تصاعد منسوب التوتر الإقليمي بعدما شنت إسرائيل، أمس، هجوماً واسعاً غرب اليمن ضد مدينة الحديدة الساحلية، التي تسيطر عليها جماعة «أنصار الله» الحوثية، في وقت تواصلت العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، الذي يترقب تحركات محتملة لـ «حزب الله».

ويعد اليمن الجبهة الرابعة التي هاجمتها إسرائيل، أمس، إلى جانب لبنان وغزة وسورية. وقال الجيش الإسرائيلي إنه شن، على بعد 1800 كلم من تل أبيب «بعشرات» الطائرات الحربية المقاتلة التي ترافقها طائرات التزود بالوقود، غارات على ميناء ومطار الحديدة ومحطة للطاقة، في وقت رأى مراقبون أن إشارة الجيش إلى مسافة 1800 كيلومتر هي رسالة واضحة لا تخطئ الهدف إلى إيران باعتبارها نفس المسافة التي تفصل إسرائيل عن أقرب نقطة مع إيران.

Ad

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن الرسالة واضحة من غارات اليمن بأنه لا يوجد أي مكان بعيد بالنسبة لإسرائيل، مضيفاً «لن نتراجع حتى اختفاء كل أعداء إسرائيل».

وفي وقت تبادلت قوات أميركية ومجموعات مدعومة إيرانياً، ليل السبت ـ الأحد، الاستهداف والقصف في محافظة دير الزور شرق سورية، أعلن «حزب الله» مقتل رئيس وحدة الأمن الوقائي بالحزب والمسؤول السابق عن المنطقة الجنوبية في المجلس التنفيذي للحزب نبيل قاووق، أمس الأول، إلى جانب الرجل الثالث في الحزب علي كركي في الغارة التي استهدفت نصرالله الجمعة، نافياً مقتل قائد «وحدة بدر» أبوعلي رضا في غارة على الضاحية.

وتشير هذه العمليات، إضافة إلى عشرات الغارات التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى ومنهم عائلة من 17 فرداً في بعلبك شرق لبنان و24 قتيلاً في عين الدلب قرب صيدا جنوباً، إلى الإصرار الإسرائيلي على مواصلة التصعيد العسكري للتوصل إلى اتفاق يوقف بموجبه «حزب الله» إطلاق النار، ويسحب قواته إلى شمال نهر الليطاني.

وأفاد مسؤولون أميركيون بأن إسرائيل على وشك أن تبدأ عمليات برية صغيرة النطاق أو «تحركات حدودية» داخل لبنان للقضاء على مواقع الحزب على الخطوط الأمامية الحدودية.

وشرع الحزب في لملمة الوضع الداخلي تحضيراً لتشييع نصرالله الذي يمكن أن يعلن خلاله عن خلفه.

وتحدثت مصادر عن وجود تجاذبات كثيرة بين مراكز قوى عديدة في الحزب لخلافة نصرالله كان الأمين العام الراحل وحده القادر على ضبطها ومساواتها والحفاظ على توازناتها، وذلك ما فتح أبواب التنسيق بين الضاحية وإيران لإعادة معالجة الوضع، وتشكيل الجسم العسكري والسياسي للحزب سريعاً، والبحث في آفاق وآليات الردّ على الاغتيال.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن مصدر بـ«الحرس الثوري» قوله، إن الأولوية الآن لدى إيران هي مساعدة الحزب على تسمية مَن سيخلف نصرالله، وإعادة بناء شبكة اتصال آمنة للحزب، وإعادة تشكيل هيكل قيادي له.

وقال البيت الأبيض أمس، إنه سيراقب ما سيفعله «حزب الله» لتعيين خليفة لنصرالله وسط تقارير إعلامية بأن رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين ابن خالة نصرالله وصهر الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي اغتيل في 2020، أكثر تشدداً من نصرالله، وأنه كان يضغط للتصعيد ضد إسرائيل في المواجهات المستمرة منذ أكتوبر.

وذكر رجل الدين الشيعي اللبناني الذي انفصل عن «حزب الله» قبل سنوات، وأصبح معارضاً للحزب محمد علي الحسيني، إنه كان مقرباً جداً من صفي الدين، وأن الأخير «متعطش للدماء»، ويعد متشدداً بالنسبة لنصرالله.

وفي تصريح يتناغم مع كلام للبطريرك الماروني بشارة الراعي، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، إن بلاده متمسكة بالدبلوماسية، وإن الجيش اللبناني جاهز لتنفيذ القرار 1701.

وذكرت «نيويورك تايمز»، نقلاً عن المسؤولين الإيرانيين، عن مخاوف من توجيه إسرائيل ضربة مضادة للبنية التحتية في البلاد إذا ردت على اغتيال نصرالله، مؤكدين أن طهران لا يمكنها تحمّل ضربة إسرائيلية كبرى على بنيتها الحيوية، في حين قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي يعارض التصعيد، إنه في حال لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف إسرائيل فستتحرك إيران.

عميل إيراني كشف مكان نصرالله

نقلت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية، عن مصدر لبناني، أن إسرائيل حصلت على معلوماتها الحساسة حول وجود الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في مقر حزبه بالضاحية بواسطة عميل إيراني.

وفي تفاصيل الخبر:

شنت إسرائيل ضربات على أهداف للحوثيين في اليمن أمس بعد أن أطلقت الحركة صواريخ على إسرائيل خلال اليومين الماضيين، مما يشير إلى اشتباك جديد على جبهة أخرى من الصراع بالمنطقة.

وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان، إن عشرات الطائرات، منها مقاتلة وأخرى للتزود بالوقود هاجمت محطات لتوليد الكهرباء وميناء بحريا في الحديدة على بعد 1800 كيلومتر من اسرائيل، وهي المسافة التي تفصل اسرائيل عن اقرب نقطة في الحدود الإيرانية.

وقال سكان إن الضربات تسببت في انقطاع التيار الكهربائي بمعظم مناطق مدينة الحديدة الساحلية.

وجاء في البيان «على مدار العام الماضي، ظل الحوثيون يعملون بتوجيه وتمويل من إيران، وبالتعاون مع جماعات عراقية مسلحة، لمهاجمة دولة إسرائيل وزعزعة استقرار المنطقة، والتأثير على حرية الملاحة العالمية».

وفي أحدث هجوم لهم، قال الحوثيون إنهم أطلقوا صاروخا بالستيا أمس الاول باتجاه مطار بن غوريون الدولي بالقرب من تل أبيب، والذي أعلنت إسرائيل اعتراضه. كما اعترضت صاروخا آخر أطلقه الحوثيون يوم الجمعة.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت إن «الرسالة واضحة من هجوم اليمن: لا يوجد مكان بعيد جدا»، وأضاف: «لن نتراجع حتى اختفاء اعداء اسرائيل».

وتواصلت أمس العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، بما في ذلك عمليات اغتيال قادة من «حزب الله»، في حين تمكنت فرق مختصة من انتشال جثمان الأمين العام للحزب حسن نصرالله. ونفى الحزب مقتل ابوعلي رضا قائد «وحدة بدر» في غارة على الضاحية أمس، وأقر بمقتل نبيل قاووق رئيس وحدة الأمن الوقائي بالحزب والمسؤول السابق عن المنطقة الجنوبية في المجلس التنفيذي للحزب أمس الاول، وعلي كركي في الغارة التي استهدفت نصرالله يوم الجمعة.

وتشير هذه العمليات إلى جانب عشرات الغارات التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى، بمن فيهم 24 شخصا في بلدة قرب مدينة صيدا الجنوبية وعائلة من 17 فردا في بعلبك شرق لبنان بالاضافة الى 4 اشخاص في بلدة جب جنين بينهم قيادي في الجماعة الإسلامية، إلى الإصرار الإسرائيلي على مواصلة التصعيد العسكري للتوصل الى اتفاق يوقف بموجبه «حزب الله» إطلاق النار، ويسحب قواته الى شمال نهر الليطاني.

من جهته، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، أمس، إنّ عدد النازحين قد يكون وصل إلى «مليون شخص»، معتبرا أنّ هذه قد تكون أكبر عملية نزوح في تاريخ البلاد. وشدد ميقاتي على أنه لا خيار امام لبنان سوى الحل الدبلوماسي وأن الجيش مستعد لتنفيذ القرار 1701 الذي انهى حرب 2006.

وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في بيان أمس، إنه أطلق عملية طارئة لتقديم الطعام لما يصل إلى مليون متضرر من الصراع في لبنان.

هزيمة كاملة؟

وأعلن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنه قصف «مئات الأهداف الإرهابية لحزب الله في لبنان» منذ مساء السبت، في حين قال الحزب إنه قصف مناطق إسرائيلية بصواريخ، لكن بوتيرة اقل من اليوم الذي سبقه.

ويقول مدير ملف سورية والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن: «إذا لم يرد حزب الله في هذه المرحلة بضربة استراتيجية مستخدما ترسانته من الصواريخ الدقيقة البعيدة المدى، فيمكن عندها افتراض أنه ببساطة غير قادر على فعل ذلك». مضيفا «إما أن نرى رد فعل غير مسبوق من حزب الله... أو ستكون الهزيمة الكاملة».

عملية برية

ويدرس وزير الدفاع الاسرائيلي يؤاف غالانت توسيع الحملة العسكرية في لبنان. وقالت وسائل اعلام عبرية إن استراتيجية إبادة قيادة «حزب الله» التي تتبعها اسرائيل المتوازية من توجيه ضربات ميدانية ومعنوية كبيرة له بما في ذلك عملية تفجير اجهزة الاتصالات التي يستخدمها عناصره وتدمير مخازن اسلحة وصواريخ وتهجير نحو مليون لبناني ينتمي معظمهم الى الطائفة الشيعية التي يتحدر منها «حزب الله»، هدفها أن تتجنب اسرائيل الحاجة الى عملية برية تسيطر بموجبها على شريط امني امامي داخل الأراضي اللبنانية يمكنها من الدفاع عن حدودها واعادة سكان الشمال الذين نزحوا عن الحدود هربا من صواريخ «حزب الله» وخوفاً من عملية مشابهة لعملية طوفان الاقصى التي شنتها حركة حماس في 7 اكتوبر الماضي في غلاف غزة.

وأفاد مسؤولون اميركيون بأن اسرائيل على وشك أن تبدأ عمليات برية صغيرة النطاق أو «تحركات حدودية» داخل لبنان للقضاء على مواقع «حزب الله» على الخطوط الامامية الحدودية.

وقال المسؤولون إن إسرائيل لم تقرر بعد بشكل كامل ما إذا كانت ستشن عملية برية، لكنها مستعدة لذلك، مضيفين أن الهدف الرئيسي للعملية هو الوفاء بالوعد الذي قطعته الحكومة لإعادة عشرات الآلاف من النازحين من شمال إسرائيل إلى ديارهم، وأن «قطع رأس» حزب الله عبر إبادة قيادته لا يبدو كافياً لتحقيق ذلك.

وقال وزير الدفاع السباق بيني غانتس انه يجب على اسرائيل شن عملية برية في حال لم تحصل على اتفاق موثوق. وفشلت حكومة رئيس الوزراء اليمينية المتشددة بزعامة بنيامين نتنياهو من تحقيق أهدافها في قطاع غزة لنحو عام، ولا شيء يمنع انجرارها الى حرب استنزاف في لبنان حيث التضاريس مختلفة وتسليح «حزب الله» افضل بكثير من «حماس» ولديه موارد بشرية ومالية تجعله قادرا على المقاومة وقتا طويلا.

مقر محصن

في الموازاة تشير مصادر متابعة إلى أن كل المعلومات حول كيفية اغتيال نصرالله مساء يوم الجمعة، ستبقى شحيحة إلى فترة طويلة، وأن التحقيقات والمعطيات لن تكون متوافرة، ولكن ما يبرز منها حتى الآن، هو الشكوك في تلقي الإسرائيليين معلومة «من مصدر بشري وعلى مستوى عال ورفيع» حول استعداد نصر الله لعقد اجتماع مع قيادات أساسية للحزب.

وانه بعد ذلك بدأت عملية الرصد والملاحقة والتتبع، فكان رصد اتجاه عدد من القيادات إلى المقرّ المستهدف. وبحسب المصادر تأكد الإسرائيليون من وجود نصرالله وانتظروا الأوامر للتنفيذ.

وعلى الرغم من القرار المتخذ مسبقاً والتحضيرات، فإن العملية نفذت بشكل سريع لتقليل احتمالات الخطأ. فنصر الله كان يفترض أن يمرّ سريعاً على قاعة الاجتماع المحصّنة للمصادقة على قرارات تتصل بإعادة هيكلة الجسم العسكري في الحزب.

وتقول المصادر ان المقر المركزي لـ «حزب الله» الذي قصفته اسرائيل، بني بعد حرب 2006، وهو محصّن بشكل جيد، طريقة الوصول إليه تحتاج إلى العبور بكاراجات متعددة مشابهة للأنفاق، ومتصلة ببعضها البعض. كان الاجتماع مع قائد الحرس الثوري في لبنان عباس نيلفوروشان الذي يشغل منصب نائب قائد «فيلق القدس»، والمسؤول العسكري علي كركي، وبعض المسؤولين الأمنيين.

وبحسب المعلومات المتوافرة حتى الآن، فقد حضر الاجتماع 22 شخصاً، توزعوا على غرفتين، الأولى فيها نصرالله ونيلفوروشان وكركي و5 أشخاص آخرين مقربين من نصرالله، أحدهم مدير مكتبه وأمين سرّه سمير توفيق ديب، وبعضهم الآخر من المسؤولين الأمنيين الكبار في الحزب. أما الغرفة الثانية فكان فيها 14 شخصاً، من المرافقة وجهاز الأمن والحماية. وبعيد انعقاد الاجتماع نفّذت العملية سريعاً.

وقال الجيش الاسرائيلي أمس إن 20 قيادياً قتلوا مع نصرالله جميعهم مهمون بينهم إبراهيم حسين جزيني، المسؤول عن وحدة الأمن الخاصة بنصرالله.

جاسوس إيراني

وأفادت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية، نقلاً عن مصدر أمني لبناني، بأن إسرائيل تمكنت من الحصول على معلومات حساسة حول تواجد الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله في مقر حزبي بضاحية بيروت بواسطة عميل إيراني. وبحسب المصدر، فإن الجاسوس تمكن من اختراق الدائرة الداخلية للحزب، وإيصال معلومات دقيقة حول تحركات نصرالله الذي كان في بيروت يوم الجمعة للمشاركة في جنازة محمد سرور، مسؤول وحدة المسيّرات في الحز والذي قتل قبل ذلك بيوم.

وتقول «لوباريزيان» إنه بعد جنازة سرور مباشرة، وصل نصرالله إلى المقر في الضاحية يرافقه في السيارة نائب قائد «فيلق القدس» المسؤول عن «الحرس الثوري» في سورية ولبنان العميد عباس نيلفوروشان، بينما تأكد الإسرائيليون، الذين فرضوا مراقبة جوية على مدار الساعة للمكان، من تحركهم.

ووفقاً للمصدر نفسه، تم إبلاغ الإسرائيليين بعد الظهر من جاسوس إيراني بالوصول الوشيك لنصرالله للمقر، فنصبت طائرات «F-35» تابعة للجيش الإسرائيلي، ومجهزة بقنابل خارقة للتحصينات، كمينا في سماء لبنان وانتظرت وصول الهدف إلى مركز القيادة.

وتقول الصحيفة إن الاجتماع الطارئ شارك فيه 12 قائداً آخر بحضور نصرالله. وانتظرت الأجهزة الإسرائيلية حتى أصبح الجميع في الغرفة التي يخطط فيها «حزب الله» عملياته العسكرية، في أقبية شديدة الحراسة، ثم أصدروا الأمر بالقصف لتُسقط المقاتلات الإسرائيلية ست قنابل تزن كل منها 2 طن. وكانت وسائل اعلام اميركية تحدثت عن استخدام 82 قنبلة وزن كل واحدة منها يبلغ طناً.

ووفقا للصحيفة فإن هذا الاختراق الذي قام به العميل الإيراني ساعد الإسرائيليين في توقيت الهجوم بدقة شديدة لضمان وجود نصر الله في المجمع السكني في حارة حريك لحظة القصف.

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» أفادت بأن اسرائيل كانت تعرف مكان تواجد نصرالله منذ 3 أشهر، لكنها حصلت على «معلومة ذهبية» مكنتها من تحديد مكان نصرالله وقتله.

اجتماع للمعاتبة

من ناحيتها، قالت «وول ستريت جورنال» في تقرير نشرته أمس الأول، إن اجتماع نصرالله مع كبار قادة الحزب الذي جرى في مخبأ على عمق أكثر من 60 قدما اسفل مقر الحزب، كان مخصصاً لبحث التعبير عن إحباط بعض قادة «حزب الله» من أن إيران تمنعهم من الرد بقوة أكبر على الهجمات الإسرائيلية، وفقًا لأشخاص مطلعين على مناقشات حزب الله.

وبحسب «وول ستريت» بدأ المسؤولون الإسرائيليون مناقشة خيار قتل نصر الله بجدية في الأيام الأخيرة، وفقا لشخص مطلع على الأمر. وأوضح مسؤولون في تل أبيب أن التوقيت الدقيق للضربة كان بالمصادفة، وجاء بعد أن علمت المخابرات الإسرائيلية بالاجتماع قبل ساعات من حدوثه.

تجاذبات الخلافة

الى ذلك، رغم الارباكات في صفوف «حزب الله» الناجمة عن الاغتيالات واستمرار الضربات الاسرائيلية وحال الانكشاف الامني والحديث عن خروقات، شرع الحزب في لملمة الوضع الداخلي تحضيراً لتشييع نصرالله الذي يمكن ان يعلن خلاله عن خلفه. ولا يمكن إغفال وجود تجاذبات كثيرة بين مراكز قوى عديدة في الحزب كان نصرالله وحده القادر على ضبطها ومساواتها والحفاظ على توازناتها. وذلك ما فتح أبواب التنسيق بين الضاحية وإيران لإعادة معالجة الوضع وتشكيل الجسم العسكري والسياسي للحزب سريعاً والبحث في آفاق وآليات الردّ على الاغتيال.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن مصدر بـ«الحرس الثوري» قوله إن الأولوية الآن هى إعادة بناء شبكة اتصال آمنة للحزب وإعادة تشكيل هيكل قيادي له، ومساعدته على تسمية من سيخلف نصرالله.

وقال البيت الابيض امس إنه سيراقب ما سيفعله «حزب الله» لتعيين خليفة له وسط تقارير اعلامية ان صفي الدين ابن خالة نصرالله وصهر الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي اغتيل في 2020، اكثر تشدداً من نصرالله، وأنه كان يضغط للتصعيد ضد إسرائيل في المواجهات المستمرة منذ اكتوبر.

وقال رجل الدين الشيعي اللبناني الذي انفصل عن حزب الله قبل سنوات واصبح معارضا للحزب محمد علي الحسيني، انه كان مقربا جدا من صفي الدين، وأن الأخير «متعطش للدماء»، ويعد متشدداً بالنسبة لنصرالله.

انتشال الجثة

وقال مصدر طبي وآخر أمني لـ «رويترز» أمس، إنه تم انتشال جثة نصرالله من موقع الهجوم الجوي الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت وإنها سليمة. ولم يذكر بيان الحزب تأكيد مقتل نصرالله أمس الأول كيف قُتل أو موعد جنازته، لكن المصدرين قالا إن جثته لم تكن بها جروح مباشرة، ويبدو أن سبب الوفاة صدمة حادة من قوة الانفجار. وكان مصدر إيراني قال لـ «الجريدة»، إن نصرالله أصيب بجروح بالغة، وكان لا يزال حياً حتى صباح السبت.

الجيش والراعي

ووسط مشاعر متضاربة بين اللبنانيين المنقسمين بشدة حول نصرالله وسياسات حزب الله، حض الجيش اللبناني أمس على «عدم الانجرار وراء أفعال قد تمس بالسلم الأهلي» و«الحفاظ على الوحدة» في بلد يشهد انقساما سياسيا وطائفيا.

وترسانة «حزب الله» محور خلاف ونقطة حساسة في المشهد اللبناني منذ فترة طويلة في بلد شهد من قبل حربا أهلية. ويقول معارضو ومنتقدو الحزب، إن الجماعة جرّت منفردة البلاد لصراعات، وتسيطر على قرار الحرب والسلم، وترفض تقديم تنازلات في التسويات السياسية معتمدة على قوتها.

وقال بطريرك الموارنة في لبنان بشارة بطرس الراعي، وهو أكبر رجل دين مسيحي في البلاد، في كلمة خلال قداس، إن اغتيال إسرائيل للأمين العام لجماعة حزب الله «جاء... ليفتح جرحا في قلب اللبنانيين».

ووجه الراعي من قبل انتقادات للحزب واتهمه بجر لبنان الى الصراعات في المنطقة.

لكنه قدم تعازيه، وقال «نبدي مشاعر التعزية الشخصية لعائلة ولبيئة السيد حسن نصرالله، نسأل الله لها الصبر والعزاء». لكنه قال في تلميح واضح: «نسأل الله أن يمنحنا هبة السلام، وأن يضع حدا للحرب بالمفاوضات والطرق الدبلوماسية. فالحرب تدمر المنازل وتهّجر أهلها وتقتل. إن كل الأطراف خاسرون ومغلوبون».