تتنقل بين أرجاء العالم وأنت تحت رقابة محكمة ما بين تصوير متلفز وتصوير فوتوغرافي، وذلك لدواعي حفظ الأمن والحقوق الشخصية ما بين الجهات الحكومية والمحال التجارية والمطارات ومحطات القطار، فلاشك أن بين كل فوج من الناس يوجد هناك اللص المطلوب والهارب والمجرم وخلافه من الأشرار ومن يضمر الشرور لمستقبل مظلم، وعليه فإن طرق التعرف على الناس من خلال علامات مميزة في وجوههم وبصمات أصابعهم تعتبر إحدى أهم وسائل الأمن في العالم، وهي إجراء أمني تم اعتماده منذ سنين طويلة جدا في حفظ هذه المعلومات واستخدامها إذا ما دعت الحاجة من خلال برامج تعمل على مصفوفات رياضية للتحقق من شخصية الإنسان المطلوب ومطابقتها مع العلامات المميزة لكل إنسان، كما تحفظ هذه البيانات كأخرياتها في أماكن مختلفة، فإن كان التخوف هو اختراق البيانات فالبطبع والأمر البدهي جدا هو تخوف مشروع طبيعي في النفس البشرية، كما هو تخوف الناس الدائم من اختراق حساباتهم البنكية أو حساباتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن هل هذا التخوف يحتاج الى البلبلة وربط المسألة مع نظريات المؤامرة العالمية التي تختص بفناء البشرية؟! كذلك هنا تكون الإجابة وبالطبع (لا) وهو أمر ليس بالمنطقي أو البدهي بتاتا، فكما كان للقاحات الخاصة بجائحة فيروس كورونا من يناهض استخدامها كوسيلة تحكم أو القضاء على الناس، ببساطة كان الأجدر دس السموم في أدوية الشركات المصنعة ذاتها والانتهاء من المسألة برمتها، بل أزيد أن لقاح كورونا أثبت فعاليته المجتمعية بحسب دراسات عدة نشرت من مختلف الدول والأصقاع والممولين المختلفين للبحوث حول العالم.

Ad

نظرية المؤامرة تحلو للكثير من الناس لأنها، كما ذكر الطبيب المفكر المصري أحمد توفيق، تعطي إحساسا بأنك أعلم وأعلى وأذكى ممن حولك بتفسير خفايا الأمور، إلا أنها في مواضع كثيرة تعد مسألة ترفية لمجتمعات تتجاذب أطراف حديث بيزنطي ما بين جنس الملائكة إذا ما كانوا ذكورا أم إناثا كما حصل في حصار بيزنطة في يوم من الأيام.

من يناقش البدهيات كثيراً هو في العادة شخص يعتقد أنه أفهم من غيره، وعادة هؤلاء نجدهم ممن تخلو حياتهم من الأمور الجادة الحقة، ولديهم وقت فراغ ودوا أن يشغلوه بما هو مفيد، وحقيقة الأمر أن الناس تتخوف من الحكومات بإفشاء بياناتها الخاصة أيا كانت دون معرفة السبب الحقيقي وراء ذلك، ودون معرفة حدود استخدامها، وهنا يجب أن نقول وبكل إنصاف إن هذا كله يعتبر حقا مشروعا يجب العمل على إعطائه للناس، بل هو تعزيز آليات التواصل فيه حقا، فمن الطبيعي والبدهي أن يكون الناس على دراية بكيفية استخدام بياناتهم وكيفية العمل على استخدامها، ولم يتم جمع بيانات التحقق الشخصية لهم من خلال بصمة الوجه أو الأصابع كما في التطبيقات الشخصية أو حساباتهم البنكية أو حتى مكاتب التأشيرات للسفر، وعليه فإن الدول يجب أن توضح للعامة مرة واثنتين وثلاثا أهدافها من جمع تلك البيانات حتى فيما يتصل بالبصمة الوراثية ومعلومات الأشخاص الخاصة بتاريخهم الطبي والعملي.

ومن هنا نأتي لنفتح باب تنظيم هذا العمل، ومن بعد تعزيز الشفافية بين السلطات المختصة والعامة، وإيضاح حدود الاستخدام بكل يسر، فهل تمنع الدول مواطنيها من دخول أراضيها من دون إجراء بصمة؟! الإجابة بالطبع هي (لا)، فلا توجد دولة تفعل ذلك البتة، فهل يتأتى على ذلك إجبار الفرد ومشروعية إيقاف معاملاته إذا ما لم يمتثل لإجراءات الدولة التنظيمية والأمنية أو الاعتيادية في التنظيم؟! الإجابة هنا أيضا ومن منطلق المصلحة العامة للدولة وبكل حيادية (نعم)، وهو إجراء تنظيمي لا أكثر، والأصل فيه أن يتم تنظيمه من خلال مجموعة قرارات، ومن ثم قوانين أخرى تختص بتنظيمه. خلاصة النقاش هنا دون التطرق لقوانين السفر وحمل جوازات السفر كما هي حال قانون 11 لسنة 1962 في دولة الكويت كمثال واضح، أنه وببساطة للدولة حق في تنظيم الحياة العامة والأمن والامتثال لقرارات أممية كذلك، ومن الأجدر في مثل هذه المواضع امتصاص غضب الناس والشارع والبلبلة في إيضاح حدود استخدام هذه البصمة البيومترية، ولماذا يتم حفظها، وكيف يتم حفظها، لطمأنة الناس جميعاً.

وعليه فالأسلم أن تتم توعية الشارع بحدود استخدام هذه البيانات والغرض منها التنظيمي والأمني كذلك، وبأن مثل هذا الإجراء والأمر يقصد منه كذا وكذا، وعليه يتم تنظيم الحياة اليومية بشكل سلس وسهل على الجميع وبحدود القوانين وسلطة القرارات الإدارية كذلك.