بناءً على تكليف مجلس الوزراء وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار بإعادة النظر في هيكلة الجهات والهيئات والمؤسسات الحكومية، جاءت مقترحات ومرئيات وزارة المالية مبينة على مذكرة الأمانة العامة لمجلس الوزراء (أمانة الشؤون القانونية) بشأن دراسة مدى جدوى استمرار المجالس العليا ومسترشدة بمذكرة الأمانة العامة لمجلس الوزراء (أمانة اللجان) بشأن دمج أو إلغاء بعض الجهات والهيئات والمؤسسات الحكومية.

وقد رفعت وزارة المالية مرئياتها بشأن دمج أو إلغاء بعض الجهات والهيئات والمؤسسات الحكومية المتشابهة، بهدف الترشيد وتقليص نفقات الميزانية وفك التشابك والتداخل في الاختصاصات، فأكدت الوزارة في مقترحها الذي رفعته

Ad

الى مجلس الوزراء أن إجراءات الدمج بين الجهات ستؤدي إلى تحجيم التوسع في إنشاء هيئات جديدة وتقليص المصروفات وتوقف تضخم الهيكل الإداري للدولة، وتوحيد الرؤى أمام متخذ القرار وتسهيل إجراءات الدورة المستندية والحد من ضخامة أجهزتها الإدارية مستقبلاً، وخفض معدلات تنامي نفقات الرواتب، وما في حكمها، ومعالجة الخلل الهيكلي بالميزانية العامة للدولة على المدى المتوسط والبعيد، حيث إنه من المتوقع انخفاض في تقدير اجمالي النفقات الحكومية المخصصة لتلك الجهات بنسبة مقدارها 50%، ومن المتوقع انخفاض الباب الأول بنسبة 20% على المدى المتوسط وبنسبة 50% على المدى البعيد، نتيجة لإلغاء الوظائف القيادية والمتوسطة ومكافآتها.

وكذلك من المتوقع انخفاض تكاليف الباب الثاني بنسبة 25% نتيجة لدمج عقود الحراسة والنظافة وعقود الحراسة ونظم المعلومات والتدريب، علاوة على ذلك فمن المتوقع انخفاض تكاليف الباب الثامن بنسبة 30% لانخفاض المهمات الرسمية

ودمج الجهات التي لم تحقق الإنجازات أو تحقق أهدافها المنشودة عند إنشائها حتى لا تكون عبئاً على الدولة، وتماشياً مع توجهات الدولة لرفع كفاءة الجهات الحكومية وإنتاجيتها وتسهيل التحول الرقمي وخلق ثقافة مهنية تسعى إلى التقدم والتطوير، حيث اقترحت الوزارة في كتابها الموجه لمجلس الوزراء، إلى تقليص ودمج وفصل وإلغاء وتغيير الكيان المالي واستحداث أكثر من 34 جهة وهيئة حكومية، وذلك من خلال دمج إدارة نزع الملكية وجهاز المراقبين الماليين بوزارة المالية، وإلغاء الهيئة العامة للطرق والنقل البري ودمجها مع وزارة الأشغال، وكذلك دمج الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية والهيئة العامة للغذاء والتغذية، ودمج وكالة الأنباء الكويتية بوزارة الإعلام لتشابه الاختصاصات، وضم جهاز حماية المنافسة ووحدة تنظيم التأمين مع وزارة التجارة والصناعة.

واقترحت الوزارة أيضاً إلغاء المجلس الأعلى للتخطيط والاكتفاء بوجود الأمانة العامة للتخطيط والتنمية، ودمج المؤسسة العامة للرعاية السكنية وبنك الائتمان تحت مسمى (مؤسسة التمويل والرعاية السكنية)، كما تضمن كتاب وزارة المالية دمج الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات والهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات والمركز الوطني للأمن السيبراني وقطاع الاتصالات بوزارة المواصلات تحت مسمى (هيئة التحول الرقمي والاتصالات) ولتوحيد الإحصاءات الرسمية وزيادة الإنتاجية وتجنب ازدواجية العمل، فقد اشتمل المقترح على دمج الهيئة العامة للمعلومات المدنية مع الإدارة المركزية للإحصاء.

إضافة لما سبق تضمن المقترح دمج الجهات المرتبطة بالتخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص (هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، وهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والجهاز الفني لبرنامج التخصيص، والصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة)، وذلك للحد من التداخل والتشابك في الاختصاصات وتسريع الدورة المستندية التي يمر بها المشروع لجذب الاستثمار ورؤوس الأموال المحلية والأجنبية ودفع عجلة التنمية.

واقترحت الوزارة أيضاً دمج وحدة التحريات المالية مع الديوان الوطني لحقوق الإنسان ضمن برنامج في وزارة العدل، مع فصل السلطة القضائية عن وزارة العدل لتكون هيئة ملحقة تحت مسمى (هيئة القضاء) بالإضافة إلى نقل تبعية الإدارة العامة للجمارك إلى وزارة الداخلية للتشابه في طبيعة العمل من ناحية الضبط والتفتيش، كما جاء من ضمن مقترح الوزارة نقل ميزانية معهد الكويت للأبحاث العلمية وهيئة أسواق المال من ميزانية الهيئات المستقلة الى ميزانية الهيئات الملحقة، وذلك نظرا لأن طبيعة عملها خدمية ومشابهة لعمل الوزارات والإدارات الحكومية والجهات ذات الميزانيات الملحقة.

وبالرغم من إيماننا بأهمية وضرورة إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي المتضخم للدولة، وأن الدولة قد تأخرت كثيراً في إعادة الهيكلة، حيث أشرنا لذلك في العديد من المقالات خلال السنوات الماضية، إلا أن هناك تخوفا من أن الأخذ فقط بمقترحات وزارة المالية لهيكلة الجهاز التنفيذي للدولة رغم صحتها في أغلب المقترحات والتوصيات، إلا أنه يمكن أن يغلب عليها الجانب المالي وتقليص المصروفات أكثر من تركيزه على التوجهات التنموية والجانب التنظيمي والفني والإداري والعلمي وجودة وكفاءة وفاعلية الجهاز التنفيذي ككل، خاصة أن بعض المقترحات لدمج وإلغاء بعض الجهات لم يقم على أسس ودراسات تنظيمية وإدارية وعلمية وقانونية.

ولم توضح المبررات العلمية والتنظيمية التى بنيت عليها هذه المقترحات، وكذلك لم توضح كيفية التعامل مع العمالة بعد عملية الدمج أو الإلغاء، وكذلك الوظائف القيادية وكيفية المفاضلة بين شاغليها في حالات الدمج أو الإلغاء، بالإضافة إلى تحديد الأعباء الوظيفية وأعداد الموظفين والتخصصات المطلوبة لكل جهة من الجهات المدمجة، وكيفية التعامل مع العمالة والتخصصات الزائدة على الحاجة ومدى الحاجة للتدريب وإعادة التدريب.

لذلك فإن إسناد هذه المهمة لوزارة المالية فيه انتهاك ومخالفة للعمل المؤسسي وقانون ونظام الخدمة المدنية وتعديلاته وكذلك تداخل وتشابك في الاختصاصات والمسؤوليات بين الجهات الحكومية، حيث تنص المادة 5 من قانون ونظام الخدمة المدنية لسنة 1979 على تشكيل مجلس للخدمة المدنية، حيث حددت الفقرة 2 منه اختصاصات المجلس بالنص على «العمل على تطوير التنظيم الإداري للدولة وإبداء الرأي في تحديد أهداف الوزارات والإدارات العامة واختصاصاتها وتنظيمها وسبل التنسيق بينها».

وعليه نرى أنه منعاً لمزيد من التداخل والتشابك في الاختصاصات بين الجهات الحكومية وتطبيقاً لمبدأ دولة المؤسسات فمن الأفضل أن تسند هذه المهمة لمجلس الخدمة المدنية أو للجنة عليا من المتخصصين في مجال التنظيم والإدارة والقانون والاقتصاد والمالية والتكنولوجيا ونظم المعلومات، وتكون هذه اللجنة تحت إشراف مجلس الوزراء، حيث إن مجلس الوزراء هو المهيمن على مصالح الدولة، وهو الذي يرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية، كما يجب مراعاة الظروف الحالية والمستقبلية والتغيرات التي تمر بها مرحلة الإصلاح والتطوير والرؤية الاستراتيجية للدولة.

ودمتم سالمين.