بعد أيام من بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، التقطت وكالة «رويترز» صورة لإيناس أبو معمر، وهي تبكي وتحتضن جثة ابنة أخيها سالي التي كانت تبلغ من العمر خمس سنوات آنذاك.

وأصبحت هذه الصورة واحدة من أكثر الصور التي تجسد معاناة الفلسطينيين خلال القصف الإسرائيلي المستمر على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.

استشهدت سالي مع والدتها وشقيقتها الرضيعة وجديها وعدد من أقاربها.

Ad


ومنذ ذلك الحين، فقدت إيناس أبو معمر «37 عاماً» شقيقتها أيضاً، التي استشهدت مع أطفالها الأربعة في غارة جوية في شمال غزة.

نزحت إيناس أبو معمر ثلاث مرات لتجنب القصف الإسرائيلي، وفي إحدى المرات أمضت أربعة أشهر في خيمة.

واليوم، عادت إلى منزلها في خان يونس بجنوب غزة، الشقوق في كل جزء من سقف المنزل وتغطي ستارة الحمام فتحة في الحائط بحجم نافذة.

وقالت إيناس أبو معمر وهي تجلس وسط الأنقاض في المقبرة الصغيرة بجوار منزل العائلة «لقد فقدنا الأمل في كل شيء»، وأضافت أن قبر سالي يوجد أسفل تلك الأنقاض.

وتابعت «حتى القبر لم يسلم من القصف».

غارة جوية

قبل السابع من أكتوبر العام الماضي، كانت غزة تعاني من حصار إسرائيلي واسع النطاق.

وقالت إيناس أبو معمر إن العمل كان قليلاً وكانت الواردات مقيدة بشدة لكن أسرتها كانت تنعم بالاستقرار.

كانت إيناس تعيش مع زوجها بالقرب من عائلة شقيقها رامز، مما أتاح لها قضاء الكثير من الوقت مع أبناء أخيها، أحمد وسالي وصبا.

ومع تكثيف القصف بالقرب من المنزل بعد السابع من أكتوبر، لجأ رامز مع عائلته إلى منزل أصهاره على بعد حوالي كيلومتر واحد، وفي اليوم التالي تعرض المنزل لغارة جوية.

وعندما سمعت إيناس أبو معمر بالغارة، توجهت مباشرة إلى مستشفى ناصر في خان يونس.

وهناك رأت أحمد، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 4 سنوات، وأمسكت بيده، ووجدت سالي جثة هامدة في المشرحة.

وقالت «حاولت إيقاظها، لم أصدق أنها ماتت».

وهناك التقط مصور «رويترز» محمد سالم صورة لإيناس وهي تحتضن ابنة أخيها المتوفاة، وهي مُكفنة في ملاءة بيضاء.

وحصلت الصورة على أفضل صورة صحفية عالمية لهذا العام وفازت بجائزة «بوليتزر» إلى جانب صور أخرى لـ«رويترز» لأحداث السابع من أكتوبر والحرب في غزة.

نزوح

قالت إسرائيل إنها هاجمت 5000 هدف لحماس في غزة من السابع من أكتوبر حتى 17 أكتوبر من الشهر ذاته، وهو يوم الغارة الجوية التي أودت بحياة الطفلة سالي، وقالت السلطات الصحية الفلسطينية إن نحو 3000 شخص استشهدوا بحلول ذلك التاريخ منهم 940 طفلاً.

وبعد ستة أيام من استشهادها، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي في تعليق على استشهاد عائلة أخرى في غارة جوية في خان يونس «حماس تندس وسط المدنيين في جميع أنحاء قطاع غزة، لذا أينما يظهر هدف لحماس، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي سيضربه من أجل إحباط القدرات الإرهابية للحركة، مع اتخاذ الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين الذين لا دخل لهم».

وبحلول شهر ديسمبر، ومع إعلان السلطات الفلسطينية أن عدد الشهداء في غزة تجاوز 15 ألفاً واستعداد إسرائيل لتوسيع هجومها البري إلى جنوب غزة، انتقلت إيناس أبو معمر وأفراد آخرون من العائلة إلى المواصي، وهي منطقة شاطئية حيث لجأ النازحون إلى العيش في خيام.

نزحوا مرتين أخريين بينما كانت القوات الإسرائيلية تخوض قتالاً ضد حماس في جميع أنحاء الجنوب حيث أمرت المدنيين أولا بالخروج من خان يونس ثم من مدينة رفح.

والآن وبعد عودتها إلى المنزل، تقول إيناس أبو معمر إنه لم يعد هناك جدوى من النزوح مجدداً.

والتقطت الزي المفضل لدى سالي، وهو فستان أسود بالتطريز الفلسطيني التقليدي الأحمر، وألصقته بوجهها.

وقالت «لا ننتظر سوى وقف حمام الدماء».