أكد د. أحمد محمد عبدالملك، استشاري طب العائلة، وزميل الكلية الملكية البريطانية لطب العائلة، أهمية طب الأسرة، حيث يساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية، وتعزيز الصحة في المجتمع، لافتاً إلى أن لطبيب الأسرة دوراً فعَّالاً في مجال الرعاية الوقائية والعلاجية للخدمات الصحية، وأيضاً في التوعية بالعادات الغذائية السليمة، واتباع أنماط حياة صحية.
ما أهمية طب الأسرة، والدور الذي يقوم به من أجل تحسين مستويات الصحة العامة ودعم أنظمة الرعاية الصحية؟- يعتبر طب الأسرة أحد أكثر التخصصات دعماً لأهداف الرعاية الصحية التي ترتكز بالدرجة الأولى على النواحي الوقائية.
ولا تقتصر مسؤولية طبيب الأسرة على معالجة الحالات المرضية وإعطاء العلاج والوقاية من الأمراض فقط، بل هي علاقة مستمرة مع الأفراد في حالة الصحة التامة، وقبل حدوث أي مرض، كما يسهم طب الأسرة في تحسين جودة الرعاية الصحية، وتعزيز الصحة في المجتمع.
ويؤدي هذا التخصص دوراً كبيراً في خدمة المجتمع، من خلال نظام الرعاية الصحية الأولية، والمتمثل في الوقاية من مختلف الأمراض، بالاكتشاف المبكر للأمراض، وعلاجها، والمشاركة في علاجها مع الأطباء المتخصصين الآخرين. ويتوجب على كل طبيب أسرة الإلمام دائماً بحجم مهامه ومسؤولياته، لذا يجب عليه الحرص على تطوير وتحديث مجال وتخصص طب الأسرة، والعمل أيضاً على تطوير وتحديث معلوماته ومهاراته في هذا المجال.
في عيادة طب العائلة نعاين الأمراض البسيطة والمزمنة، إضافة للعلاج الوقائي، وإعطاء مواعيد العيادات التخصصية؛ العاجل منها وغير العاجل، وعمل التحاليل والأشعة، إضافة إلى الزيارات المدرسية، وعمل حملات توعوية للمجتمع.
برأيك، واعتماداً على خبرتك المهنية، ما التغيير الإيجابي الذي يجب أن يتبناه المجتمع في سبيل تعزيز مستوى صحة الأفراد؟
أؤمن بأن أهم تغيير إيجابي صحي هو الذي يبدأ من الأسرة، وفي المنزل، من خلال الاهتمام بالتغذية الصحية، والعيش بنمط حياة صحي ورياضي، للتقليل من مخاطر السمنة ومضاعفاتها المرضية.
يؤدي طبيب الأسرة دوراً فعَّالاً، ليس في مجال الرعاية الوقائية والعلاجية للخدمات الصحية وحسب، بل أيضاً في التوعية بالعادات الغذائية السليمة، واتباع أنماط حياة صحية، خصوصاً أن طب الأسرة يُعد أحد تخصصات الطب التي تُعنى بالصحة البدنية، والنفسية، والاجتماعية لكل أفراد المجتمع، وتقدم من خلاله الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية لمنع حدوث الأمراض.
بالطبع يؤدي نشر التوعية والثقافة الصحية إلى تحقيق التغيير الإيجابي، وتبني أنماط حياة صحية تتمثل في العادات الغذائية السليمة، وممارسة الرياضة، والابتعاد عن التدخين.
وأعتقد أن أحد أهم التغييرات الإيجابية التي يجب على الأفراد تبنيها، هي ممارسات مفهوم الحد من الضرر، فهو بمفهومه الشامل يقضي باتباع ممارسات معينة تسهم في الحد من أضرار تصرفاتنا اليومية، حتى لو كانت هذه الممارسات لا تمنع الضرر بشكل تام.
والأمثلة على ممارسات الحد من الضرر كثيرة في حياتنا اليومية. على سبيل المثال، يُعد ارتداء خوذة الرأس أثناء ممارسة رياضة ركوب الدراجات شكلاً من أشكال الحد من الضرر، والأمر نفسه ينطبق على استخدام كريم الوقاية من أشعة الشمس، وتناول الأطعمة والمشروبات منخفضة السعرات وغيرها.
كما يمكن أن يساهم هذا المفهوم في الحد من أضرار التبغ، من خلال قيام المدخنين البالغين الذين لا يريدون الإقلاع بالتحول إلى منتجات بديلة خالية من الدخان، مثل: منتجات التبغ المسخن، والسجائر الإلكترونية، وأظرفة النيكوتين، لأننا عند استبعاد عملية الحرق والدخان الناتج عنها أثناء استهلاك النيكوتين نكون قد استبعدنا جزءاً رئيساً من الأضرار التي يتسبب بها التدخين.
ماذا عن مفهوم الحد من الضرر بشكل عام؟
يتمثل الحد من الضرر بمفهومه الواسع، في أي فرصة صحية أو حتى حياتية تُتاح لنا للحد من الآثار السلبية لفعل أو سلوك أو لشيء نستهلكه أو نُعرِّض أنفسنا له، ويمكن أن يتجلى بأمور بسيطة في حياتنا اليومية، كاستخدام حزام الأمان عند القيادة لتقليل الضرر عند وقوع حادث ما.
يعتبر مبدأ الحد من الضرر أحد أهم النتائج التي تم التوصل إليها بفضل تطبيقات التحليل العلمي، بهدف دعم فاعلية المنتجات، وتعزيز أفضل الممارسات التي يتم استخدامها بين أفراد المجتمع، خصوصاً أننا نعلم جميعاً أن العلم بطبيعته وُجِد ليستفيد من أخطائه السابقة، ويصححها باستمرار، وأن الحقائق والعلوم قابلة للتغيير والتطوير.
وعندما يتم تطبيق عقلية قائمة على التطوير والتحسين ضمن قطاع الصناعة، فإننا نحصل على العديد من النتائج المذهلة. ولعل أبسط مثال على ذلك في قطاع السيارات هو التحول إلى حزام الأمان ثلاثي النقاط الذي عزز مستويات السلامة، وبات اليوم منتشراً بشكل واسع في كل المركبات. ومنذ اختراعه عام 1959، أثبت فاعلية هائلة في حماية الأرواح، لدرجة أن الشركة المصنِّعة صاحبة الاختراع قررت ترك براءة الاختراع الخاصة به مفتوحة، ما سمح للمصنعين المنافسين باستخدام هذا الابتكار في سياراتهم، وبالتالي حماية المزيد من السائقين.
واليوم، نجد أن جهود الحد من الضرر متواصلة، ولا تتوقف عند نقطة معينة، بل هي عبارة عن رحلة مستمرة يُشكّل فيها كل تطور علامة فارقة على طريق لا نهاية له.
ويحظى الحد من الضرر بأشكاله العديدة باهتمام المجتمع بكل فئاته، باعتباره أداة لتحسين الصحة العامة للأجيال القادمة، كما يأخذ العديد من الأشكال، كاستخدام كريم الوقاية من الشمس الذي نحمله معنا إلى الشاطئ، ولجوء قطاع صناعة السيارات إلى التحول إلى عالم السيارات الكهربائية التي تسهم في خفض التأثير البيئي لهذا القطاع وغيرها الكثير.
وبينما يسعى المجتمع لعيش حياة أقل ضرراً، يمكن لكل واحد منا اتخاذ خطوات إيجابية لتحسين صحتنا، من خلال تبني العديد من خيارات الحد من الضرر التي تحيط بنا.
في أي صناعة ترى أن تطبيقه قد يُحدث تأثيراً ملموساً على المجتمع والصحة العامة؟
التأثيرات الإيجابية للحد من الضرر تغطي معظم جوانب حياتنا، لأنها أصبحت مطبقة في العديد من القطاعات.
انطلاقاً من دوري كطبيب أسرة، وحرصي الدائم على التوعية بمضار التدخين، أود أن أسلط الضوء هنا على مفهوم الحد من أضرار التبغ. نعلم جميعاً أن الكثير من المدخنين يواصلون تدخين السجائر، رغم إدراكهم لمخاطرها الصحية، حيث يبلغ عددهم اليوم حوالي مليار شخص حول العالم. والسؤال هنا؛ كيف نتعامل مع الأشخاص الذين يستمرون في التدخين؟ ولا يودون أو يريدون الإقلاع؟
لا يزال الحد من الضرر فيما يتعلق بالتدخين موضوعاً جدلياً بين مسؤولي الصحة العامة. ورغم ذلك تُشجع هيئات الصحة العامة في بعض الدول على استخدام منتجات التبغ والنيكوتين البديلة المُشرَّعة لمساعدة المدخنين على الابتعاد عن السجائر. من المؤكد أن فرصة التحول إلى بدائل أفضل تكون مثبتة علمياً بأنها أقل ضرراً، يمكنها تسريع وتيرة تخفيض عدد المدخنين، والحد من الضرر المرتبط بالتدخين.
هناك حقيقة علمية هي أن التعرُّض المزمن للمواد الكيميائية السَّامة في دخان السجائر الذي ينتج عن حرق التبغ، هو السبب الرئيسي للأمراض والسرطانات المرتبطة بالتدخين. وشكَّل حرق التبغ المصدر الرئيسي لمد المدخنين بالنيكوتين على مدار المئة عام الماضية، ومع ذلك، سمح التقدم في العلم والتكنولوجيا بتطوير منتجات خالية من الدخان تمد المستخدمين بالنيكوتين من دون حرق التبغ، وبالتالي يمكنها أن توفر بديلاً أفضل للسجائر بالنسبة للبالغين الذين لا يُقلعون عن التدخين.
الحد من الضرر لا يضمن الإقلاع عن عادة التدخين، كيف تكمن فاعليته؟ هل لديكم المعرفة عن مثال على أرض الواقع؟
بعد استنفاد جميع المحاولات الجادة للإقلاع عن التدخين حينها فقط يحظى المدخن بفرصة التعرف على هذه المنتجات البديلة، التي تُعد أقل ضرراً يمكن عندها أن يساعد ذلك المدخن على اتخاذ قرار مستنير يعتمد على إثباتات وعلى حقيقة حرصه على صحته وصحة عائلته.
بناءً على المعطيات في العديد من الدول يمكن للمنتجات الخالية من الدخان أن تساعد المدخنين على الابتعاد عن السجائر بشكل فعَّال. ثمة مجموعة متزايدة من الأدلة، وكذلك عدد من المنظمات التي تدفع نحو البدائل الخالية من الدخان، وترى الفرصة التي يمكن أن توفرها هذه البدائل في الحد من أضرار تدخين السجائر وتحسين مستويات الصحة العامة.
وهذا ما قامت به المملكة المتحدة بالفعل في سياستها العامة، ووضعته موضع التنفيذ، وأعتقد أنه بالتأكيد يشكِّل مثالاً يمكننا التفكير به. وإذا نظرنا إلى الأسواق الأخرى أيضاً، مثل السويد، فقد شهدت انخفاضاً كبيراً في انتشار التدخين، من خلال استخدام المنتجات البديلة للتدخين والمنتجات التي تحد من ضرر التبغ، ومن خلال ذلك أصبحت في طريقها لتكون أول دولة خالية تماماً من التدخين في العالم.
ويجدر التنويه هنا إلى تجربة اليابان مع تحوُّل أعداد كبيرة من المدخنين إلى منتجات النيكوتين والتبغ الجديدة، رغم عدم وجود سياسة رسمية للحد من أضرار التبغ وتشجيع الناس على التحوُّل للبدائل، وأظهرت النتائج زيادة نمو مبيعات منتجات التبغ المسخن مترافقة بانخفاض مبيعات السجائر في السوق اليابانية، وبدأت مبيعات السجائر في الانخفاض بعد إطلاق منتجات التبغ المسخن في اليابان.
هل لديك كلمة أخيرة تود أن توجهها للمدخنين بشأن الحد من الضرر؟
التدخين من أسوأ الأشياء التي يمكن أن تضر صحتك، والإقلاع عن التدخين هو أهم قرار صحي تتخذه لصحتك.
يجب أن يكون الإقلاع عن التدخين هو الهدف النهائي لكل مدخن. ومع ذلك لمنع المزيد من الضرر أثناء رحلة الإقلاع عن التدخين، يجب على المدخنين البالغين دمج ممارسات الحد من الضرر في حياتهم. إلى جانب البدائل الأقل ضرراً، يجب عليهم اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة النشاط لتجديد الجسم وتنظيفه من السموم والمواد الكيميائية التي تراكمت في السنوات الماضية.
لمحاربة المعلومات المضللة وتجنب الإحباط وتثبيط العزيمة، من الأهمية بمكان أن تظل على اطلاع حول ما يخص العلوم والدراسات التي ترتكز عليها منتجات الحد من الضرر، وكيف يمكن لهذه الممارسات أن تحسِّن نوعية الحياة بشكل كبير.