عبر كتاب رفعته إلى مجلس الوزراء، وبشعار جذاب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، خرجت إلى النور رؤية وزارة المالية لدمج الجهات والهيئات الحكومية، دون أي دراسة أو عرض آلية للتنفيذ، أو رسم سيناريو تداعيات ما بعد التنفيذ، أو حتى استشارة آراء المختصين، لتكون رؤيتها مثالاً حياً على التخبط والتسرع والعشوائية، وسبيلاً للوصول إلى تخريب الصالح بدلاً من إصلاح الخرِب، لينطبق عليها المثل القائل «جاء يكحلها عماها».
رؤية «المالية» التي جاءت تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء بشأن تكليف جميع الوزراء، كلٌّ فيما يخصه، بموافاة اللجنة الوزارية المشتركة للشؤون الاقتصادية والشؤون القانونية بالجهات والهيئات والمؤسسات الحكومية المقترح دمجها، احتوت على أمثلة كثيرة للتخبط، منها اقتراحها فصل السلطة القضائية عن وزارة العدل وتحويلها إلى هيئة ملحقة تحت مسمى هيئة القضاء على أن يكون وزير العدل هو الوزير المختص، فهل جاء الاقتراح بعد التباحث مع المجلس الأعلى للقضاء باعتباره الجهة المسؤولة عن شؤونه؟!
وفي حلقة مؤسفة أخرى من مسلسل التخبط، اقترحت «المالية» نقل معهد الكويت للأبحاث العلمية وهيئة أسواق المال من هيئتين مستقلتين إلى ملحقتين، باعتبار أن لهما طبيعة عمل خدمية مشابهة لعمل الوزارات والإدارات الحكومية والجهات ذات الميزانيات الملحقة، ويتم تمويلهما بصفة رئيسية من ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية حيث إن إيراداتهما الذاتية محدودة.
ويحمل هذا الاقتراح استهانة غريبة بالمعهد والهيئة على السواء، فإذا كانت «المالية» لا تقدر أهمية البحث العلمي وضرورة بقائه جهة مستقلة، فهل غاب عنها أهمية دور هيئة الأسواق بوصفها جهة رقابية ستتأثر بغياب دورها أو تقليصه بورصة قيمتها السوقية 42.2 مليار دينار وتستقطب اكثر من 5.2 مليارات استثمارات أجنبية؟! فضلاً عما أثبتته تلك الهيئة من نجاح في ملفات مهمة بالتعاون مع منظومة السوق (البورصة- المقاصة) كترقية بورصة الكويت في المؤشرات الدولية «فوتسي راسل» و«ستاندرد آند بورز» و«مورغان ستانلي»، إلى جانب نجاحها في ضبط نسبة كبيرة من التعاملات المشبوهة ومعاقبة المخالفين، وهو ما يرتب على دمجها مع غيرها تعرض سمعة البلاد المالية لتداعيات سلبية.
واقترحت الوزارة، في كتابها لمجلس الوزراء، دمج 34 جهة حكومية في 12 جهة، وإلغاء الهيئة العامة للطرق والنقل البري ودمجها مع وزارة الأشغال العامة - قطاع الطرق، كما أوصت بإلغاء المجلس الأعلى للتخطيط لوجود الأمانة العامة للتخطيط والتنمية.
وحدد الكتاب 3 أسباب لدمج الجهات المتشابهة في الاختصاصات ونطاق العمل، على رأسها «توحيد الرؤى أمام متخذ القرار وفك التشابك وتداخل الاختصاصات بين الجهات المتشابهة، وتسهيل الدورة المستندية، والحد من ضخامة أجهزتها الإدارية وتحجيم توسيعها مستقبلاً»، إضافة إلى تطوير الخدمات الحكومية وضمان فعاليتها وتقليص الدورة المستندية بين الهيئات والجهات الحكومية، والعمل على سرعة وجودة تأدية الخدمات، فضلاً عن تقليص الجهاز الإداري وخفض معدلات تنامي نفقات الرواتب وما في حكمها، ومعالجة الخلل الهيكلي بالميزانية العامة للجولة على المدى المتوسط وبعيد الأجل وتحجيم التوسعات بالهيكل التنظيمي والاداري الحكومي.
وتوقعت الوزارة في حال تنفيذ خطتها انخفاضاً في تقدير إجمالي النفقات الحكومية المخصصة للجهات المذكورة بنسبة 50 في المئة مرتكزة على توقعها انخفاط الباب الأول على المدى القريب 20 في المئة، وعلى المديين المتوسط والبعيد 50 في المئة، وذلك لإلغاء الوظائف القيادية والوسطى والمكافآت، كما توقعت انخفاض الباب الثاني 25 في المئة، لدمج عقود «النظافة والحراسة والمراسلين ونظم المعلومات والتدريب»، مع توقعها انخفاض الباب الثامن بنسبة 30 في المئة لأثر انخفاض المهمات الرسمية.
وفي ختام كتابها أكدت «المالية» أن الجهات التي لم تحقق الإنجازات أو أهدافها المنشودة عند إنشائها سيتم دمجها كي لا تظل عبئاً على عاتق الدولة، تماشياً مع توجهات رفع كفاءة الجهات الحكومية وإنتاجياتها، وتسهيل التحول الرقمي، وخلق ثقافة مهنية تسعى إلى التقدم والتطوير، على ألا يقتصر نطاق الدمج بين الجهات كأحد محاور تطوير القطاع العام، بل يشمل أيضاً وضع أسس وضوابط تحكم عملية إنشاء أي مؤسسات حكومية جديدة، تفادياً للتضخم في حجم القطاع العام.