بلغت تكاليف سياسة الاستملاكات العامة المعروفة بالتثمين، خلال 30 سنة فقط، من 1952 حتى 1982، (مدة الدراسة) 3 مليارات دينار، أي 100 مليون دينار سنوياً، وهي مبالغ تنافس كل السياسات العامة الأخرى، خصوصاً أنها سياسة لا تنتج شيئاً، بل تدفع فقط للمستفيدين، والتي استأثر بما يزيد على 90% منها قرابة 1% من المواطنين. وقد كان من الأعراض الجانبية للتثمين سياسة أخرى، لا تقل إشكالية وخطورة، وهي تحديد الملكية الخاصة. وتعد السياستان من أكثر السياسات العامة تدميراً لإمكانية التنمية المتوازنة، وفي موضوعنا هنا، نموذج واضح، لكيفية تدمير مشروع إصلاحي حقيقي نهائياً، والقياس عليه واضح على أوضاعنا الحالية.
حاول محمد العدساني، بصفته رئيساً للمجلس البلدي، حل مسألة التثمين بشكل نهائي، مؤكداً خلال لقاءاتي معه سنة 1980، أثناء جمعي للمادة العلمية لبحث الدكتوراه عن التثمين، أنه لم يكن يتصور أن استخدامات الأراضي، وتقسيم السكن الخاص، وراءهما أصحاب نفوذ أقوياء، بهذه الصورة، داخل السلطة وخارجها، وأنهم سيستخدمون كل الأدوات لإيقاف الإصلاح، حيث تمكنوا من حل المجلس البلدي، في مايو 1966، وإلغاء قراراته، وتبديد الميزانية الخاصة للتثمين، وطلب أضعافها لاحقاً.
وأدى التثمين، وحد الملكية الخاصة، إلى أن أصبح بيد الأجهزة التنفيذية ما يزيد على 95% من أراضي البلاد، وما عليها إلا استحداث منافذ لتوزيعها والتفنن في المسميات، الكثير منها لترضيات سياسية. وهكذا جرى توزيع قسائم، لها مسميات جذابة، تشعرك بأنك في هولندا في الثروة الحيوانية مثلاً، كان آخرها فضيحة مشروع الأمن الغذائي، والذي كان مشروعاً واعداً على الورق، أما في التنفيذ فقد حصل عليه المقربون أو من يدفع، ثم يبيعه لآخر، أو لنشاط آخر، وتوقيع الاستثناء متوفر دائماً، فمن يمنح هو نفسه يملك الاستثناء، وبالمقابل استمر التثمين، داخل حد الملكية الخاصة.
محاولات العدساني كانت تبدو على وشك النجاح، فقد طلب كل الاحتياجات الحكومية من الأراضي، وقدر قيمة استملاكها كلها على مدى سنوات قادمة، وتم تقدير ميزانية التثمين ب 200 مليون دينار بقانون رقم 5/1965. يقول العدساني: «كنت أظن أننا بصدور القانون قد وصلنا إلى نهاية الطريق، ولم أدر أن الطريق كان سراباً». ما إن تم إقرار الميزانية المذكورة، حتى تم حل المجلس البلدي، ونزلت إعلانات الصحف تدعو الناس لمن لديه تثمين أن يتقدم للجنة المركزية للبلدية، ويبدو أنه كلما أريد إفشال شيء أضافوا له صفة المركزية. وللحديث بقية