رياح وأوتاد: إنكار المنكرات العامة بين التطرف والتفريط
كثير من الدعاة قدّموا محاضرات وندوات قيّمة بتحريم الخروج على ولي الأمر، وهو تعبير شرعي يقابله في القوانين الحديثة اصطلاح تغيير نظام الحكم بالقوة، أو إسقاط النظام العام أو الانقلابات، وقد نجح هؤلاء الدعاة في التصدي للفكر الخارجي وحماية الشباب من الغلو، ولكن بقي جانب آخر مهم، وهو كيف يكون التعامل مع المنكرات والأخطاء المنتشرة والتي تخالف شرع الله أو المصلحة العامة الموجودة في كثير من بلاد المسلمين اليوم؟ أي كيف يكون إنكارها مع الالتزام بعدم التطرف أو الخروج على النظام العام وولي الأمر؟
وللإجابة عن هذا السؤال، يجب الرجوع إلى بعض القواعد الشرعية الأساسية:
أولاً: الطاعة لولي الأمر ليست مطلقة، وهي في المعروف فقط، كما جاء في أحاديث عديدة، ولا يجوز للمسلم مدح أو ترويج القوانين والقرارات المخالفة لشرع الله، بحجة طاعة ولي الأمر، فهذا من التفريط، والعمل بها لا يجوز إذا كان له الخيار، إلا إذا كان مضطراً، كما في البلاد التي ليس فيها بنوك ولا شركات تأمين إسلامية مثلاً، فلا يستطيع تسلّم راتبه أو تأمين سيارته إلا من خلال إحدى هذه المؤسسات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن برئ فقد سلم، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع» (صحيح الجامع).
ثانياً: إنكار المنكر واجب، لكنّ القدرة على إنكار المنكر تختلف حسب الأحوال والبلاد، ففي الكويت مثلاً نستطيع الإنكار بإبداء الرأي العلني دون حرج أو خوف ودون ارتكاب جريمة بحق ولي الأمر أو النظام العام، لكن في بلاد أخرى، لا يستطيع المواطن حتى إبداء الرأي الذي قد يجرّه إلى عواقب وخيمة، ففيها يكون إنكار المنكر بالقلب، كما جاء في حديث إنكار المنكر «فإن لم يستطع فبقلبه، وهو أضعف الإيمان».
ثالثاً: لا يجوز إنكار المنكر بمنكر أكبر منه، فهناك من يجاوز إنكار الموضوع إلى التحريض على النظام العام، أو الهجوم والتحريض على ولي الأمر، أو الإساءة إلى متخذ القرار، ويقع بالتالي في مخالفة شرعية وقانونية، وهذا من الغلو.
رابعاً: يجوز إنكار المنكرات الظاهرة علناً، مثل الربا والحفلات الماجنة وبعض برامج الحكومة المعلنة وانتقادها إذا كانت تخالف الشريعة أو المصلحة العامة، وإبداء الرأي فيها بالصحف وفي وسائل التواصل، وكذلك بعض القوانين، مثل قوانين الانتخاب أو قوانين الإسكان أو غيرها، بشرط التزام الأسلوب العلمي والآداب الإسلامية، ودون التحريض على النظام أو الإساءة للأشخاص، أما الإنكار الشخصي على ولي الأمر فيكون بالنصيحة السرية.
هذه بعض القواعد الأساسية للإنكار والنقد البنّاء، أحببت التذكير بها للشباب، لكي يقوموا بالإنكار الشرعي دون الوقوع في التطرف والغلو، ولكي لا يظن السامع أن الإسلاميين يفرطون في الأحكام الشرعية فيسكتون عن الأخطاء والمنكرات مهما كانت عامة وظاهرة.