابه البابا بأن الكرسي البابوي لا يساند الحركة الصهيونية في هذا الأمر، ولا يمنع اليهود من الذهاب إلى القدس لمن يشاء، واليهود لا يعترفون بالمسيح فكيف يمكن لليهود وضع القدس في أيديهم.

وقد كتب البابا بيوس الثاني عشر ‏ كتابا إلى الوزير البريطاني المفوض لدى الحبر الأعظم في صيف عام 1949، بعد نكبة قرار تقسيم فلسطين بأنه يفضل أن تكون الأراضي المقدسة تحت يد العرب، لا اليهود، طالما أن الظروف الحالية لا تسمح بوضعها تحت يد قوة ثالثة، بعد هذا التقسيم، وكانت منشورات البابا قبل ذلك والمنشورة في الصحيفة الفاتيكانية الرسمية، تدعم الشعب الفلسطيني، أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين.

وماذا يفعل الحاكم الأجنبي في مواجهة حكم مستبد استخدم كل أدوات القمع والإرهاب وترويع المواطنين وتجويعهم والزج بهم في السجون والمعتقلات، لا تعرف الحكمة طريقا الى عقله، ولا تعرف الرحمة طريقا الى قلبه.

المناظرات في الانتخابات الرئاسية

يخطئ من يظن أن المناظرات التي تجرى على شاشات التلفاز عبر القارات تحدد الرئيس القادم لأميركا، أو قيصر الإمبراطورية الجديدة، كما يخطئ من يظن أن هذه الانتخابات تحددها الدولة العميقة التي تحدد مصير الحكومات في غير أميركا وأوروبا، وهي الدولة التي تتكون من البيروقراطية ‏ المتمثلة بالطبقة الأرستقراطية أو بالأجهزة العسكرية الأمنية، وإن كان تأثير رأس المال في الانتخابات الأميركية لا يخفى على أحد بما تقدمه الشركات الرأسمالية الكبرى من تبرعات للمرشحين في انتخابات الرئاسة الأميركية، وقد شاهدنا بأعيننا على التلفاز، السيدة ميريام أديلسون الأميركية اليهودية، التي تبرعت للرئيس الأسبق ترامب بمئة مليون دولار في الخامس عشر من أغسطس الماضي لتحقق فوزه بالرئاسة، ليتعهد لها برفض حل الدولتين، لأن إسرائيل كما وصفتها المتبرعة ووصفها ترامب بعد تلقيه التبرع، دولة صغيرة المساحة لا تستطيع الدفاع عن نفسها، بسبب ضآلة مساحتها، إلا بالتوسع!

وإسرائيل تفسد في الأرض وتهلك الحرث والنسل وتعربد في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي، في ايران وفي لبنان وتثير رعب الحكومات العربية والإسلامية، التي لا تزال في صمت القبور رغم انقضاء سنة كاملة على المذبحة الإسرائيلية في غزة منذ طوفان الأقصى، ويصدق عليهم قول الله تعالى: « فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ». (سورة البقرة، 10).

المجمع الانتخابي

هو المجمع الذي أعطاه القانون الانتخابي الحق في انتخاب الرئيس، ويتكون من 528 عضواً يمثلون عدد أعضاء مجلس الشيوخ والنواب البالغ عددهم 525 الذين يمثلون الولايات، يضاف اليهم ثلاثة أعضاء يمثلون واشنطن العاصمة التي لا تعتبر ولاية، ويتم اختيار أعضاء المجمع الانتخابي بالطريقة المباشرة والذين يجتمعون بعد انتخاب الولايات وواشنطن لهم باختيار الرئيس الجديد، حيث يجد هذا الاختيار من هذا المجمع حده الطبيعي في خط أحمر، وهو قيادة أميركا للعالم، إن أخطأت الولايات في التصويت للمرشح لا يلبي هذا الخط الأحمر، وإذا رأت أن فوزه في الانتخابات يمثل خطراً على هذا الدور الأميركي فى قيادة العالم، حيث تقوم الدعاية الانتخابية لترامب على أنه الأقدر والأكثر كفاءة من هاريس في تحقيق هذا الدور.

الخط الأحمر في هذه الانتخابات

ويتمثل الحظ الأحمر في انتخابات الرئاسة الأميركية في أمرين متلازمين:

أولهما: العرق الأبيض وهو المتمثل فى موروث تاريخي وتقليد أساسي في أن يكون الرئيس من WASP أي البيض الانجلوسكسونية البروتستانت وقد اخترق أوباما هذا الخط الأحمر وإن كانت أمه تنتمى إلى هذا الجنس الأبيض، الأمر الذي يمكن أن يتجاوز عنه المجمع الانتخابي في أي انتخابات تالية، أما ما لا يمكن للمجمع أن يتجاوزه فهو الأمر التالي:

ثانيهما: دور أميركا في قيادة العالم سواء العالم الغربي أو قيادة العالم كله، وتمثل، روسيا والصين تهديداً عالمياً لهذا الدور، وتمثل إيران تهديدا إقليميا لهذا الدور في الشرق الأوسط، وعلى العكس من ذلك تمثل إسرائيل، ربيبة الولايات المتحدة وصناعتها في الشرق الأوسط ومخلب قط في قلب الوطن العربي، ودعما لدور أميركا في السيطرة على العالم في هذه المنطقة الحيوية لهذا الدور، ولها اليد الطولى في تحقيقه ولا يعدو أن يكون دور أميركا، هو دور إدارة الأزمات التي تتسبب فيها إسرائيل في الأرض المحتلة أو مع دول الجوار، وليس دور أميركا في حل هذه الأزمات، لأنها رهينة حتى في اختيار رؤسائها لدور أساسي لدولة إسرائيل التي تمثلها منظمة «ايباك» اليهودية التي تملك الكثير من المفاتيح الانتخابية في هذا السباق.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.