ربما كانت إحدى أهم القضايا المثيرة للجدل في الكويت اليوم هي اختلال التوازن بين المواطنين والوافدين، أو ما يسمى بمشكلة التركيبة السكانية، حيث تتراوح مبررات الدعوة إلى معالجة الزيادة الكبيرة في أعداد الوافدين بين التخوف من ضياع الهوية الوطنية والأمن القومي ومستقبل الدولة السياسي إلى التبعات الاقتصادية والمالية لهذا الوجود.
وفي البداية، يجب التأكيد على أنه لا توجد هناك نسب مرجعية يمكن استهدافها لتحقيق التوازن الأمثل في التركيبة السكانية، حيث إن الآثار السياسية والاجتماعية تختلف من بلد لآخر باختلاف تركيبة مجتمع الوافدين ومدى انفتاح السكان المحليين وقبولهم لمفهوم التعددية الثقافية والإثنية، كما أن الآثار الاقتصادية تعتمد على سعة الاقتصاد المحلي وكثافة رأس المال فيه، والتي يمكن تحديدها بتقييم صافي المنافع الاقتصادية المترتبة على استجلاب اليد العاملة خارج البلاد.
وبدلاً من التركيز على إجمالي نسبة الوافدين الى المواطنين، ينبغي معالجة المشاكل المتعلقة بالتركيبة السكانية ضمن ثلاثة محاور، كل على حدة:
1- المشاكل الأمنية والقانونية والبيئية: وهي تمثل مجموعة السلبيات التي قد لا يستدعي علاجها خفض أعداد العمالة الوافدة تحديداً، ولكن باتباع سياسات انتقائية ونمطية profiling في استجلاب العمالة الوافدة بدلاً من التركيز على الاعتبارات السياسية والتكلفة فقط، كما يتعين وضع حدود دنيا لأجور العاملين الوافدين وتحسين أحوالهم المعيشية والبيئية ووضع ضوابط أكثر صرامة لمنع استغلالهم من قبل مكاتب العمل وأصحاب العمل.
2- الضغط على الخدمات الاجتماعية ومرافق البنية التحتية: يشير دعاة وقف الهجرة إلى الضغوطات التي تسببها زيادة أعداد الوافدين على المرافق والخدمات العامة مثل الطرق، والكهرباء، والصحة، والتعليم. وينطبق على هذه الدعوات المثل الإنكليزي القائل: «النباح تحت الشجرة الخاطئة»، حيث إن الحل الأمثل يتمثل في الارتقاء بالتخطيط الاستثماري لمرافق الدولة وتسعيرها بشكل أفضل كلما أمكن ذلك بدلاً من التركيز على خفض حجم العمالة الوافدة.
3- الإخلال بتوازن سوق العمل حيث تؤدي الزيادة المفرطة في حجم العمالة الوافدة وانخفاض أجورها إلى بطالة العمالة الوطنية أو تكدسها في القطاع الحكومي وبعض القطاعات الأخرى.
لا شك أن هذه النقطة الأخيرة - الإخلال بتوازن سوق العمل - تمثل المشكلة الحقيقية في قضية التركيبة السكانية في الكويت، وهي نتاج سنوات من السياسات الخاطئة التي أدت إلى تكدس المواطنين في القطاع العام، وإلى إهمال دور القطاع الخاص في توظيف العمالة الوطنية. ولكن معالجة هذا الوضع الشاذ الذي تشهده البلاد اليوم تتطلب إحلالاً موجهاً ومبرمجاً، وضمن خطط أكثر شمولية للإصلاح العام، لتفادي الآثار السلبية من التحول السريع على سوق العمل والنشاط الاقتصادي. ويمكن إلقاء الضوء على بعض عناصر هذا الإحلال الموجه بتصنيف العمالة الوافدة إلى ثلاث فئات:
1- العمالة الوافدة البديلة التي تقوم بمهام يمكن استبدالها بالعمالة الوطنية في المستقبل المنظور من خلال وضع الحوافز والتدريب والتأهيل ومن خلال وضع المقومات اللازمة لتحسين أنظمة الأمن الوظيفي والضمان الاجتماعي في القطاع الخاص. وتضم هذه الفئة العديد من الوظائف في قطاعات التعليم والصحة والبيع بالتجزئة والتمويل. وهذه هي الفئة الرئيسية التي يتوجب استهدافها ببرامج الإحلال الزمنية.
2- العمالة المساندة الاعتيادية: وهي تلك التي تمتهن وظائف قد لا تكون موضع إقبال من العمالة الوطنية في المستقبل المنظور، مثل المهن اليدوية الشاقة ومهن الري والزراعة وصيد الأسماك والتشييد والبناء. ووجود هذه الفئة ضروري لدعم قطاع الأعمال والمساهمة غير المباشرة في خلق فرص عمل جديدة للمواطنين. وبشكل عام يمكن الحد من الاعتماد المتزايد على هذه الفئة من خلال تطبيق سياسات لتشجيع طرق الإنتاج ذات رأس المال المكثف.
3- العمالة المساندة عالية المهارة وهي العمالة الوافدة ذات المهارات النادرة التي قد لا تتوافر محلياً في المستقبل المنظور. ومن أمثلة ذلك المحترفون في المجالات التي تتطلب معرفة متخصصة أو خبرة تقنية متقدمة أو قدرات ابتكارية. وبعكس الفئة الأولى التي يستهدف إحلالها، فإن هناك حاجة لتبني سياسات تساهم في استقطاب وتوطين هذه العمالة، حيث يصعب اليوم في ظل القيود الإدارية والاجتماعية وضعف المراكز البحثية المساندة... تخيل إمكانية استقطاب هذه المهارات وقيام صناعات ذات تقنيات عالية كتلك التي في الصناعات الطبية والإلكترونيات والذكاء الاصطناعي.
وخلاصة القول، إن الاهتمام بقضية التركيبة السكانية يجب أن يتحول من التركيز على تخفيض نسبة الوافدين إلى المواطنين بشكل عام إلى مراجعة شاملة لسياسات الماضي والتي أدت الى الخلل الذي يشهده سوق العمل اليوم من بطالة مقنعة لقوى العمل الوطنية ووضع برنامج زمني موجه لإعادة تقويمه وإصلاحه.