اكتسب المجتمع المدني في أوزبكستان على مر السنين دوراً حيوياً في مكافحة الفساد، حيث لا يقتصر دوره على المشاركة في الشأن العام والدولة فقط، بل بات يقدم مبادرات، ويتخذ الإجراءات اللازمة لمكافحة هذه الآفة. إن الفساد والمجتمع المزدهر لا يمكن أن يتعايشا، وقد أدركت أوزبكستان أن القضاء على الفساد هو مفتاح تقدمها الوطني.
في هذا الصدد، تلعب الدولة دورًا محوريًا في هذه المعركة، بدءاً من إنشاء إطار قانوني يتماشى مع المعايير الدولية، مثل تلك المنصوص عليها في المادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، كما تشمل الأسس القانونية مرسومًا رئاسيًا بعنوان «التدابير الإضافية لتحسين نظام مكافحة الفساد في جمهورية أوزبكستان»، والذي يركز على خلق سدّ في وجه الفساد من خلال رفع الوعي القانوني لدى المواطنين، وتعزيز الثقافة القانونية، ونشر المعلومات حول الوقاية من الفساد.
وتقود وكالة مكافحة الفساد هذه الجهود بالتعاون مع المجتمع المدني والقطاعات غير الحكومية. ويشمل عملها عدة مبادرات، من بينها زيادة المعرفة القانونية العامة، وتنظيم تدريبات لمكافحة الفساد، وإجراء دراسات اجتماعية وعلمية لتحليل اتجاهات الفساد. كما تراقب الوكالة شفافية الحكومة وتعمل على تنفيذ آليات النزاهة العامة في المؤسسات الحكومية.
ولعلّ إحدى الخطوات المهمة لتعزيز مشاركة المجتمع المدني في جهود أوزبكستان لمكافحة الفساد تتمثل في إنشاء المجلس الوطني لمكافحة الفساد، حيث يشكل ممثلو المجتمع المدني 25 في المئة من أعضائه، وترتفع هذه النسبة إلى 37 في المئة على المستوى الإقليمي. ويوفر هذا المجلس منصة للحوار بين الوكالات الحكومية والمؤسسات المدنية لتحديد أولويات مكافحة الفساد ومساءلة المسؤولين الحكوميين أمام الجمهور.
بالإضافة إلى ذلك، أنشأت وكالة مكافحة الفساد مجلسًا عامًا، حيث يشكل ممثلو المجتمع المدني 63 في المئة من أعضائه. ويلعب هذا المجلس دورًا حيويًا في مراقبة خطط مكافحة الفساد، ويقدم مقترحات تشريعية لتعزيز جهود النزاهة العامة داخل المؤسسات الحكومية.
على سبيل المثال، بادر المجلس بعقد جلسة استماع مع وزارة الصحة لتقييم تقدم مشروع «مجال خالٍ من الفساد» في قطاع الرعاية الصحية، فيما أبرمت أوزبكستان شراكات قوية مع حركات وطنية مثل «يوكساليش» والمنظمات الدولية مثل «الحوار الإقليمي» (سلوفينيا).
وأسفرت هذه التعاونات عن مشاريع مثل مختبر مكافحة الفساد، الذي يجري أبحاثاً في مجالات ذات المخاطر العالية للفساد. وقد أجريت بالفعل دراسات في قطاعات مختلفة، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية ومرافق ما قبل المدرسة.
ويشارك الجمهور بنشاط في مراقبة شفافية الحكومة وفعالية تدابير مكافحة الفساد. ويشكل أعضاء المجتمع المدني 33 في المئة من مجموعة الخبراء المسؤولة عن تقييم هذه الجهود، و18 في المئة من لجنة تقييم فعالية وشفافية الحكومة. كما قدمت أوزبكستان نظام منح لدعم المنظمات غير الحكومية في عملها لمكافحة الفساد، ففي عامي 2021 و2022، حصل 12 مشروعًا على منح بلغ مجموعها 70 ألف دولار من شركاء دوليين، و500 مليون سوم أوزبكي من المؤسسة العامة تحت المجلس الأعلى.
وشملت المشاريع الممولة أبحاثًا عامة، وتدريب الصحافيين، وتطوير مواد تعليمية للمدارس، في ممارسة تعكس توّجها رسميا لدعم المنظمات غير الحكومية الإقليمية وتم تعميمها في جميع أنحاء البلاد. وفي عام 2023، أعلنت مناطق مثل قشقاداريا، بخارى، فرغانة، ومدينة طشقند عن مسابقات منح للمشاريع غير الحكومية، بقيمة 266 مليون و900 ألف سوم. وبحلول عام 2024، تم الإعلان عن مواضيع المنح في جميع المناطق الـ 14، بتمويل إجمالي بلغ 1,345.4 ألف سوم.
وتزداد أهمية مشاركة الجمهور في الإبلاغ عن الفساد. وبناءً على أفضل الممارسات الدولية، قدمت أوزبكستان نظامًا لمكافأة المواطنين الذين يبلغون عن جرائم الفساد، حيث تمت مكافأة أكثر من 100 شخص على مساهماتهم في العامين الماضيين. وقد طورت الوكالة منصات مثل "E-antikor.uz” الإلكترونية ومركز اتصال يتيح للمواطنين الإبلاغ عن الفساد. وفي عام 2022، تلقى مركز الاتصال 2,300 مكالمة، وارتفع هذا العدد إلى أكثر من 4,500 في 2023، مما يظهر تزايد عدم التسامح المجتمعي تجاه الفساد.
وتشير هذه التطورات إلى توجه جديد في سياسات أوزبكستان، حيث تعمل الدولة والمجتمع المدني بشكل وثيق لتنفيذ إصلاحات تهدف إلى مصلحة الأفراد وبناء مجتمع خالٍ من الفساد. وعلى الرغم من إحراز تقدم كبير، ستواصل أوزبكستان جهود تعزيز الوعي العام ودور المجتمع المدني في تحسين جودة المشاركة العامة والمساءلة في مكافحة الفساد.
يوميدا توختاشيفا نائبة مدير وكالة مكافحة الفساد في جمهورية أوزبكستان دكتوراه وأستاذة في القانون