شكلت الهجمات على أجهزة الاستدعاء اللاسلكية «البيجر» التابعة لأعضاء في «حزب الله» في لبنان ضربة دعائية مضادة شاملة لأجهزة الأمن الإسرائيلية لا يمكن المرور عليها مرور الكرام.

قد يتساءل المرء: أي عقل بوسعه أن يفكر بمثل هذه المزحة المرعبة، التي تشبه مزحة «السيجار المتفجر» على نطاق واسع؟ لم تكن الجرأة الواضحة لهذه الهجمات غريبة على الإسرائيليين، وتمكنت بالفعل من طرح بعض النقاط بقوة.

Ad

أثبتت أن الإسرائيليين قادرون على اعتراض خطوط التوريد التابعة لـ«حزب الله»، وبسهولة تامة بوسعهم إيجاد بعض الوقت لزرع غرامات قليلة من المتفجرات العسكرية في كل جهاز، وأن يتم إخفاؤها كمكون إلكتروني.

لا شك أنها فكرة عبقرية، خارج كوريا الشمالية وهيئة الخدمات الصحية البريطانية، ظن العالم أن جهاز الاستدعاء «البيجر» لم يعد له وجود، هل سيستهدف جيش الدفاع الإسرائيلي أجهزة الفاكس تالياً؟

أكدت تلك الحادثة أن شبكات الاتصال التابعة لـ«حزب الله» هشة بشكل مستمر أمام الخرق الإسرائيلي، أما طبيعة الهجوم العلنية وطبيعة الإصابات والتغطية العالمية التي حظي بها فكانت مذلة لـ«حزب الله»، فمن وجهة النظر الإسرائيلية، حصد الهجوم أرواح تسعة إرهابيين على الأقل ومئات الإصابات والجرحى... بوسعكم تصور الإسرائيليين يحتفلون بنجاحهم، ولكنكم قد تتساءلون أيضاً ما الذي تحقق بالفعل؟

كان «حزب الله» يدرك حق الإدراك التسلل الإسرائيلي الذي طاول شبكة هواتفه المحمولة، ولهذا تحول إلى استخدام أجهزة «البيجر»، لكن يفترض أن يكون استبدال أجهزة الاستدعاء هذه ممكناً، مع إيلاء مزيد من الاهتمام والعناية بأمن تلك الأجهزة، ويمكن أيضاً أن تساعدهم إيران أو كوريا الشمالية في تشفير محادثاتهم بشكل أفضل وجعلها محصنة حتى ضد الهجمات الأكثر تطوراً (كما فعل بعض رجال السياسة لدينا خلال جائحة كورونا، فإن كان بوسع بوريس جونسون القيام بذلك، يمكن لأي كان تحقيق الأمر).

بعيداً عن كل الضحك والقهقهة، فإن فائدة ما حصل على جهود الحرب الإسرائيلية هي في أحسن الأحوال موقتة، فذلك لا يحمل أو يقدم أي فائدة على الإطلاق بالنسبة إلى أمن الشعب الإسرائيلي.

ومما لا شك فيه أن كل عملية عسكرية أو تجسسية يجب أن تستند إلى حسابات سليمة عما إن كانت، في هذه الحالة، تخدم مصالح إسرائيل، فذلك يعدّ منطقاً مشروعاً للغاية ومنظماً إلى أقصى الحدود، ولا يبدو من الواضح أن الهجمات التي شنت على أجهزة «البيجر» بلغت هذا الهدف، والأثر المباشر لهذا الحرج الذي أصاب «حزب الله» هو أنه سيسعى إلى الانتقام أكثر من أي وقت مضى ويعزز تصميمه لتحقيق ذلك.

يأتي ذلك خلال فترة في غاية الحساسية في محادثات السلام في شأن غزة، في وقت برز فيه كثير من الحالات الموثقة للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية الذين يحتلون الأراضي بشكل غير قانوني ويطردون الفلسطينيين، ولذلك إن «تمزيق» أجزاء من أجساد أعضاء من «حزب الله»- وبعض المارة الأبرياء- لا يؤدي إلى إعادة الرهائن الذين اختطفتهم «حماس» إلى ديارهم، ناهيك عن إلحاق الهزيمة بـ«حماس» وأيضاً عن إرساء إطار دائم من التعايش السلمي.

يبدو الأمر وكأن الإسرائيليين قرروا الحصول على بعض المتعة على حساب «حزب الله»، وهو ما قاموا به بالفعل، وكما هي الحال مع اتهامات إساءة معاملة السجناء الفلسطينيين وضخامة الحرب في غزة وطريقة إدارتها، فإن هذا كله يعكس كثيراً القيمة التي توليها القوات الإسرائيلية لحياة الفلسطينيين.

في نهاية المطاف، الإرهاب ليس مزحة أو نزهة، وإسرائيل ليست قريبة بتاتاً من تأمين السلام والأمن في محيطها، وهو السبيل الوحيد الذي يمكنها من الاستمرار والازدهار على المدى البعيد.

* شون أوغرايدي