كتبت أكثر من مرة عن حرب أكتوبر وعن بطولات الجيش المصري الذي عبر ودمر خط بارليف الذي ظن الصهاينة أنه لا يقهر، وعن زيارتنا لبيوت الشهداء أقارب زملائنا في الكلية، وعن صيحات الله أكبر وكلمات التهنئة والمباركة التي كنا نسمعها في الشوارع والحارات وفي كل مكان.
وبمناسبة السادس من أكتوبر اليوم أستعيد جزءاً من ذكريات تلك الأيام الجميلة بعد مرور 51 عاماً.
كنا مجموعة من الطلبة الكويتيين في الإسكندرية، معظمنا كان يدرس الطب والصيدلة، كنا نخصص يوماً لقيام الليل، وكان أخونا الدكتور خالد الصالح يعلّمنا أحياناً أحكام التجويد، ويزودنا الأخ الصيدلي عنيزي العنيزي بمواعظه الطيبة، ولا أنسى طرائف نسيبي الدكتور عادل البالول ــ رحمه الله ــ وطبخات ابن خالتي الدكتور عادل التوحيد، وباقي الإخوة الذين أصبحوا الآن أطباء استشاريين خدموا الكويت، وأسّسوا بعد عودتهم جمعية صندوق إعانة المرضى التي تعد من أنشط الجمعيات الخيرية والإنسانية.
عشنا أيام الحرب مع إخواننا المصريين بكل المشاعر العروبية والإسلامية، وشعرنا بالعزة والكرامة عندما تم العبور، وأذكر أننا كنا نهرع لإطفاء الأنوار عند سماع صافرات الإنذار حسب تعليمات الدفاع المدني، ما عدا تلك الليلة التي كان فيها أحد الإخوة في الحمام ورفض أن نطفئ النور فارتفعت الأصوات الغاضبة علينا من الشارع، كما أذكر أنني خرجت مع بعض الإخوة في إحدى الليالي للمشي في شارع الحرية القريب من شقتنا، وكنا نرتدي الدشاديش والشمغ، وسمعنا تلاوة القرآن الكريم (سورة يوسف) تخرج من محل يبيع الخمور، ولم نعجب فقد كان الشعور الديني طاغياً في كل مكان، ثم أوقفنا أعضاء الشرطة العسكرية في تلك الليلة مستغربين من تجمعنا وملابسنا، واقتادونا الى مكتب المباحث الذي كان قريباً من الشارع الذي كنا فيه، والتقينا القائد الذي سألنا باحترام عن هوياتنا فأخبرناه أننا طلبة كويتيون، فرفع الهاتف فوراً واتصل بالملحق الثقافي الأستاذ عبدالله حبيب البدر ــ رحمه الله ــ الذي أجابه على الفور، قائلاً: «نعم إنهم أولادنا الطلبة»، فشربنا القهوة مع الضابط وعدنا إلى شقتنا فخورين بالنصر الذي شاركت فيه قوات كويتية، وبالمعاملة الأخوية الأصيلة.
لقد كانت مشاعر الأخوة والتدين والفرحة بالنصر لا توصف في تلك الأيام، فأين منها مشاعر الألم والحسرة والهزيمة ومشاهد قتل الأبرياء والدمار التي نعيشها اليوم في غزة ولبنان، وأخبار تغلغل العدو الصهيوني في كثير من بلاد المسلمين؟!
نسأل المولى تعالى أن يعيد للأمة كرامتها، وينصرها على الصهاينة المغتصبين، ويعيد المسجد الأقصى إلى حياض المسلمين.