نشرت الصحف مقترحات وزارة المالية حول دمج بعض الهيئات الحكومية أو إلغائها، والتي تتوقع الوزارة أنها ستؤدي إلى ترشيق بعض الجهات وانخفاض مصروفاتها المالية بنسب من 25 إلى 50 في المئة. وترجع «المالية» هذا الانخفاض إلى إلغاء الوظائف القيادية والوسطى ومكافآتهم ومهماتهم الرسمية، إضافة إلى انخفاض عقود النظافة والحراسة والمراسلين ونظم المعلومات.

وقد أحسنت «المالية» بالتوصية بالدراسة الفنية والاقتصادية والقانونية لهذه المقترحات، ففي النواحي الاقتصادية والمالية يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة مازالت هي الموظف شبه الوحيد للخريجين الذي يبلغ عددهم 20 ألفاً سنوياً، وبالتالي من المنتظر أن يزداد نمو الجهاز الوظيفي الحكومي بدلاً من ترشيقه، لأن القرارات الخاصة بإصلاح سوق العمل ومساهمة القطاع الخاص فيه وربط التعليم بمتطلبات سوق العمل لم يتم إصلاحها حتى الآن، مما يقلل الانخفاض المتوقع في المصروفات الذي أشارت إليه مقترحات «المالية».

Ad

أما الدراسة القانونية للاقتراحات فلا تقل أهميتها، خصوصاً مقترح فصل السلطة القضائية عن وزارة العدل، لأن «العدل» هي التي تخدم القضاء في الأمور المالية والإدارية، بحيث يتفرغ القضاة لمنصة القضاء، ومن الخطأ أن يقوم القاضي بالانصراف عن القضاء إلى أعمال التوظيف وترقية الموظفين ومناقشة وبت عروض البناء وشراء الأجهزة ومجادلة المقاولين وترسية المناقصات وغيرها من الأعمال التي تكون عادة عرضة للخلاف والطعن والمحاسبة، فإذا تصدى مجلس القضاء لهذه الأعمال فهل سيراقبه ديوان المحاسبة؟ ومَن سيحكم عليه إذا تم الطعن في قراراته؟ وهل سيتمكن مجلس الأمة من استجواب القضاة على قراراتهم الإدارية والمالية؟

وإذا قيل، يعيّن القضاء أميناً عاماً أسوة بمجلس الأمة وهو الذي يقوم بهذه الأعمال، نقول لهم، ما الجهة التي سيتبعها الأمين العام ويأتمر بأمرها؟ هل هي مجلس القضاء؟ فعندها سيكون القضاة مسؤولين ومحاسبين عن أعمال الأمين الإدارية والمالية، ويخضعون بالتالي للمحاسبة.

وإذا قيل، إن الأمين العام سيتبع وزير العدل، نقول لهم، إن هذا هو الوضع الحالي، فمجلس القضاء هو الذي يقر ميزانيته ويضع جميع طلباته فيها ويقوم بتنفيذها الوزير والوكيل.

وجاء في دراسة نشرها الأخ مشاري العنجري في «الجريدة» بتاريخ 12 يوليو 2020 حول بعض القضايا: «هناك خلط يدور بين استقلال القضاء الذي ينص عليه الدستور في المادتين 53 و163، وبين استقلال الإدارات المالية والإدارية والتي ترجع تبعيتها ويتحمل مسؤوليتها قانوناً وزير العدل، إن هذا الخلط بالمطالبة بتبعية تلك الإدارات إلى مجلس القضاء يقحم هذه السلطة في السلطة الإدارية والمالية مع ما يترتب على ذلك من مسؤولية لا يجوز أن تتحملها السلطة القضائية ولا مجلس القضاء».