من يتابعني متابعة حثيثة يعلم يقيناً أنني غير متسرع في التعامل والتعليق في الكتابة «المقالية» على بعض الأحداث الكبرى التي تشغل الشارع الكويتي وتجعله يترنح يمينا وشمالاً في ردود أفعال مبررة بالتأكيد، وهذا ما حدث وحصل، بل تأقلم معه الشارع الكويتي الآن، حين تم إلغاء تأمين فئة المتقاعدين (وربات البيوت) والمسمى «عافية»، ولأنني علمت مؤخراً أن لي قراء في بعض البلدان العربية وقراء من عرب المهجر كذلك يتابعون مقالي الأسبوعي الذي تتيح لي مساحته مشكورة جريدة «الجريدة»، سأشرع بطرح بعض المفاهيم والتعريفات العامة المتصلة بهذا التأمين على مستوى الدولة.
منذ قرابة عقد من الزمن (أو يزداد بشيء بسيط) طرح قانون نبيل وجميل ينتشل فئة المتقاعدين الكويتيين من براثن طوابير الانتظار المطولة في المستشفيات الحكومية والخدمات التي لاقت عدداً كبيراً من الانتقادات مع مرور الوقت، وبالرغم من توافر كوادر طبية عالية المستوى دون أدنى شك بل باعتراف الجميع، فإن المنظومة الصحية في القطاع الحكومي كانت وما زالت بحاجة للكثير من التطوير لترقى وتصل الى مستوى الطموح.
هذا بالطبع ما جعل الناس تفرح بـ«عافية»، حيث جعلت الفئات المستفيدة منه تدخل الى الممرات اللامعة وقاعات الاستقبال البهية في المستشفيات الخاصة بتأمين مدفوع ثمنه من الحكومة نفسها المسؤولة عن تطوير خدماتها، وكأنه اعتراف مبطن بالفشل في النهوض بتلك المنظومة الصحية وعدم الرغبة أو غياب الجدية في تدشين مستشفيات الضمان وشيء من الاعتراف الضمني بأن تحويل الناس الى القطاع الصحي الخاص أمر خطأ لكننا قابلون به!!
وإن كان الأصل في الأمر هو الإصلاح في المنظومة الطبية فمن المفترض أن يكون هناك مستشفيات مدشنة من مؤسسة التأمينات الاجتماعية لفئة المتقاعدين، وهو أمر سبق لنا أن ناقشناه بإسهاب، أما الوضع الحالي وإن وفر قرابة نصف مليار دينار سنوياً، فإلغاء «عافية» ومناداة وزارة الصحة لبعض سكان محافظات دون غيرها بمراجعة العيادات في مستشفى جابر ليس إلا تصرفا لا ينمّ إلا عن حالة غير مستقرة على مستوى القدرة والتخطيط الاستراتيجي في المنظومة الصحية. فإن كان رب العمل ملزوم بعمالته وعلاجها فمستشفيات الضمان لا تعمل الآن، والمتقاعدون أصبحوا زواراً للمستشفيات الحكومية مع وجود الحالات الاعتيادية لبقية المرضى ممن يتلقون الطبابة بشكل اعتيادي، فازداد العبء على الجميع دون خطة عمل واضحة.
إذاً ما العمل الآن؟! دخول مستشفيات الضمان على الخط هو الملاذ الوحيد وتسهيل عملها بأقصى سرعة لتتمكن من استيعاب جزء من مراجعي القطاع الحكومي، كذلك توفير مستشفيات على مستوى محافظات الدولة لخدمة من كان يتمتع بتأمين «عافية» أمر بات ضرورياً إلى أبعد الحدود، وباستثمار وتكلفة من التأمينات الاجتماعية ذاتها دون أن تكلف الدولة أي مبالغ إضافية، كما يجب الآن أن تتم إعادة النظر في مسألة مراقبة أسعار وخدمات القطاع الطبي الخاص بشكل حثيث ودقيق اكثر من أي وقت مضى في السابق.
وبما أن أغلب متقاعدي الكويت من عشاق السفر الى تركيا فنقول لهم إن «عافية» بالأساس كان نظامه خطأ أو بالأصح يبدو أن الفكرة الأساسية منه مؤقتة، فتأقلموا واستمتعوا «عافياتوس»، كما يقول أصدقاؤنا العصمليون!!!
على الهامش:
مقترح دمج الجهات الذي خرج في الإعلام قبل أيام من وزير المالية، يرسم ملامح المستقبل للحكومة الجديدة في الكويت، وتخفيض وترشيد الإنفاق هما السمتان الرئيستان في المشهد، وإن كان المقترح مستحقاً فيما يتصل بجهات عدة إلا أنه مجحف في أمور وجوانب أخرى كذلك، فالتأني والدراسة والمشورة هي سلاح الحكومة لا القرارات والمقترحات المتسرعة، وهذه نصيحة من القلب أتمنى لها أن تصل إلى قلوب بعض الوزراء.