في الحقيقة، لم تعد شغاف قلوبنا تستحمل كل ما صار يتحقق أمامنا من أحلام وأماني وصلنا فيها بالسابق إلى قناعة على مدى عقود من الزمن، وبالأخص في العقدين الماضيين، أنها لا يمكن أن تتحقق من فرط استشراء الفساد وتعقّده من أعلى مستوى، سواء بالحكومة أو فيما كان يسمى مجلس أمة إلى أدنى عتبات السلّم الوظيفي.
هناك فرق كبير جداً بين أن تكون حكومياً تؤيدها لمجرد حفنة من المصالح المتبادلة، ضاربين معاً بالقانون عرض الحائط، وبين أن تكون وطنياً مؤيداً لها، لأنها أصبحت إصلاحية كما هي الحال الآن.
إن علينا جميعاً دعم قرارات الحكومة، رغم الحاجة إلى استبدال الكثير من المسؤولين فيها والكثير من التشريعات، ولا يزايد علينا أحد بانتقاد الحكومة دون أن يضع الحلول على الطاولة، ولا أن يلقي عليها بالاتهامات السمجة دون أن يملك الدليل.
كلنا يطمح إلى أن تتسارع الإنجازات وتُقوّم المثالب، لكنه ليس من الإنصاف أن نطالب الحكومة بإصلاح فساد دام عقوداً «في غمضة عين»، فهي لا تملك خاتم سليمان أو عصا موسى، عليهما السلام، مما يتطلب منّا تقديم كل الدعم، مع مزيد من النصح والبدائل لتسريع عجلة الإصلاح.
إن كثيراً مما طالبنا به تحقق خلال الأشهر الماضية، وعليه نوجه رسالة الشكر الجزيل للقيادة السياسية، فقد طالبنا بحلّ مجلس الأمة الذي عاث بنا فساداً، وتحقق ذلك، وطالبنا أخيراً بتغيير وزاري وإداري يشمل وزارتَي التربية والتعليم العالي والجامعة، وتحقق أيضاً!
كما تم قطع إحدى أذرع الفساد التي طالت التعليم، وطالبنا بحلها، وهي اتحادات الطلبة، بعدما شكلت تيارات تُدار بشكل حزبي وقبلي وطائفي منافٍ لقواعد المواطنة والولاء للدولة، ومخالفٍ للقوانين واللوائح والأخلاق الأكاديمية بأجندات سياسية وانتخابية خارج الحرم الأكاديمي، بما يلبي مصالح بعض الطلبة وبعض أعضاء هيئات تدريس.
أما فيما يتعلق بالجنسية، فما طالبنا به لسنوات قد تحقق بسحب الجناسي المزورة، وأما الأسبوع الماضي فتحققت أخيراً مطالب الكويتيين من سكانها الأصليين حين أُعلن وقف جميع طلبات التجنيس «بشكل نهائي»، وإلغاء طلبات تجنيس إحصاء 1965، ووقف تجنيس أبناء الكويتية المطلقة من وافد، ووقف تجنيس زوجة الكويتي الوافدة أو حصولها على أي مزايا لأبنائها بعد طلاقها أو وفاته، إذا ما تزوجت وأنجبت من وافد، ليبقى فقط إلغاء تعديل المادة 44 لسنة 1994، أما المقيمون بصورة غير قانونية، فتحقق سحب جوازات المادة 17 منهم، وتشديد القيود لتطبيق القانون.
***
سعد زغلول زعيم مصري تاريخي وقائد ثورة 1919، وأحد المطالبين باستقلال مصر، وكان موجوداً ومؤثراً في كل نقلة أحدثت تطوراً في مصر، وصار رئيساً لوزراء مصر ورئيساً للبرلمان.
ونُسبت لسعد زغلول عبارة شهيرة يرددها المصريون عند اليأس «مفيش فايدة يا صفيّة... غطيني»! وقد اختلف في توقيت قوله لها وسبب ذلك، والمرجح أنه قالها لزوجته صفية قبل دنو أجله وهو على فراش الموت، إمّا حسرة على حال الأمة، أو ليقينه بعدم فائدة الدواء.
وقد قلناها في الحقبة السابقة حسرةً على حال البلاد، لكننا الآن، وفي ظل القيادة الحالية وقراراتها الحازمة وتسارع عجلة الإصلاح التي صرنا غير قادرين على تصديق وتيرتها، ونحن نرى تحقق أحلامنا ومطالبنا تباعاً وتحوّل حسراتنا إلى انتصارات ويأسنا إلى إصرار يجعلنا ننهض لمزيد من العطاء، لدرجة جعلتنا نعكس مقولة سعد التي تأسّينا بها في يوم من الأيام حسرةً، وبدلاً من أن نقول «مفيش فايدة يا صفية... غطّيني»، نقول لها: أيقظيني يا صفية.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.