تتعدد وسائل صيد الأسماك والربيان في منطقة الخليج العربي، فمنها البسيط والقديم مثل الخيط والميدار والقرقور (جمعها قراقير) لصيد الأسماك القاعية مثل الهامور والنقرور، ومنها الشبك أو الليخ لصيد الأسماك السطحية مثل الزبيدي والميد، ومنها وسائل تستخدم التقنيات الحديثة مثل الجر القاعي أو ما يسمى «الكوفة» لصيد الربيان، ولكل وسيلة صيد إيجابياتها وسلبياتها، فمن إيجابيات الوسيلة سهولة استخدامها ومدى كفاءتها في الصيد، ومن سلبياتها مدى إضرارها بالبيئة البحرية والثروة السمكية.

وأتناول في هذا المقال شرحاً لطريقة صيد الربيان بواسطة الكوفة، وهي الطريقة المثلى عملياً واقتصادياً لصيد الربيان مما جعلها الأكثر استخداماً في جميع بحار العالم، كما أشرح طريقة صيد الأسماك القاعية بواسطة القرقور، وهي طريقة تستخدم منذ القدم على نطاق واسع في جميع الدول المطلة على الخليج العربي في صيد أسماك الهامور والنقرور، وبالرغم من كفاءة هاتين الطريقتين في الصيد فإن آثارهما السلبية على الثروة السمكية كبيرة، وسأبين في هذه المقالة الآثار السلبية لهاتين الطريقتين على الثروة السمكية، وكيف أنه من الممكن من خلال تطبيقات الدراسات العلمية تطوير هاتين الطريقتن بهدف الحد من جوانبهما السلبية على الثروة السمكية.

Ad

الجر الخلفي (الكوفة)

الكوفة عبارة عن كيس كبير من الشباك له فتحات متوسطة الحجم في بدايته وفتحات صغيرة في نهايته، وتربط الكوفة من طرفيها وتجر خلف مركب الصيد، وكل مركب صيد في الكويت يجر كوفتين واحدة على يمين المركب والأخرى على يساره، وحتى تبقى الكوفة مفتوحة خلال عملية الجر على قاع البحر يتم ربط سلسلة من الحديد على طول الجانب الأسفل من الكوفة كما يتم ربط عدة طفاحات كروية على الجانب الأعلى منها، وخلال عملية الصيد، يبحر المركب بسرعة متوسطة، وتعمل السلسلة على نبش الرمل على قاع البحر مما يؤدي إلى إخراج الربيان المختبئ في الرمل ومن ثم ينقاد الربيان إلى داخل الكوفة.

وخلال عملية الصيد يدخل كيس الكوفة مع الربيان العديد من الأسماك الصغيرة الحجم والأسماك الكبيرة قد لا تكون مرغوبة من مثل الجرجور واللخم، وفي بعض الأحيان السلاحف البحرية، ويطلق على هذا المصيد غير المرغوب بالمصيد الجانبي، وكمية المصيد الجانبي من الأسماك الصغيرة التي لا تطرح عادة في السوق كبيرة وتعادل نحو سبعة أضعاف كمية الربيان، فكل سلة من الربيان يتم اصطيادها تعادل سبع سلات من المصيد الجانبي من الأسماك الصغيرة التي تموت عادة قبل رميها في البحر، وهذه من الآثار السلبية لشباك الجر القاعي على البيئة البحرية في إعدام كميات كبيرة من صغار الأسماك.

وهنا يطرح السؤال: هل هناك وسيلة لتقليل الآثار السلبية في استخدام الكوفة من خلال خفض حجم المصيد الجانبي من الأسماك الصغيرة وحماية الأسماك الكبيرة التي ليس لها قيمة في السوق مثل اللخم والجرجور، وكذلك السلاحف البحرية، وفي الوقت نفسه الاستمرار في استخدام الكوفة لصيد الربيان؟

وللإجابة عن هذا التساؤل قام الباحثان سعود الأيوب وعلي الباز في عام 2003 عندما كانا يعملان بمعهد الكويت للأبحاث العلمية بتجارب طويلة في استخدام وسائل للحد من المصيد الجانبي، وقد استخدما في التجارب كوفة معدلة فيها عدة فتحات كبيرة في الأعلى تسمح بخروج الأسماك الصغيرة، لأن الأسماك عندما تدخل الكوفة تسبح إلى أعلى محاولة الخروج وعندما تجد هذه الفتحات الكبيرة تبدأ بالهروب من الكوفة، أما الربيان فيظل يسبح على قاع الكوفة بعيداً عن الفتحات حتى نهاية الكوفة، كما تم وضع قواطع من الألمنيوم في مقدمة الكوفة كمصدات تعوق دخول اللخم والجراجير الكبيرة، مع وضع شبك يمنع دخول السلاحف البحرية.

وخلال الفترة بين أكتوبر 2003 ومارس 2004 قام الأيوب والباز بتجارب على الكوفات المعدلة على خمس فترات وكل فترة مدتها خمسة أيام صيد متواصلة في مناطق صيد الربيان، وذلك على متن أحد مراكب صيد الربيان، حيث قام الباحثان بوضع كوفة عادية على أحد جوانب مركب الصيد، وتم وضع كوفة معدلة للحد من المصيد الجانبي ومصد للسلاحف البحرية في الجانب الآخر، وبدأ الصيد بمعدل سبع مرات في النهار والليل ولمدة خمسة أيام، وبعد الانتهاء من كل عملية صيد التي تستغرق عادة ما بين ساعة الى ساعتين يتم رفع الكوفتين وإنزال المصيد من الأسماك والربيان، وبعدها يتم مقارنة كميات مصيد الربيان وكميات المصيد الجانبي بين الكوفتين.

وقد لوحظ أن كمية مصيد الربيان لم تتأثر ولا يوجد فرق بين محصول الكوفتين، ولكن هناك فرق في كمية المصيد الجانبي من الأسماك الصغيرة والأسماك الكبيرة غير المرغوب فيها، فقد قل المصيد الجانبي في الكوفة المعدلة بنحو النصف، حيث قل المصيد الجانبي من سبع سلات لكل سلة ربيان الى 4 سلات فقط، كما قل أعداد اللخم والجرجور في الكوفة المعدلة بنحو الثلث مقارنة بالكوفة العادية، أما بالنسبة للسلاحف فلم يتبين مفعول الكوفة المعدلة، حيث لم يتم اصطياد سلاحف بحرية خلال فترة التجربة.

مقبرة الهامور

يصطاد الهامور والأسماك القاعية الأخرى من مثل النقرور والنويبي بكميات كبيرة باستخدام القرقور، وهو عبارة عن صندوق على شكل قبة مشبكة مصنوع من الأسلاك الحديدية، وله بابان أحدهما على شكل قمع تدخل الأسماك منه ولا تستطيع الخروج، والباب الآخر يسمى باب الهروب، ويكون مغلقا طول فترة الصيد، يفتحه الصياد فقط لإخراج محصول السمك، ويقوم الصياد في البداية بوضع طعم بداخل القرقور من خلال باب الهروب ومن ثم إغلاقه وبعدها يتم إنزال القرقور على قاع البحر وتركه لعدة أيام، ولا يضع الصياد علامة تدل على موقع القرقور خوفا من سرقته ولكن يتم ربط مجموعة من القراقير بعضها ببعض بواسطة سلسلة من الحديد، ويتم إنزال السلسلة في قاع البحر، ويقوم الصياد بتحديد موقع المجموعة بواسطة أجهزة الأقمار الصناعية.

وعندما يحين وقت الحصاد، يقوم الصياد بتحري موقع مجموعة القراقير ومن ثم يتم إنزال مشبك كبير من الحديد في قاع البحر مربوطاً بحبل على المركب، ويسحب المشبك يميناً ويساراً حتى يعلق المشبك بالسلسلة ومن ثم يتم سحب مجموعة القراقير، وفي كثير من الأحيان لا يستطيع الصياد العثور على موقع مجموعة القراقير بسبب تحركها من مكانها نتيجة التيارات البحرية، وبالتالي تظل المجموعة تحت الماء إلى الابد، وعند ضياع القرقور في البحر تظل الأسماك تدخل ولا تستطيع الخروج مما يؤدي في النهاية الى نفوقها، وتعمل الأسماك النافقة بدورها طعماً لإسماك أخرى وبالتالي يستمر القرقور في نفوق الأسماك لمدة طويلة ويصبح مقبرة للأسماك الميتة، ولا شك أن ضياع القراقير تحت الماء خسارة كبيرة للصياد لكنها أيضا خسارة للثروة السمكية، والسؤال هنا، هل هناك وسيلة للحد من استمرارية القرقور في حالة ضياعه في اصطياد الأسماك التي تنفق بسبب انحباسها داخله.

والجواب نعم، فقد قام الباحث علي الباز خلال عمله بمعهد الكويت للأبحاث العلمية بعمل مسح ميداني امتد من شهر مارس عام 2004 حتى سبتمبر 2005، لحصر عدد قراقير الصيد وتدوين عدد المفقود منها وذلك من خلال مرافقة مراكب الصيد التي تستخدم القراقير، وخلال رحلات الصيد تلك، تم رصد 205 قراقير، وتبين أن مدة ترك القرقور تحت الماء تتراوح ما بين ثمانية أيام وعشرين يوما، ومتوسط مصيد القرقور الواحد نحو 4 كيلو غرامات من السمك، في حين بلغ معدل فقد القراقير تحت الماء نحو 15 في المئة، كما تم حصر مجموع عدد القراقير التي تعمل سنوياً والتي قدرت بنحو 14.800 قرقور، وعليه فإن عدد القراقير التي تضيع سنوياً تبلغ نحو 2.220 قرقور.

وبالتالي فإن كمية نفوق الأسماك بسبب فقدان القراقير تقدر بنحو تسعة أطنان، وتستمر الخسارة طالما استمر القرقور بالعمل كمقبرة للأسماك، وللحد من هذه الخسارة، فقد تم التعاون مع المهندسين بدائرة تقنيات البناء بمعهد الكويت للأبحاث العلمية في تطوير سبيكة من المواد مبنية على عملية كيميائية تسمى التآكل الجلفاني، كما تم تصنيع دبابيس من هذه السبيكة ووضعها على باب الهروب في القرقور، وتبين من خلال التجربة أن هذه الدبابيس تبدأ بالتآكل عند غمرها بماء البحر وتذوب خلال عشرين يوما مما يؤدي الى فتح باب الهروب تلقائيا وخروج الأسماك التي تدخل القرقور المفقود وبالتالي منع تحويل القرقور إلى مقبرة للأسماك القاعية وأهمها الهامور.

وفي النهاية يجب الإشادة بالتعاون البناء بين الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية وبين معهد الكويت للأبحاث العلمية وبدعم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في نجاح هذه الدراسات التي وفرت الحلول العلمية لحماية الثروة السمكية، ونأمل أن يستمر التعاون حتى يتم تطبيق نتائج هذه الدراسات وذلك من خلال إلزام جميع مراكب صيد الربيان باستخدام الكوفة المعدلة، وكذلك إلزام جميع مستخدمي القرقور لصيد الأسماك القاعية في وضع الدبابيس المصنوعة من سبيكة التآكل الجلفاني على باب الهروب في القراقير.* مدير دائرة الزراعة البحرية والثروة السمكية بمعهد الكويت للأبحاث العلمية سابقاً