شنّ حزب الله أمس هجمات صاروخية نوعية مختلفة عن الهجمات السابقة التي تجنب إيقاع إصابات مدنية إسرائيلية، الأمر الذي ينذر بردود إسرائيلية عنيفة، قد تؤدي إلى توسع مدى الحرب التي امتدت الى لبنان، وتؤثر سلباً على تحركات دبلوماسية خجولة بدأت ترتسم معالمها الأولية في الساعات الأخيرة.
وقتل إسرائليان أمس في قصف صاروخي نفذه حزب الله على كريات شمونة في الجليل الأعلى المحاذية للشريط الحدودي مع لبنان لناحية الحافة الشرقية للقطاع الأوسط، فيما أصيب 6 أشخاص على الأقل في إطلاق صواريخ على مدينة حيفا ثالث مدن إسرائيل، والتي قوم الحزب بقصفها بكثافة منذ 3 أيام.
في الوقت نفسه، أعلن حزب الله أنه خاض اشتباكات مع القوات الإسرائيلية المتوغلة قرب بلدة ميس الجبل في القطاع الاوسط، واستهدف بالصواريخ موكباً عسكرياً إسرائيلياً خلال تقدمه باتجاه ميس الجبل ومحيبيب.
كما قال انه استهدف كذلك تجمعات للجنود في بساتين المنارة، المجاورة، وأعلن الحزب أن تصدى لمحاولة تسلل برية في منطقة اللبونة قرب الناقورة في القطاع الغربي.
وجاء تصعيد حزب الله بعد أن تعهد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، أمس الأول، بمواصلة القتال بقوة، بالتزامن مع اعلان اسرائيل عملية برية في القطاع الغربي الساحلي، وقيام جنود إسرائيليين برفع العلم الإسرائيلي في بلدة مارون الراس التي شهدت مواجهات عنيفة في الأيام الماضية، في خطوة وصفت بأنها استعراض لاستفزاز حزب الله وإخراجه من مخابئه.
وأفادت مصادر محلية في جنوب لبنان بأن ليل الثلاثاء ـ الاربعاء كان هادئاً نسبياً، فيما تراجعت حدة الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت دون أن تتوقف بشكل كامل.
وفي وقت سابق، قال قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي لمقاتلي «اللواء 188» العامل في لبنان إن «طريق العودة إلى البيت يمر عبر إزالة التهديد لسكان المنطقة الشمالية، ونحن عازمون على إعادتهم، حيث تقومون بذلك من خلال جنازير المدرعات وأرجلكم»، وأضاف: «نلحق أضرارا بالغة بالقيادة والسيطرة في حزب الله منذ أسبوعين».
وشن الجيش الإسرائيلي أمس غارات على عدة مناطق جنوبية. وقتل 4 أشخاص في غارة على بلدة الوردانية في منطقة الشوف.
وفي موقف لافت، قالت وزارة الخارجية الروسية، أمس، إن حزب الله بما في ذلك جناحه العسكري، «لم يفقد تسلسل قيادته ويؤكد أنه منظم» رغم الضربات الإسرائيلية التي ادت الى اغتيال معظم الصف الأول من القيادة العسكرية، بما في ذلك الأمين العام للحزب حسن نصرالله.
وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية أمس أن «إيران تريد تدمير لبنان»، مشددا على أن بلاده لا تقاتل الشعب اللبناني بل حزب الله وان معركتها تهدف الى إعادة مواطني الشمال الى منازلهم.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أصدر ليل الثلاثاء ـ الاربعاء شريط فيديو ناشد فيه المواطنين اللبنانيين الانقلاب على منظمة حزب الله إذا أرادوا تجنب مصير غزة.
وقال نتنياهو إن الغارات الجوية الإسرائيلية قتلت اثنين من الخلفاء المحتملين لحسن نصرالله الذي اغتالته إسرائيل الشهر الماضي، دون أن يذكر الأخيرين بالاسم.
تحركات دبلوماسية
وكانت مصادر فرنسية، رافقت وزير الخارجية الفرنسي الذي زار القدس في ذكرى 7 اكتوبر، أفادت بأن إسرائيل بدأت تتحدث عن شروط مبدئية للدخول في محادثات بشأن وقف إطلاق النار مع لبنان ومن بينها «انسحاب حزب الله من شمال الليطاني، وتنفيذ القرار 1559 الذي يقضي بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان».
في المقابل، قالت «القناة 12» العبرية إن واشنطن ودولا عربية بدأت تناقش مع طهران مقترحات لوقف إطلاق النار على «كل الجبهات باستثناء غزة»، مضيفة أن «وقف النار في لبنان سيكون مشروطاً بانسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وتفكيك بنيته العسكرية قرب الحدود».
وكشفت مصادر دبلوماسية غربية لـ «الجريدة» عن وجود مسار سياسي ودبلوماسي عربي - إيراني - أميركي للبحث في وقف إطلاق النار تشارك فيها دول خليجية واخرى أوروبية، مشيرة الى قنوات كثيرة لهذه المحادثات من سلطنة عمان، إلى دولة قطر، وصولا الى سويسرا.
أما هيئة البث الإسرائيلية (كان) فقد نقلت عن مصادر أن مسؤولين إسرائيليين طلبوا من مسؤولين أميركيين الترويج لانتخابات جديدة في لبنان تضعف قوة حزب الله السياسية الى جانب اضعاف قوته العسكرية.
وبحسب «كان» يعتقد هؤلاء أن الانتخابات ستساعد بشكل كبير في الوصول الى تسوية بين اسرائيل ولبنان، وان الجانب الأميركي لم يرفض الفكرة.
وفتحت تصريحات نعيم قاسم التي لم يذكر فيها انتهاء الحرب في غزة كشرط مسبق لوقف القتال في لبنان وتفويضه رئيس مجلس النواب نبيه بري للتفاوض على وقف اطلاق النار ردود فعل متضاربة. فقد رأى مراقبون ان الخطوة تفتح الباب امام المسار الدبلوماسي، غير أن آخرين رأوا أن الحزب كبل بري عبر رفضه التفاوض على حل «سلة متكاملة» تدعو اليه الدول الغربية خصوصا واشنطن، ويتضمن تنفيذ القرار 1701 والذهاب الى تسوية داخلية عبر تخلي الحزب عن عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية والانسحاب الى خلف نهر الليطاني، وكذلك البدء بمفاوضات لترسيم الحدود البرية بين لبنان واسرائيل، وهي خطوة تنهي جميع المشاكل عالقة بين البلدين وتنزع عن سلاح حزب الله شرعيته التي يستمدها من احتلال اسرائيل لمنطقة مزارع شبعا المتنازع عليها بين لبنان وسورية واسرائيل، ووجود خلافات على نقاط حدودية على الخط الأزرق.
ورفض مكتب نتنياهو التعليق على تصريحات قاسم، فيما قال مسؤول أميركي إن موافقة الحزب على فصل جبهة لبنان عن غزة متأخرة. وكان المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين زار لبنان عشرات المرات خلال العام الماضي، وأكد رئيس الحكومة اللبنانية أمس أن المساعي العربية والدولية لوقف الحرب الإسرائيلية لا تزال مستمرة، مستدركا بأن «تعنت تل أبيب والسعي لتحقيقها مكاسب وانتصارات لايزال يعوق نجاح هذه المساعي».
وأردف ميقاتي أن «أصدقاء لبنان من الدول العربية والأجنبية يواصلون أيضًا الضغط لوقف إطلاق النار لفترة محددة للبحث في الخطوات السياسية الأساسية، وأهمها التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وإجبار إسرائيل على تنفيذه».
ووصف رئيس الوزراء الإسباني اليساري بيدرو سانشيز الهجوم الإسرائيلي على لبنان بأنه «غزو»، قائلا إنه لا يمكن للمجتمع الدولي أن «يبقى غير مبال» إزاء هذا الوضع، وأعرب عن أسفه «لعدم وجود توافق» حول الموضوع داخل الاتحاد الأوروبي.