يحل علينا شهر أكتوبر وتحل معه ذكريات مؤتمر جدة أيام الغزو العراقي الغاشم، والدروس المستفادة من تلك التجربة المريرة التي مرت على الشعب الكويتي، وعندما نتمعن في ذلك المؤتمر الهام نجد أن الشرعية لم تكن تسعى إلى تجديد شرعيتها من الشعب الكويتي فتلك مسألة لم تكن مطروحة للنقاش أصلاً، وما جاء على لسان أول رئيس لمجلس الأمة الراحل عبدالعزيز الصقر في ذلك المؤتمر لخص تاريخ العلاقة بين الشعب الكويتي والأسرة الحاكمة بقوله: «في لقاء كهذا رسمي الدعوة، شعبي الاستجابة ليس الهدف أبداً مبايعة آل الصباح، لأن مبايعة الكويتيين لهم لم تكن يوماً موضع جدل لتؤكد، ولا مجال نقض لتجدّد، ولا ارتبطت بموعد لتمدّد، بل هي بدأت محبة واتساقًا، واستمرت تعاونًا واتفاقًا، ثم تكرّست دستورًا وميثاقًا».
ما كانت تبحث عنه الحكومة حينها هو الرد على مقترح الرئيس الفرنسي ميتران لعمل استفتاء بين الكويتيين وكذلك الرد على الأباطيل التي روجها البعث العراقي بأن ما حصل صبيحة يوم 2 أغسطس هو ثورة لا غزو، لذلك حشدت لعقد ذلك المؤتمر، ونجحت في دعوة جميع مكونات الشعب الكويتي بما فيها أعضاء مجلس 1985م المنحل.
ما يهمني استحضاره في هذا المشهد هو دعوة رؤساء جمعيات النفع العام، وهو ما يؤكد على أهميتها كونها حتى وقوع الغزو شيء مما تبقى من ملامح النظام الديموقراطي، ولأنها تمثل إحدى مفردات اللغة العالمية التي يفهمها العالم الغربي.
ولأننا نعيش في خضم حالة من عدم الدراية بدور مؤسسات المجتمع المدني في المجتمع، دعوني أذكر أن الكثير من تلك المؤسسات حققت لاسم دولة الكويت حضوراً مميزاً في الاتحادات العربية والدولية والمنظمات العالمية من خلال عضويتها ومناصبها القيادية في تلك المنظمات، ذلك الحضور الموازي للحضور الرسمي له أهمية بالغة في ترسيخ كيان الدولة الصغيرة في المحافل الدولية ورافد هام لخطابها الرسمي.
الأمر الثاني وهو أن مؤسسات المجتمع المدني على اختلاف أنواعها، أعمالها تطوعية ومن يعمل فيها متطوع لا يتقاضى أجراً، وتكريس تلك القيمة في المجتمع وهي التطوع، بوابة واسعة لخدمة الوطن وخلق مواطن إيجابي لا يفكر بالمقابل والمردود مقابل كل عمل.
الأمر الثالث وهو في غاية الأهمية أن مؤسسات المجتمع المدني منطقة حيوية لصهر مكونات المجتمع وزيادة تماسكه من خلال كيانات تجمعها مهنة أو هواية أو خدمة عامة.
في الختام وفي خضم التراجع الكبير في النظرة لأهمية ودور مؤسسات المجتمع المدني لن أستغرب من ظهور توجهات أو قرارات تضيق على ما هو ضيق أصلاً، لأن تلك النظرة مع الأسف الشديد تخلط بين عمل تلك المؤسسات وعمل الجهات الربحية، كما أنها لا تتعامل مع خطأ الجهة أو الفرد كل على حدة، بل يتم التفكير فوراً بالعقاب الجماعي، وبالتالي أوجه رسالتي لأصحاب القرار مذكراً بأن مؤسسات المجتمع المدني كانت وستظل ورقة رابحة في يد الدولة، تكسب منها الكثير وقت الحاجة، وتخفف عنها الضغط وقت اللزوم.