الصالحي يكمل مشروعه بأول كتاب يضم الأسطوانات الغنائية المسجلة لعبداللطيف الكويتي

يتضمن وثائق تتعلق بالنشاط الفني والاجتماعي تُنشر لأول مرة

نشر في 03-10-2024
آخر تحديث 02-10-2024 | 18:40
ملصق الكتاب
ملصق الكتاب
أول كتاب من نوعه يضم معظم ما سجَّله عبداللطيف الكويتي من أسطوانات غنائية يُصدره مركز البحوث والدراسات الكويتية، أعدَّه أحمد علي الصالحي، الحاصل على دكتوراه في فن الصوت من جامعة لندن، وأستاذ الموسيقى في المعهد العالي بالكويت، إلى جانب عدد كبير من الوثائق المتعلقة بالنشاط الفني والاجتماعي لعبداللطيف تُنشر للمرة الأولى. يقدِّم الصالحي نفسه على أنه من مُحبي عبداللطيف الكويتي والغناء الشعبي الكويتي، ويرى أن فضله لم يقتصر على الغناء والألحان، بل امتد ليشمل جهوده في حفظ التراث الكويتي.

يشير المؤلف في صفحاته المعنونة «على سبيل التقديم» إلى طريقة الأداء المتفردة لعبداللطيف الكويتي، وقوة شخصيته الفنية، ووضوحها، وهي من السمات التي يمكن تمييزها بسهولة من بين بقية الأساليب الأدائية للفنانين.

كان من أنجح الفنانين بالمنطقة في تسجيلاته، وأبرعهم في تنويع اختيارته، وأعمقهم وعياً برسالته الإبداعية.

عبداللطيف، ذلك الرجل «العويج» أو المشلول، الذي لا يمكنه المشي وحده، في زمن انعدمت وسائل مساعدة ذوي الهمم، حتى مجرَّد كرسي متحرِّك، وأُصيب بمرض في الأعصاب أثَّر فيه كثيراً، واضطره إلى مغادرة الكويت بحثاً عن الاستشفاء.

يبقى الهدف الرئيسي للكتاب، هو تسليط الضوء على الجانب الأهم من الرجل، وهو دوره الإبداعي في مسيرة فن الطرب الكويتي، والبصمة التي حفرها عميقاً على جبين الموسيقى المحلية.

العثور على أسطوانات كانت مفقودة وتصحيح بعض المعلومات والروايات

تسجيل الأسطوانات قديماً كان بمنزلة رحلة شاقة تمتد إلى أسابيع وأشهر، حتى يتمكَّن الفنان الخليجي من تسجيل عدد قليل من الأغاني، ولم يكن عبداللطيف الكويتي استثناءً في هذه المعاناة، واضطر إلى تسجيل بعضها بمصاحبة العود فقط من دون وجود أي عازف آخر.

يذكر المؤلف أنه استمع ذات يوم إلى أغنية لعبداللطيف يمتدح فيها أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح، كان اللحن فيها عربياً صِرفاً خالياً من الملامح المحلية.

يستعرض الصالحي في هذا الكتاب جوانب من ذائقة عبداللطيف الشعرية، واختياراته الغنائية، ونوعية القصائد التي كان يميل إلى غنائها.

قاده البحث الطويل إلى العثور على عدد من الأسطوانات المفقودة، وبعض التواريخ والمعلومات، لذلك جاء هذا الكتاب منفصلاً عمَّا كان أصدره المؤلف عام 2018.



تعرَّض الكتاب إلى جوانب تاريخية دقيقة متصلة بحياة عبداللطيف الكويتي، وسيرته الفنية، وهناك وثائق تتعلَّق بالجانب الشخصي من حياة الفنان.

يحتوي الكتاب على مُقدِّمة وتوطئة، ومن داخل مجتمع الأسطوانات، وطرح السؤال، لماذا ندرس تاريخ الأسطوانة الحجرية؟ وما النهج الذي نتبعه؟

توزع الكتاب على خمسة فصول: الأول عن بواكير الأسطوانات، وأدواتها في الكويت، وتأثير الأسطوانات الكويتية خارج منطقة الخليج، ولماذا عبداللطيف الكويتي.

أما الفصل الثاني، فيخوض في حياة الفنان منذ النشأة، وصولاً إلى آرائه ومبادئه الموسيقية.

والفصل الثالث سرد التسجيلات التي أتمَّها، والشركات التي تعامل معها.

وفي الفصل الرابع تكملة لاستعراض التسجيلات من المرحلة الهندية إلى تسجيلاته لمصلحة «بصرة فون»- الفيحاء.

في حين أفرد الفصل الخامس لأغانيه الـ 51.

وثائق وقوائم لأول مرة

كشف المؤلف عن عدد من الوثائق، والتي تُنشر لأول مرة، تتضمَّن كثيراً من المعلومات لم يسبق لأحد أن تناولها من قبل في مسيرة عبداللطيف الكويتي الموسيقية، وهذه الوثائق تدعم بعض المعلومات المتوافرة أصلاً في المؤلفات والمقالات التي كُتبت عنه، لكنها تتيح لنا معلومات مفصَّلةً أكثر وأدق.

في المقابل، كشف لنا جانب من هذه الوثائق، أن بعض المعلومات الشائعة حول عبداللطيف ينقصها كثير من الدقة، بل يمكننا أن نعتبرها شائعات تسللت إلى الأدبيات الإعلامية التي تناولت حياة عبداللطيف الكويتي، وسيرته الفنية، حتى توطنت وانتشرت بين كثير من الناس، رغم أنها لا تحمل ظلاً من الحقيقة.


عبداللطيف الكويتي والفرقة الموسيقية أثناء التسجيل في استديو تلفزيون الكويت يوم ٥ أبريل ١٩٦٤م عبداللطيف الكويتي والفرقة الموسيقية أثناء التسجيل في استديو تلفزيون الكويت يوم ٥ أبريل ١٩٦٤م

كما درس الكتاب عدداً من الشواهد المهمة في مسيرة عبداللطيف الفنية، ومن بينها تسجيلاته الغنائية، والشعر والشعراء، والشركات التي ساهمت في إنتاج الأغاني، بجانب بعض المعلومات عن الفنانين الذين اشتركوا معه في إنجاز هذه المسيرة الفنية.

يحتوي الكتاب أيضاً على قوائم شاملة لمعظم أسطوانات عبداللطيف الكويتي مدعومة بصور لملصقات هذه الأسطوانات، وغيرها من الوثائق، وتشير تفاصيل هذه القوائم إلى تأثر عبداللطيف الطبيعي بألوان مختلفة من الغناء العربي، بسبب إقامته الطويلة في بعض المدن العربية، مثل: بغداد، وبيروت، إضافة إلى احتكاكه بالجالية العربية المقيمة في مدينة بومباي الهندية، والتي كان يمتزج فيها كثيرون من مشارب عربية متباينة.

قوائم لأسطوانات عبداللطيف مدعومة بصور ملصقاتها

وأحد العناصر التي زادت من عمق هذا التأثر كانت التغيُّرات الاجتماعية والثقافية التي طرأت على المجتمع المحلي (الكويتي بنحو خاص، والخليجي بوجه عام)، من جرَّاء تدفق النفط وظهور الراديو، وقدوم الإخوة العرب إلى المنطقة للاستقرار والعمل حاملين معهم ثقافات عربية غنية ومغايرة، ومن ثم لم يكن لعبداللطيف الكويتي وغيره من فناني المنطقة بد من الاستجابة لهذه التغيُّرات الكبيرة والفارقة، فانخرطوا في تقديم الأغاني العربية، جنباً إلى جنب أغانيهم المحلية المتوارثة.

ولعل القارئ يجد في فحوى هذا البحث مدخلاً إلى فهم ملامح التغيُّر الثقافي الذي هبَّت رياحه على المجتمع الكويتي، وأعملت آثارها في ذائقته الموسيقية، لتنتقل من المحلية التقليدية الخالصة إلى التلاقي مع ثقافات غنائية متباينة، وهو الأمر الذي انعكس متمثلاً في تغيُّر طريقة الأداء وألحان الأغاني التي طالما دأب على تقديمها الفنان الكويتي قديماً.

رحلة شاقة

تُظهر التسجيلات أن عبداللطيف الكويتي، ومثله كثير من الفنانين الكويتيين والخليجيين، واجهوا كثيراً من الصعاب والتحديات عند تسجيل أغانيهم لمصلحة شركات الأسطوانات، ومنها غياب الموسيقيين المحليين أثناء اضطلاعهم بالتسجيل في البلاد البعيدة، وكذلك غياب المنتج الذي يدعم هذه التسجيلات والرحلات المكلفة في سبيل إجرائها.

وفي المقابل تبيِّن التسجيلات كيف أنهم نجحوا في التغلب على هذه الصعاب، وتقليل المعوقات، كي يتمكَّنوا من تقديم أغانيهم بجودة عالية.

تسجيلات للتلفزيون

كذلك يتضمَّن الكتاب قوائم أخرى مختصة بتسجيلات عبداللطيف لمصلحة التلفزيون الكويتي، مع كشف الغطاء عن تاريخ كل وصلة اضطلع بتصويرها، ومحتواها الموسيقي، بجانب أسماء بعض المشاركين معه في أداء هذه الوصلات.

كما بينت الوثائق المنشورة جزءاً من نشاط عبداللطيف الكويتي بمجال تقديم الحفلات الغنائية في الإذاعات، والتي غالباً ما كانت تُذاع بطريقة البث الحي من دون تسجيل، وله أيضاً أغنيات سجَّلها لبعض الإذاعات الأخرى.

ومن الوثائق التي ينطوي عليها الكتاب تلك المراسلات التي كان عبداللطيف يتبادلها مع الآخرين، والتي أزاحت النقاب عن جوانب كانت خفية من مسيرته الفنية وشخصيته الاجتماعية، ومن أبرز ما بينته هذه المراسلات دور الشيخ جابر العلي الصباح، وزير الإعلام آنذاك، وحرصه الكبير على التسجيل لعبداللطيف، إذ لولا إصرار الوزير ومتابعته لما كان لهذه التسجيلات أن تُجرى، ولكنَّا فقدنا هذه الفرصة إلى الأبد.

back to top