مضى عام بالتمام على الحرب الصهيونية الوحشية– غير المسبوقة– على قطاع غزة والضفة الغربية، فيما تبدو سخونة الأوضاع السياسية وحِدّة الصدامات العسكرية في الشرق الأوسط وصولاً لمرحلة الانفجار الكبير تغدو وشيكة.

ما يميز جولة الصراع الحالية هو السقف العالي والمهول لوحشية جيش الاحتلال وكثافة وابل صواريخ طائراته على المناطق السكنية، سواءً في غزة أو لبنان أو بقية البلدان المعنية بالتدخل المباشر أو غير المباشر في الحرب القائمة.

Ad

فإسرائيل، كما يبدو، ترغب في أن تكون هذه الحرب آخر حروبها، لذا لا تبالي مطلقاً بما يقال أو سيقال عنها مستقبلاً، فالمدنيون بمن فيهم المسعفون والهيئات الصحية والطواقم الطبية أهداف مشروعة لطائراتها وصواريخها الموجهة، والملاجئ والمخيمات والمدارس والأسواق والتجمعات السكنية ضمن بنك الأهداف اليومية لقواتها الهمجية المتعطشة للدماء البريئة، في حين المجاهدون والمقاومون من فلسطين ولبنان يتجنبون المناطق السكنية والبنى التحتية مكتفين بتوجيه أسلحتهم إلى معاقل ومواقع القوات العسكرية حصراً.

اليوم، غدت الاستقطابات الدولية سافرة ومعلنة، فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الغربيون يتدخلون بشكل مباشر في الصراع القائم، فما يوثق الدول الاستعمارية مع دولة الاحتلال الإسرائيلية هي المبادئ والمثُل والقيَمْ الدينية والاعتقاد المشترك بالبروتستانتية (المسيحية اليهودية)، هذه القِيَم التي شرّعت وأباحت للدول الاستعمارية حقها المدعَى في سلب حقوق الشعوب الأصلية في العيش على أراضيها بسلام، وبررت للغزاة عمليات الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري ومحْوَها تاريخياً وثقافياً بل إنكار وجودها أصلاً!!

في الوقت الراهن يستعيد العالم الغربي أنظمة وشعوباً، مرةً أخرى، مفاهيمه الذاتية التي أسس عليها أنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأهم هذه المفاهيم ليبراليته الكلاسيكية الأولى، التي تعني له الحرية المطلقة للرجل الأبيض ذي العرق الأنجلوساكسوني، وذي الاعتقاد البروتستانتي الشغوف بتبني الأفكار الصهيونية المؤمنة بتفوق العرق الجرماني والاختيار الإلهي للشعب المختار والعودة الموعودة للأرض المقدسة في فلسطين توطئةً لعودة اليسوع!!

تلك المفاهيم الأوروبية الغربية التي انطلقت منها الثورة الإنكليزية عام 1688والثورة الأميركية عام 1775، لتؤسسا إحدى أهم الروابط والثوابت للسياسات والمصالح المشتركة الأوروبية الغربية والأميركية، تلك السياسات التي رسّخت الأفكار الصهيونية وأمدتها بمقومات البقاء والصمود وصولاً لتأسيس الدولة الصهيونية في فلسطين.

في الواقع والمنطق، الصراع الفلسطيني لم يعد يهدف لمناقشة الوجود اليهودي على أرض فلسطين، بل يطمح لفرض التعاقب التاريخي للشعب الفلسطيني على دولته الشرعية والمشروعة بقرار الأمم المتحدة عام 1947م رقم 181، ذلك القرار الذي تقف اليوم الأمم المتحدة عاجزة عن جعل الشعب الفلسطيني المقهور يستعيد فيه حقوقه المسلوبة.