تبدو منطقة الشرق الأوسط أقرب ما يكون إلى حرب إقليمية واسعة، في وقت تحل اليوم الذكرى السنوية الأولى لعملية «طوفان الأقصى»، التي قامت بها حركة حماس في جنوب إسرائيل، وأدت إلى مقتل 1200 إسرائيلي وأسر نحو 250 آخرين.

ومنذ الهجوم المباغت الذي أثار صدمة في إسرائيل حول قدرات «حماس»، لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلية غارقة في حرب مدمرة بالقطاع الفلسطيني الذي لا تتجاوز مساحته 360 كلم2، بعد أن قتلت أكثر من 45 ألف فلسطيني أغلبيتهم المطلقة من المدنيين العزل.

Ad

ورغم التحذيرات من أن عدم وضع حد لعدوان الحكومة اليمينية في إسرائيل سيؤدي إلى توسيع الحرب، ورغم كل المساعي الدولية التي بذلت طوال الشهور الماضية بهذا الخصوص، امتدت الحرب إلى لبنان الذي يتعرض لواحدة من أعنف الحملات العسكرية الإسرائيلية، في حين يهدد رد إسرائيل الوشيك على الهجوم الصاروخي الذي نفذته إيران الثلاثاء الماضي، برد إيراني مضاد، وهو ما قد يجر البلدين إلى مواجهة على عدة جبهات، ويجر دولاً أخرى بينها اليمن والعراق إلى أتون حرب يصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها فرصة تاريخية لتغيير شكل الشرق الأوسط.

وقفزت إيران إلى الواجهة أمس بإعلانها تعليق حركة الطيران في جميع مطاراتها حتى الساعة السادسة صباح اليوم الاثنين، في مؤشر إلى معلومات حول قرب الهجوم الإسرائيلي. وسربت تقارير عبرية أن الهجوم الإسرائيلي قد يشمل منشآت نفطية ومقري الرئاسة والمرشد الأعلى علي خامنئي ومقرات عسكرية لـ «الحرس الثوري» في طهران، في خطوة تستبعد سيناريو أكثر قتامة وهو استهداف المنشآت النووية الإيرانية.

وفيما لا تزال واشنطن تبذل مساعي لوضع حدود للانتقام الإسرائيلي وحصر الضربة الإسرائيلية باستهداف مقار عسكرية، أكد مسؤول عسكري إيراني أن «خطة الرد اللازم جاهزة بالكامل»، مضيفاً أنه «لن يكون هناك أي تردد في تنفيذ ضربة إيرانية انتقامية».

وأوضح المصدر أن الخطة الإيرانية حددت عدة ضربات «سيتم اتخاذ القرار فوراً بشأن أي منها بشكل يتناسب مع طبيعة عمل الصهاينة»، مشدداً على أن طهران لديها بنك أهداف إسرائيلية متعددة، وأن عملية «الوعد الصادق 2»، القصف الذي استهدف إسرائيل الثلاثاء الماضي، أثبتت أنه بـ «إمكاننا ضرب أي نقطة إن أردنا وتسويتها بالتراب».

أما في لبنان، فقد شن الطيران الحربي الإِسرائيلي ليل السبت ـ الأحد أعنف غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت منذ أن صعّدت إسرائيل حملتها على جماعة «حزب الله» الشهر الماضي. وعلمت «الجريدة» من مصادر محلية في جنوب لبنان، أن القوات الإسرائيلية قامت بتوغلات برية واسعة نسبياً أمس، في القطاع الأوسط للحدود اللبنانية.

وبحسب المصادر، تمكنت القوات الإسرائيلية في اليومين الماضيين من تثبيت نقاط عسكرية في بلدتي يارون ومارون الراس وخاضت معارك عنيفة في منطقة وادي يارون وهي منطقة تقع في خراج بلدات يارون وبنت جبيل ورميش وعين أبل. كما قامت القوات الإسرائيلية بنسف مسجد في بلدة يارون حيث أظهر شريط مصور وجود دبابات إسرائيلية داخل البلدة.

وتفقد نتنياهو، أمس، قواته المنتشرة عند الحدود الشمالية، متوعداً بالنصر، في حين قال «حزب الله» إنه تصدى لتوغلات إسرائيلية على عدة محاور وقصف تجمعات للجنود عبر الحدود، كما شن عمليات قصف بالصواريخ لمواقع إسرائيلية.

ووجه الجيش الإسرائيلي إنذاراً إلى سكان عدد من القرى في جنوب لبنان لإخلائها لتنضم إلى أكثر من 100 قرية فر معظم سكانها، في وقت تحدث مسؤولون لبنانيون عن أكبر موجة نزوح في تاريخ لبنان.

وقبل أيام قُدر عدد النازحين بنحو مليون و200 ألف معظمهم من منطقة الجنوب. وفي اجتياح جنوب لبنان عام 1978 نزح نحو 200 ألف شخص، فيما نزح نحو 400 ألف في اجتياح عام 1982، وخلال حرب 2006 نزح نحو مليون لبناني بما في ذلك من الضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي غزة، بدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحاً لمدينة جباليا شمال القطاع، سبقته غارات كثيفة أسفرت عن مقتل نحو 70 فلسطينياً وإصابة عدد كبير من النازحين، في خطوة تهدف، حسب تل أبيب، إلى «إجهاض محاولة حركة حماس لإعادة تجميع صفوفها» وسط حال تأهب تحسباً لإطلاق صواريخ أو هجمات انتحارية وعمليات طعن.

وشهدت مدينة بئر السبع جنوب إسرائيل عملية إطلاق نار نفذها أحد سكان النقب يحمل الجنسية الإسرائيلية، وأدت إلى مقتل جندية إسرائيلية وإصابة 14، قبل أن ترديه الشرطة. كما أصدر الجيش الاسرائيلي أوامر إخلاء جديدة لأجزاء من مخيم النصيرات وأجبر مئات العائلات على النزوح، في وقت ارتكب 3 مجازر بمناطق النازحين أكثرها بشاعة ما شهدته مدرسة ابن رشد ومسجد شهداء الأقصى في منطقة دير البلح في واحدة من أسوأ الليالي منذ شهور.

وفي تفاصيل الخبر:

غداة ليلة دامية ارتكب فيها 3 مجازر جديدة، أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم، نشر المزيد من القوات حول قطاع غزة وبدء عمليات عسكرية جديدة في منطقة جبالياً عشية الذكرى الأولى لتعرضها للهجوم غير المسبوق من حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي.

وفي اليوم الـ366 من عدوانه، أوضح الجيش الإسرائيلي أنه «عزز فرقة غزة بعدة فصائل، مع وجود قوات متمركزة للدفاع عن كل من البلدات الحدودية ومجهزة بالكامل للدفاع عن المنطقة بالتنسيق مع قوات الأمن المحلية».

وقال قائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان، إن قواته «تظل في حالة تأهب واستعداد عالية للأيام المقبلة»، مشيراً إلى أن هناك ثلاث فرق داخل غزة تعمل على «تفكيك البنية التحتية لحماس وإضعاف قدراتها».

ولاحقاً، بدأ جيش الاحتلال هجوماً برياً جديداً في غزة، ونشر صوراً لتقدم قواته بدبابات قتالية إلى بلدة جباليا، مشيراً إلى أن «حماس» حاولت إعادة تجميع صفوفها في المنطقة.

وحاصر الجيش الإسرائيلي جباليا، وشن غارات أسفرت عن مقتل 17 فلسطينياً في البلدة، التي تضم أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية الأقدم بغزة، وذكر أيضاً أنه فتح طريقين للهروب من شمال القطاع إلى منطقة آمنة موسعة في الجنوب، استعداداً لدعوات جديدة محتملة للسكان بالفرار.

وأكدت الأجنحة المسلحة لحركتي حماس والجهاد وفصائل أصغر أن مقاتليها يخوضون معارك بالأسلحة النارية مع قوات الاحتلال في جباليا، وأطلقت عدة قذائف صاروخية على جنوب إسرائيل.

وقبل ساعات، أصدر الاحتلال أوامر إخلاء جديدة لأجزاء من مخيم النصيرات وسط غزة، شمال دير البلح مباشرة، مما أجبر مئات العائلات على النزوح.

ليلة دامية

وفي واحدة من أسوأ الليالي منذ شهور، تعرضت غزة ليل السبت وصباح الأحد لعشرات الضربات الجوية، مما أسفر عن مقتل 52 على الأقل وإصابة أكثر من 100 آخرين في 3 مجازر استهدفت مناطق النازحين أكثرها بشاعة شهدتها مدرسة ابن رشد ومسجد شهداء الأقصى في منطقة دير البلح.

وبعد أن أرسل دباباته إلى مناطق شمال قطاع لأول مرة منذ مايو الماضي وأصدر أوامر للسكان بالإخلاء، ذكر الاحتلال أنه «نفذ ضربة دقيقة على إرهابيين من حماس» كانوا يعملون داخل مراكز للقيادة والتحكم في المدرسة والمسجد.

وطلب المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي من السكان بالانتقال عبر شارعي الرشيد وصلاح الدين إلى «المنطقة الإنسانية» في المواصي.

وفي تطور مواز، قتلت اليوم جندية إسرائيلية وأصيب 13 آخرون بجروح بين خطيرة ومتوسطة في عملية إطلاق نار في المحطة المركزية في بئر السبع جنوب إسرائيل.

وبحسب الإعلام العبري، فإن العملية نفذها أحد سكان النقب يحمل الجنسية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن الشرطة تمكنت من قتلته ودعت الجميع الابتعاد عن المحطة المركزية في بئر السبع، لأن الحدث لم ينته وتقوم بعمليات تمشيط بحثاً عن مساعدين محتملين لمنفذ الهجوم.

وفي إطار تداعيات العدوان المستمر منذ 366 يوماً، أعلنت وزارة الصحة بغزة ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 41 ألفاً و870 قتيلاً، إلى جانب أكثر من 97 ألفاً و166 إصابة، إضافة إلى عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وفي إسرائيل، أحصى معهد التأمين الوطني مقتل 1205 بينهم رهائن قتلوا أو لقوا حتفهم أثناء احتجازهم في غزة منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، باستثناء العسكريين، فضلاً عن إصابة آلاف آخرين. وفي الأسبوع الماضي، قُتل 7 إسرائيليين في هجوم نفذه فلسطينيان في يافا.

وفي استطلاع نشرته هيئة البث الإسرائيلية، قال 86% من الإسرائيليين إنهم غير مستعدين للعيش بالمستوطنات المحاذية لغزة عندما تنتهي الحرب، مقابل 14% أعربوا عن استعداد للتفكير في العيش في الأمر.

وضمن الاستطلاع، الذي شمل 600 ألف إسرائيلي، اعتبر 27% فقط أنهم انتصروا على «حماس»، مقابل 35% يعتقدون أنهم «خسروا الحرب»، أما البقية «فلا يعرفون»، فيما أكد 12% أنهم فقدوا أحد أفراد أسرتهم أو صديقاً مقرباً، و36% فقدوا أحد معارفهم.

الكويت و«التعاون»

ومع استمر المجازر، شدد مساعد وزير الخارجية أحمد البكر اليوم، على مواقف الكويت الثابتة ومساعيها لحل القضية الفلسطينية وفق القرارات والمرجعيات الدولية وفي مقدمتها إقامة الدولة المستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

وقال البكر، على هامش ندوة للمعهد الدبلوماسي بعنوان «عام على غزة»، إن مواقف الكويت تكمن في «أهمية الإيقاف الفوري للعمليات العسكرية وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني وإيصال المساعدات وإدانة التهجير القسري وإطلاق الأسرى والعمل على منع التصعيد الإقليمي واتساع الصراع».

من جانبه، قال رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة مازن أبوالحسن، إنه يوجد حالياً في غزة مليون و900 ألف نازح داخلي، مبيناً أن الكثير منهم تركوا مناطقهم أكثر من 10 مرات.

ووصف أبوالحسن الحالة الإنسانية في غزة بـ«الكارثية» مع تدهور البنى التحتية بنسبة 70% وانهيار القطاع الصحي بشكل تام باستثناء فقط 16 مستشفى. وأضاف أن المعاناة ستزداد سوءا في حال عدم تواجد حل سياسي.

بدوره، جدد الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي اليوم، دعوته المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته والتحرك الفوري لإيقاف عدوان الاحتلال الخطر على غزة.

وشدد البديوي على أنه بعد مرور عام كامل على بدء عمليات الاحتلال يجب إنهاء التصعيد العسكري ورفع الحصار، بما يضمن تقديم المساعدات الإنسانية وفتح المعابر والعمل على توفير الحماية للمدنيين.

وأشار إلى أن دول التعاون تدعو دائماً لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم وتحميل حكومة الاحتلال المسؤولية عن الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

وفي رسالة مصورة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن الحرب على غزة تعصف بحياة الفلسطينيين وتُلحق بهم معاناة إنسانية بالغة، مطالباً بضرورة أن يركز المجتمع الدولي على «الأحداث الرهيبة» التي وقعت في 7 أكتوبر.

وفي ألمانيا، قال المستشار أولاف شولتس، إنه «لن يتهاون أبداً» تجاه معاداة السامية وأنه لن يمكنه أبداً نسيان زيارته لإسرائيل في أكتوبر الماضي، كما أنه سيركز جهودها على وقف إطلاق النار.

وفي بريطانيا، اعتبر رئيس الوزراء كير ستارمر أن حرب غزة والتصعيد الدامي في لبنان أديا إلى إطلاق «شرارة في مجتمعاتنا»، منددا بالأعمال المعادية للسامية وللإسلام منذ 7 أكتوبر.

وإحياء لمرور عام على العدوان، تظاهر عشرات آلاف السبت والأحد في دول عدة منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا وفنزويلا، مطالبين بوقف الحرب ومنع المساعدات العسكرية لإسرائيل.

وفي واشنطن، حاول صحافي، إحراق نفسه خلال تظاهرة أمس أمام البيت الأبيض شارك فيها أكثر من ألف شخص رافعين الأعلام الفلسطينية واللبنانية.

ماكرون ونتنياهو

سياسياً، سعى قصر الإليزيه لاحتواء أزمة دبلوماسية حادة بين الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي دعا لوقف تزويد تل أبيب بالأسلحة المستخدمة في الإبادة الجماعية بغزة ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تهجم عليه في رده.

وأعرب الإليزيه عن أسفه لكلمات نتنياهو «المبالغ فيها»، مؤكداً أن «فرنسا صديق لا يتزعزع لإسرائيل لن تسمح لإيران أو وكلائها بالهجوم عليها».

وفي رد مباشر على دعوة ماكرون لوقف تزويده بالأسلحة، قال نتنياهو: «إسرائيل ستنتصر معكم أو بدونكم، وعارك سيظل يتردد صداه طويلاً بعد الانتصار».

ورحبت مصر ولبنان بدعوة ماكرون لإيقاف تصدير السلاح للاحتلال الإسرائيلي، واعتبرا أنها تتماشى تماماً مع احترام مبادئ القانون الدولي وقواعده كما تعكس الاستياء العارم والمتزايد على المستوى الدولي من العدوان الغاشم على غزة ولبنان.