صعدت الآلة الإسرائيلية العسكرية عدوانها جواً وبراً على لبنان، في وقت بذلت الحكومة اللبنانية جهوداً لصياغة موقف سياسي متماسك بحثاً عن نافذة دبلوماسية يمكن التسلل عبرها إلى المفاوضات للوصول إلى حل يوقف تل أبيب، التي لا تزال مترددة في تنفيذ اجتياح بري واسع قد يكون مكلفاً لها وللبنان.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أمس، مقتل جنديين في معارك على الحدود مع لبنان، في وقت بدأت فرقة «الجليل 91» التي تضم لواءي الاحتياط 3 و8، ولواء الناحال الشمالي 228، عملية برية «محدودة ومحددة الهدف» في الجنوب.

Ad

في غضون ذلك، وجه الجيش الإسرائيلي إنذارات جديدة لإخلاء قرى استهدفت هذه المرة بلدات في القطاع الغربي لتنضم بذلك إلى أكثر من 120 بلدة طالبت إسرائيل منذ 1 أكتوبر بإخلائها.

وشن الجيش غارات عنيفة على النبطية وقرى في قضاء صور ومعظم البلدات الحدودية في القطاعين الأوسط والشرقي للحدود.

وقتل 4 أشخاص على الأقل في غارة على منزل ببلدة صريفا بقضاء صور، كما قتل 10 أشخاص في غارة على مقر للإطفاء في بلدة برعشيت بقضاء بنت جبيل.

وواصل الطيران الحربي الإسرائيلي استهداف منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية، حيث يعتقد أن بديل الأمين العام لحسن نصرالله، هاشم صفي الدين لا يزال تحت الركام بعد تعرض أحد مقار حزبه لغارة فجر يوم الجمعة الماضي، وقد عجزت فرق الإنقاذ عن الوصول اليه.

وبعد ظهر أمس، نفذ الطيران الحربي الاسرائيلي «غارة دقيقة» في الضاحية، وهو التعبير المستخدم عادة لدى استهداف شخصية قيادية في «حزب الله». وبحسب المعلومات الاولية استهدفت الغارة قيادياً عسكرياً في الحزب.

وطول ليل الأحد ـ الاثنين، أغار الطيران الحربي على مناطق وأحياء الضاحية، حيث شوهدت انفجارات كبيرة يعتقد أنها ناتجة عن استهداف مخازن صواريخ.

غارة على الضاحية

وقتل وأصيب عدة أشخاص في غارات على مناطق بالبقاع خصوصاً في بلدة قليا في البقاع الغربي حيث سقط قتيلان بغارة على منزل.

وقالت وزارة الصحة اللبنانية، إن 2083 شخصاً قتلوا و9869 جرحوا منذ بدء العدوان على لبنان، وسط تحذيرات من دخول القطاع الاستشفائي والدوائي في دائرتي الخطر بسبب الضغط الكبير وخروج مستشفيات عن الخدمة.

«حزب الله» وحيفا

من جانبه، قال «حزب الله»، أمس، في بيان بمناسبة ذكرى 7 أكتوبر، إنه سيواصل «صدّ العدوان» الإسرائيلي، رغم «الأثمان الباهظة» التي يتكبّدها، واصفاً إسرائيل بأنها «غدة سرطانية» في المنطقة «لا بدّ من إزالتها ولو طال الزمن».

وأورد الحزب في بيان: «قرار (حزب الله) فتح جبهة الإسناد... هو قرار بالدفاع عن لبنان وشعبه دفعت فيه مقاومتنا وشعبنا أثماناً باهظة»، مضيفاً: «غير أننا واثقون إن شاء الله بقدرة مقاومتنا على صد العدوان». وكان الحزب نفى على لسان مصادر وجود توغلات إسرائيلية مؤكداً أنه تصدى لكل المحاولات، وأن القوات الإسرائيلية لم تدخل الأراضي اللبنانية، الا أنه أعلن أمس، قصف تجمع للقوات الإسرائيلية في حديقة مارون الراس، ما يعني أن القوات الإسرائيلية باتت بالفعل داخل القرية.

وسرّب الجيش الإسرائيلي شريطاً مصوراً يظهر الدمار الشامل في بلدة يارون في القطاع الأوسط للحدود، ويظهر الفيديو كذلك تمركز دبابات إسرائيلية في نقطة عسكرية.

وكانت «الجريدة» كشفت أمس الاول، أن الجيش الاسرائيلي أقام بالفعل نقطتين عسكريتين في بلدتي يارون ومارون الراس، وقام بتوغلات واسعة في القطاع الأوسط.

في الوقت نفسه، أعلن الحزب استهداف مستعمرة كفر فراديم وإصبع الجليل ومناطق أخرى بعشرات الصواريخ، غداة شنه أكبر قصف صاروخي على مدينة حيفا ثالث أكبر مدينة في إسرائيل. وذكرت وسائل إعلام محلية أن عشرة أشخاص أُصيبوا في شمال إسرائيل، في الذكرى الأولى لاندلاع حرب غزة، التي اتسعت رقعتها في الشرق الأوسط.

وقال «حزب الله»، إنه استهدف قاعدة عسكرية جنوب حيفا بوابل من صواريخ «فادي 1»، إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن الصواريخ سقطت على مطعم ومبان مدنية في حيفا ومدينة طبريا، على بُعد 65 كيلومتراً.

الحل الدبلوماسي

إلى ذلك، تصاعدت التحركات السياسية في لبنان في محاولة لصياغة موقف سياسي ودبلوماسي متماسك يسمح للبنان بالتفاوض حول وقف لإطلاق النار. وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن الحكومة تدعم وقفاً فورياً لإطلاق النار، وأنه في حال وافقت تل أبيب على وقف النار فستكون الحكومة مدعومة برئيس مجلس النواب نبيه بري، قادرة على إقناع «حزب الله» بوقف إطلاق النار وجاهزة لتطبيق القرار 1701 الذي يدعو لنشر الجيش اللبناني في الجنوب.

وقال بري في مقابلة صحافية نشرت أمس: «نحن ملتزمون بالنداء المشترك الأميركي ــ الفرنسي ــ الأوروبي ــ العربي الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار مدة 21 يوماً، يتم خلالها استكمال المفاوضات بغية التوصل إلى اتفاق نهائي لتطبيق القرار 1701»، مضيفاً أن باريس ولندن تتمسكان بهذا البيان «أما واشنطن فهي معه شكلياً، لكنها في الجوهر لا تفعل شيئاً لتنفيذه ولا تضغط جدياً على الكيان الإسرائيلي للتقيد به ووقف عدوانه».

وفي حين صرح وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بأن النداء الأميركي ـ الفرنسي لا يزال مطروحاً على الطاولة، قالت مصادر دبلوماسية عربية، إن باب واشنطن مقفل على الحل الدبلوماسي بعد أن منح المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين المسؤولين اللبنانيين فرصة تلو الأخرى في الأشهر الماضية، بالتالي فإن شروط المفاوضات اختلفت عن السابق.

وألمحت إسرائيل إلى أن القرار 1701 لا يوفي بالضمانات التي تطالب بها لإعادة سكانها إلى الشمال وجرى تداول أفكار حول القرار 1559 الذي يدعو لنزع سلاح «حزب الله». وقال وزير الخارجية اللبناني السابق طارق متري أحد مهندسي الـ 1701، إن القرار لا يزال يشكل أساساً لأي حل دبلوماسي بين لبنان وإسرائيل مع تعذر صدور قرار آخر في ظل الظروف الدولية الحالية، لكنه يشير إلى أن القرار بحاجة إلى إعادة صياغة خصوصاً بسبب الغموض في بعض فقراته التي سمحت بتفسيرات متنقاضة له، وحالت دون تنفيذه بفعالية في السنوات الماضية.

من ناحيته، اعتبر نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي زار بيروت أمس، أن «عدوانية الاحتلال الإسرائيلي التي بدأت ومستمرة في قطاع غزة، وانتقلت الآن إلى لبنان تدفع المنطقة جميعها إلى هاوية حرب إقليمية شاملة».

وفي مؤتمر صحافي عقده بعد لقائه ميقاتي، قال الصفدي: «نحن ندعم جهود لبنان في تفعيل مؤسساته الوطنية وقراره الوطني بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية الذي يشكل خطوة مهمة في تقوية وضع لبنان على المستوى الدولي». وشدد على ضرورة «إيقاف هذا العدوان فوراً» ووجوب «لجم العدوانية الإسرائيلية»، لافتاً إلى «وجود قرار في مجلس الأمن قادر على أن يحقق الأمن والاستقرار وهو القرار رقم 1701 الذي ندعم تطبيقه بالكامل». واجتمع الصفدي خلال زيارته لبيروت مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. بدوره، حذر وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي من خطورة التوغل الإسرائيلي في لبنان وأهمية تمكين الجيش اللبناني.