نتمنى أن نكون مخطئين في تقديرنا ورؤيتنا للأمور وتتمكن إيران أو غيرها من تحرير فلسطين وتسليم مفاتيحها لأهلها خالية من الشواغر والمسامير، إلا أنه بالمقابل فإن عدم تصديق نوايا إيران لا يعني بالضرورة الدفاع عن إسرائيل أو قبولنا بها، ولكنه فقط يعكس نظرتنا للصراع بين إيران وإسرائيل على أنه صراع هيمنة وليس صراع تحرير، مما أوصلنا بالتالي إلى حالة عدم الرغبة بتأجير عقولنا والانجرار وراء كل متاجر بالقضية بعد أن تعلمنا دروس الماضي من معلمين أشقياء، وعرفنا أن البياعين بالسر غالباً أكثر من المشترين بالعلن، أو في أفضل الأحوال أغبى من تحقيق شيء على أرض الواقع، وخصوصاً بعد ما اتضح وشاهدناه خلال الأيام القليلة الماضية من أن مستوى المزايدة الإيرانية علينا كان أعلى بكثير جداً من مستوى ردود الأفعال على العربدة الإسرائيلية، ناهيك عن تقديم التعهدات - المعلنة - بانتهاء الرد الإيراني عند هذا الحد وتبخر شعارات المقاومة والتحرير والحروب الموعودة، آملين - كما تم التصريح وليس التحليل - في فتح خطوط التفاوض مع الأمريكان وإعادة إحياء المشروع النووي وكفى الله المؤمنين شر القتال.

نحن نعادي الصهاينة بسبب أفعالهم وجرائمهم بحق الإنسانية وليس لذاتهم أو دينهم، فكثير من اليهود المنتشرين حول العالم لا علاقة لهم بنظام الاحتلال الإجرامي، بل ومنهم من يدعم الفلسطينيين ويرفض قيام دولة إسرائيل ويدعو لإزالتها، إلا أن أفعال بعض العرب والمسلمين بشعوبهم وجيرانهم في العقود الأخيرة قد خففت كثيراً من وطأة إجرام اليهود النفسي والإعلامي، فالصهاينة العرب الفعليون هم من خدموا الصهاينة اليهود وذلك حين مارسوا ذات إجرامهم وأسلوبهم في القمع والترهيب الصهيوني ضد إخوتهم العرب والمسلمين، ثم أكملوا المهمة بعد ذلك برش الكثير من التحليلات السياسية والأيدلوجية عليها لإضافة العمق الجيو استراتيجي المعتاد ليسهل بلعها وتبريرها والقبول بها، ومن ثم فمن يقبل مثلاً برمي البراميل على إدلب الذي يعادل قصف حلبچة بالكيماوي، أو يهون من شأن التفجيرات في الكويت وخطف طائراتها، عليه أن يخجل قليلاً ويراجع نفسه قبل أن يتهم غيره بالصهينة لمجرد اختلافه معه في الرأي - الذي غالباً لن يقدم أو يؤخر شيئاً- حول شخصية بعض السياسيين أو أسلوب التعاطي مع القضية الفلسطينية المزمنة والمعقدة.

Ad

لهذا عزيزي المبدئي بالقطعة، ومن الآخر، فإن عداوة إسرائيل لا تطهر من الذنوب الأخرى، وصاحب المبدأ الحقيقي لا يقول «شمعنى» أو بغض النظر، ثم يحاول لي عنق الحقائق لتتواءم مع أفكاره وتحيزاته لا العكس ليبرر سفك الدماء ويزايد على الآخرين، فنحن مشكلتنا هنا مع فعل الجريمة بحد ذاته وليس مذهب الفاعل أو شخصيته وتبريراته التي لن يعجز عن إيجادها وتلفيقها، فالجريمة تبقى جريمة، سواء كان جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان جدك أبا لهب وجدتك حمالة الحطب.