في الذكرى الـ «23» لرحيل الأديب الشاعر المؤرخ خالد سعود الزيد، ومع قرب صدور كتابه «الـمُقتَبَـس في النحو واللغة والأدب»، تنشر «الجريدة» مقدمة هذا الكتاب الذي جمعه وحرره تلميذاه أ.د علي عاشور الجعفر، ود. عباس يوسف الحداد.
«اختيارُ الـمَرءِ وَافدُ عَقلِه»
حفلت الثقافة العربية بكُتب الأمالي والمختارات، ومالت لها الذائقة الأدبية فاستحسنتها وصارت من التصانيف الرائجة والجاذبة للقارئ العام والمشتغل بالأدب على السواء، ويأتي كتاب (الأمالي) لأبي علي القالـي (288 - 356 هــ) على رأس القائمة في هذا الضرب الأدبي؛ فهو من أشهر كتب الأمالي وأوسعها؛ لذا حظي بالاهتمام والعناية. يقول القالي في مقدمة أماليه: «لما رأيتُ العلم أَنْفَسَ بضاعة، أيقنتُ أنَّ طلبه أفضل تجارة، فاغتربْتُ للرواية، ولزمتُ العلماء للدراية، ثم أعملتُ نفسي في جمعه، وشغلت ذهني بحفظه، حتى حويْتُ خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه، وعقِلتُ شارده، ورويتُ نادره، وعلمتُ غامضه، ووعيتُ واضحه، ثم صُنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزَّهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه، وجعلت غرضي أن أُودِعَهُ من يستحقُّه، وأُبديه لمن يعلم فضله، وأُجَلِّيهِ إلى مَن يعرف محلَّه، وأنشره عند من يُشرِّفه، وأقصد به من يُعظِّمُه». وهكذا يكشف القالي عن أهمية ما يرد في كتابه من علومٍ شتى حاول أنْ ينظِّمَها في مُصنَّفٍ واحدٍ يحمل من علوم العرب وأشعارهم، ويتحدث عن الشعراء وأخبارهم. تثقيف المجتمع الكويتي
وقد استمر هذا اللون من فنون الكتابة على مرِّ الزمان وتوالي الحوادث والأيام؛ فلم تعدم الحركة الثقافيَّة والفكريَّة والأدبيَّة رجالًا انشغلوا بشؤون الأدب والثقافة والعلم، وأخذوا على عاتقهم الإسهام في نشر الوعي وصقل المعارف، ولم تعدم الكويت أمثال أولئك الذين اعتنوا بتثقيف المجتمع الكويتي تثقيفاً يواجه به المرءُ التياراتِ السلفيَّةَ الجامدة، والتياراتِ المتطرفةَ، والاتجاهاتِ المتعصِّبةَ التي تُعانِدُ طبيعةَ هذا المجتمع السَّمْحِ الذي يتَّسِمُ بالمحافظة والالتزام بصحيح الدين دون الدخول في مسارب هذه التيارات والاتجاهات، ورغم محاولة نَفَرٍ من الـمغرضين - خلال النصف الأول من القرن العشرين حتى الآن- الزجَّ بهذا المجتمع بعيداً عن طبيعته المتوازنة المتسامحة، فإنَّ وعي أولئك المصلحين والمفكرين والأدباء والشعراء من أبنائه المخلصين بهذا المخطَّط جَعَلَهُم يتصدّون لهذه المحاولات الفاشلة، كلٌّ حسب مجاله وفنِّه. ونحسب أنَّ الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ( 1878- 1973) أحدُ أولئك الرجال الذين تصدّوا لهذه التيارات والاتجاهات عبر الدعوة للتعليم النظاميّ، ووضع المؤلّفات التاريخيّة والأدبيّة والفقهيّة التي ترسِّخ عقيدة المجتمع، وتكشف عن سَـمْتِ المحافظة والتسامح والتعايش السلميّ بين الطوائف، ولعلّ كتابه (الملتقطات) مصنَّفٌ دالٌّ على هذا القول، من خلال ما جاء فيه من مواد أدبيّة وفقهيّة وتاريخيّة واجتماعيّة، وقد أصدر القناعي كتابه (الملتقطات) في أجزاء متتابعة، ظهر الجزء الأول منها في عام 1947، ثم توالت الأجزاء حتى بلغت الستة، ثم طبعته وزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام حاليًّا) في مجلَّد ضخم. والكتاب ينتمي بمادَّته إلى كُتب المختارات الأدبيّة، وهو أوّل كتابٍ من نوعه يؤلَّف في الكويت على هذه الشاكلة، لذا فإن للملتقطات فَضل الريادة في هذا التصنيف، والكتاب عبارة عن مجموعةٍ هائلةٍ من المختارات في شتّى نواحي المعرفة الإنسانيَّة، وعلى الأخص في شؤون الفقه والأدب والتاريخ والعلوم والحكمة والطرائف، ومادَّة الكتاب لا تخضع للتبويب، بل تأتي على نحوٍ انتقائيٍّ كأنَّها حديثٌ عفويٌّ يُسامِرُك به صديق، متنقِّلًا من ميدانٍ إلى ميدان.
الإرشاد والتوجيه
وقارئ «الملتقطات» يرى أنَّ القناعي عَمد إلى هذا الضرب من التأليف لعدَّة أسباب منها: تعزيز فكرة الإرشاد والتوجيه انتصاراً لدوره المجتمعي؛ فقد كان القناعي مُربِّيًا، وللكشف عن أهمية التراث الثقافيّ والفكريّ والعلميّ والأدبيّ في حضارتنا العربيّة، وبيان أنَّ الحضارةَ كما اهتمَّت بالأدب وفنونه اعتنت بالعلم وشؤونه، وكذا لقراءة التراث والتواصل معه والتواصي به لأنَّه مصدرٌ حيٌّ من مصادر البيان والإرشاد، وللتنبيه على أنّ الحاضر صدًى للماضي، وأنَّ الماضيَ قائمٌ في الحاضر بقيام الإنسان وجودًا وقيامًا، كذلك من الأسباب التي نراها جليَّة في ملتقطات القناعي أنّه لا يورد مختاراته للاطلاع المجرَّد، وإنما يهدف إلى غرضٍ أبعد وأعمق، وهو الاستناد إلى هذه الآراء والأقوال في الدعوة إلى إصلاح المجتمع والارتقاء به طبقًا للأسس السليمة والدعائم المتينة. كما تمتاز هذه الملتقطات باحتوائها على مادٍة تاريخيةٍ حيَّة لم يقتبسها من الكتب، فهي أحداثٌ تاريخيَّةٌ متعلقة بتاريخ الكويت، وعايشها القناعي بنفسه، فضلًا عن قصائد نبطيَّةٍ لشعراء شعبيين من الجزيرة العربية لم تُحفَظْ أشعارُهم حينها، فجاء كتاب (الملتقطات) ليسجِّل جهدهم ويصونه من الضياع، ويعترف بفضلهم. «من كلّ شجرةٍ ثمرة»
أما الكتاب الثاني الذي نُسِجَ على المنوال نفسه فهو كتاب: (من كلّ شجرةٍ ثمرة) للأستاذ عبد المنعم بن عيسى السالم (1894- 1968)، وقد كان - رحمه الله - محبًّا للأدب غير أنَّ التجارةَ أشغلته عن حِرفته، فأهمله مؤرِّخو الأدب في الكويت، وليس له من الأثر سوى دفترٍ صغيرٍ يخصُّ مهنة الغوص على اللؤلؤ، وكتاب (من كل شجرة ثمرة) الذي طُبِع في مطبعةِ حكومةِ الكويت قبل عامٍ من وفاة صاحبه في عام 1967، ويضم منتَخباتٍ من الأحاديث النبويّة والأقوال المأثورة، وأقوال الصحابة والتابعين، إلى جانب الحكم والأمثال والوصايا والنصائح، فضلًا عن الأشعار والأخبار، كما لا يخلو من قصائد شعرية باللغة المحلية لشعراء من المنطقة، وقصائد للمؤلف نفسه، ويحوي كذلك حكاياتٍ ترتبط بالكويت ونشأتها، وأهلها، وعاداتهم وتقاليدهم. وقد ذيّل الكتاب بقانون الغواصين في الكويت الذي صدر عام 1940 في زمن حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، ويقع في 52 مادة، وغلب على المختارات الواردة في هذا الكتاب الأخلاقيات والحكم والسلوكيات القويمة المستحبة التي يجب أن يكون عليها المرء.
وإن كان هذا الكتاب قد جاء على شاكلة كتاب (الملتقطات) للقناعي، فإنَّنا يجب أن نؤكِّد الفارق الكبير بين الكتابين؛ فثقافة القناعي ووعيه بالمادة الأدبيّة واللغويّة أكبر من ثقافة السالم التي تنمُّ عن بساطة ثقافة الرجل، وتواضع ملكاته بالتأليف والتصنيف، وجدير بالذكر أنَّ كتاب السالم أُخِذَ من دفترٍ كان يسجِّلُ فيه مختاراته هذه، وقد طُبع على حالته من دون مَنهجٍ بَيـِّنٍ أو تعليقٍ واضحٍ مِن قِـبل جامِعه، وقد جـَمَع السالم في مصنَّفه - كما أسلفنا الذِّكر- من مختاراته النثرية والشعرية اقتباساتٍ متنوعةً من الأحاديث والحكمة والشعر والأقوال المأثورة والأمثال السائرة، كما ضمَّ شعرًا باللهجة المحلية وشعرًا نبطيًّا، وغلبت على مختاراته الروايات الشفاهية التي حرص السالم على تدوينها مخافة ضياعها، وهذه من حسنات مختاراته على الإطلاق، ومما يُؤخَذُ على هذا الكتاب كذلك، خلوُّه من الإحالة إلى مرجعٍ أو مصدرٍ أُخذت منه الأخبار والأشعار، على خلاف ما كان يعمل القناعي الذي كان يعزو كلَّ مادَّةٍ يأخذها إلى مصدرها، هذا فضلًا عن غلبة اللهجةِ العامِّيَّة في التعبير، ورواية بعض الحكايات المنقولة شفاهيًّا، وغياب المنهج في التصنيف، مما يكشف عن بساطة المصنَّف لغةً وتأليفًا.
ثالث الثلاثة
وإن كان كتاب السالم من حيث التصنيف من كُتب المختارات التي كان للقناعي فَضلُ السبق في تأليفها، وللسالم فضل الـمتابعة، فإنَّ لخالد سعود الزيد (1937 - 2001) فضلَ الزيادة؛ فهو ثالث الثلاثة بتتويجه هذه التجارب بكتابه: (الـمُقتَبَـس في النحو واللغة والأدب) الذي قال فيه: « كان المقتبس أساسًا هوامشَ على قراءاتي، أكتبُ في هذه الهوامش ما أفهمه أنا لا ما يفهمه غيري، إحساسي أنا بالكلمة لا إحساس غيري، ماذا تعطيني أنا هذه الكلمة التي أكتبها على هامش هذه القراءات عبر خمسة وأربعين عامًا، قد لا تعني شيئًا بالنسبة لغيري هذه القراءات، قد لا تثير سواي هذه المعلومات، قد يراها آخرون تافهة جدًّا، حين أفهم هذ النص أو هذه العبارة أو هذه الكلمة فهمًا مغايرًا لما يفهمه الآخرون، ولكنَّني مَضيت في هذا الطريق أُسجِّل هوامشي أحيانًا مكتوبة، وأحيًانا مقلوبة؛ لأني أسجل في هذه الهوامش إشارات لا يفهمها غيري، ولكل كتاب هوامشه ورموزه، وأحيانًا أكتب الهوامش بعبارٍة فصيحةٍ.
هذه الهوامش عبر خمسة وأربعين عامًا صارت تُشكِّل لَبِنةً من لَبنات تأسيسي. جاءني يومًا أحد الأصدقاء في مكتبتي الخاصّة الكائنة في منزلي، فرأى هذه الهوامش على هذه الكتب، قال لي: لم لا تسجِّل هذه الهوامش في مجلة (البيان) التي تصدر عن رابطة الأدباء، فاستجبتُ لهذا النداء، وكتبتُ في البيان (الـمُقتَـبَس في النحو واللغة والأدب)». ونُشرت الحلقة الأولى من المقتبس في العدد (210) من مجلة البيان الصادر في سبتمبر 1983، وافتتح الزيد هذه الحلقة بقوله: «هذه كلماتٌ من الشعر والنثر اقتبستُها خلال مطالعتي وقراءاتي، جمعتها لأتفيَّأ ظلالها حين يجهدني الوقت، ثم رأت مجلة (البيان) أنْ تنشرها في أعداد متتالية.. فللبيان الحبيبة ما تريد».
وفي يونيو 1985 توقَّف الزيد عن نشر المقتبس في البيان وهو تاريخ نشر الحلقة الأخيرة منها في العدد (231)، التي ختمها باقتباسٍ من مقدّمة القاضي الجرجاني في كتابه: (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، وفي عام 1992 طلبتْ إذاعة الكويت منه أن يسجِّل لها (الـمقتبس) إذاعيًّا، فاستجاب لطلب الإذاعة وشرع في تسجيل برنامجه الذي اختار له اسم: (قَبساتٌ أَدبيَّة)، وظل يذاع ليليًّا في إذاعة الكويت الساعة العاشرة مساءً لمدة عام أو أكثر، وبعد أن توقَّف برنامجه في الإذاعة طلبت منه صحيفة (القبس) الكويتية أن يكتب لها (الـمقتبس في اللغة والتاريخ والأدب)، فاستجاب لها، وكان ينشر حلقةً واحدة أسبوعيًّا حتى توقف عن النشر مرة أخرى. ورغم أنّ المقتبس قد حظي بمتابعة قـُـــرّاء كُثر، فإن الزيد لم يحفل كثيرًا بجمع مادته، ولكننا اعتنينا بذلك منذ بداية نشرها في عام 1985؛ فقد وجدناها مادّةً أدبيّةً رفيعةً ومفيدة، جعلتنا نربط بينها وبين كتب الأمالي والمختارات الأدبية التي تحفل بها المكتبة العربية، التي لا ننكر أننا أفدنا منها كثيرًا في تكويننا الثقافيّ والمعرفيّ. قطوف دانية
وانطلاقًا من هذه الأسباب مجتمعةً شرعنا بجمع المادة المنشورة في مجلة البيان وصحيفة القبس، ولم نحفل بالمادة التي سجلها الزيد للإذاعة؛ فهي لم تقع تحت أيدينا، وربما خلت من التعليقات والتحقيقات والإشارات التي كانت مبثوثة في المقتبس المكتوب، فضلًا عمّا للمادة المكتوبة من أثرٍ واضحٍ وعناوين بارزة اختارها الزيد بنفسه، إضافة إلى الهوامش التي كان يضعها. وقد أحصينا مواد كتاب الـمقتبس فبلغت (362) مُقتبسًا متنوعًا في اللغة والتاريخ والأدب ومعارف أخرى شتَّى، وجعلناها مُرقَّمة بالترتيب وفقًا لتاريخ نشرها، وراعينا خلال عملنا، مراجعة هذه الـمواد في مصادرها الأصلية، والإحالة إليها متى أمكن ذلك، كما عزونا الآيات، وخرَّجْنا الأحاديث، وعرَّفنا ببعض الأعلام الواردة، مع إيراد معاني الكلمات والمصطلحات الغريبة، مُفـرِّقين بين هوامش الزيـد - التي ذيلناها بالرمز [خ] - وما استجد من هوامشنا التي ذيلناها بالرمز [ع]، وألحقنا بالكتاب تعليق الشيخ حمد الجاسر المنشور في مجلة (البيان) في العدد (223) الصادر في أكتوبر 1984 على ما نشره الزيد في مقتبسه الـمعنون بــــــــ: (مصحف عثمان في مسجد قرطبة ومآله) المنشور في أغسطس 1984 بالمجلة نفسها، وشفعناه بتعقيب الزيد على ما جاء في تعليق الجاسر؛ إتمامًا للفائدة وبيانًا لما كانت تـتسم بها أوساطنا الثقافية حينئذٍ من سعةِ اطلاعٍ ومعرفةٍ ورَحابة أُفـقٍ وأدبٍ وخُلُقٍ في الآن نفسه، وفي النهاية أوردنا ثَبْتًا بالمصادر والمراجع التي استقى منها الزيد كثيرًا مما جاء في مقتبساته، ما يجعلنا نقف على مسافةٍ قريبةٍ منه لنتعرّف على أبرز ما طالع من عيونِ الأسفار وعجائب الآثار في المكتبة العربية، ما من شأنه أن يكشف لنا عن مكوِّناته الثقافية ومكنوناته الـمعرفيّة، ويمنحنا إحاطةً بمكتبةٍ بِأسْرها من خلال فقراتٍ مُقْتَبساتٍ، ويبث لنا علومًا شتَّى عبر مجزوءاتٍ رَشيقةٍ جَزلةٍ، تدفعُ السَّآمةَ عن مُطالِعها، ولا تـُفضي به لنفورٍ أو ضَجر.. قَبساتٌ يصحبها راحلٌ فـي سَفاراته رجاءَ الونس، ويحلِّق في ملكوتِ عوالـمها الواسعة آخرُ قبل أن يُطبقَ جفونه، ويَفِيء لظلِّها الوافِر أيـُّما هاربٍ من جفاءٍ وجمود، ويقصدها كلُّ مَن طلبَ جَنَى قطوفها الدانية فتؤتي ثمارها وتجود. سعة في الوقت وانشراح للصدر
جاء في ختام المقدمة: أولًا وأخيرًا: فإننا نحمد الله تعالى الذي وفَّقنا لمصاحبة هذا الرائد الجميل، ومجالسة هذا العالم الجليل الذي أَفَدْنا منه بالقدر الذي أَفَدْنا من أساتذتنا في الجامعة، وربما أكثر من ذلك، لما كان يمنحنا من سعةٍ في الوقت، وانشراحٍ للصدر، وحوارٍ لا يتوقَّف بيننا، نصقل من خلاله معارفنا، وبه ننفتح على آفاق معرفيَّة يكون في السؤال رائدا لنا، وهاديا لطريقنا في تلقي العلوم والمعرفة. ويأتي هذا الكتاب تعبيرا عمّا نُكِنُّ في قلوبنا لصاحبه من أسمى آيات الإجلال والمحبة، شيخنا ومعلمنا خالد سعود الزيد رضوان الله عليه، الذي أثقلت أياديه كاهلنا، فرجونا أن نردَّ له بعض فضله، فقيَّضنا الله لجمع مُصنفاته وآثاره، في محاولةٍ لا تهدفُ بالأصالةِ لحفظ تراثِ واحدٍ من أبرز أدباء وطننا العربي ومفكريه فحسب، بقدرِ ما تسعى لتوثيق فترةٍ مُهمةٍ وفارقةٍ من تاريخ هذا الوطن الحبيب، كما تسعى إلى نشرِ مفاهيم الفكر والاستنارة وتعظيمِها، وهي المفاهيم التي دأب الزيد وأترابه على ترسيخها في وعي الأمة، استشعارًا منهم بالمسؤولية وأداءً منهم إلينا بإحسان.
«اختيارُ الـمَرءِ وَافدُ عَقلِه»
حفلت الثقافة العربية بكُتب الأمالي والمختارات، ومالت لها الذائقة الأدبية فاستحسنتها وصارت من التصانيف الرائجة والجاذبة للقارئ العام والمشتغل بالأدب على السواء، ويأتي كتاب (الأمالي) لأبي علي القالـي (288 - 356 هــ) على رأس القائمة في هذا الضرب الأدبي؛ فهو من أشهر كتب الأمالي وأوسعها؛ لذا حظي بالاهتمام والعناية. يقول القالي في مقدمة أماليه: «لما رأيتُ العلم أَنْفَسَ بضاعة، أيقنتُ أنَّ طلبه أفضل تجارة، فاغتربْتُ للرواية، ولزمتُ العلماء للدراية، ثم أعملتُ نفسي في جمعه، وشغلت ذهني بحفظه، حتى حويْتُ خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه، وعقِلتُ شارده، ورويتُ نادره، وعلمتُ غامضه، ووعيتُ واضحه، ثم صُنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزَّهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه، وجعلت غرضي أن أُودِعَهُ من يستحقُّه، وأُبديه لمن يعلم فضله، وأُجَلِّيهِ إلى مَن يعرف محلَّه، وأنشره عند من يُشرِّفه، وأقصد به من يُعظِّمُه». وهكذا يكشف القالي عن أهمية ما يرد في كتابه من علومٍ شتى حاول أنْ ينظِّمَها في مُصنَّفٍ واحدٍ يحمل من علوم العرب وأشعارهم، ويتحدث عن الشعراء وأخبارهم.
وقد استمر هذا اللون من فنون الكتابة على مرِّ الزمان وتوالي الحوادث والأيام؛ فلم تعدم الحركة الثقافيَّة والفكريَّة والأدبيَّة رجالًا انشغلوا بشؤون الأدب والثقافة والعلم، وأخذوا على عاتقهم الإسهام في نشر الوعي وصقل المعارف، ولم تعدم الكويت أمثال أولئك الذين اعتنوا بتثقيف المجتمع الكويتي تثقيفاً يواجه به المرءُ التياراتِ السلفيَّةَ الجامدة، والتياراتِ المتطرفةَ، والاتجاهاتِ المتعصِّبةَ التي تُعانِدُ طبيعةَ هذا المجتمع السَّمْحِ الذي يتَّسِمُ بالمحافظة والالتزام بصحيح الدين دون الدخول في مسارب هذه التيارات والاتجاهات، ورغم محاولة نَفَرٍ من الـمغرضين - خلال النصف الأول من القرن العشرين حتى الآن- الزجَّ بهذا المجتمع بعيداً عن طبيعته المتوازنة المتسامحة، فإنَّ وعي أولئك المصلحين والمفكرين والأدباء والشعراء من أبنائه المخلصين بهذا المخطَّط جَعَلَهُم يتصدّون لهذه المحاولات الفاشلة، كلٌّ حسب مجاله وفنِّه. ونحسب أنَّ الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ( 1878- 1973) أحدُ أولئك الرجال الذين تصدّوا لهذه التيارات والاتجاهات عبر الدعوة للتعليم النظاميّ، ووضع المؤلّفات التاريخيّة والأدبيّة والفقهيّة التي ترسِّخ عقيدة المجتمع، وتكشف عن سَـمْتِ المحافظة والتسامح والتعايش السلميّ بين الطوائف، ولعلّ كتابه (الملتقطات) مصنَّفٌ دالٌّ على هذا القول، من خلال ما جاء فيه من مواد أدبيّة وفقهيّة وتاريخيّة واجتماعيّة، وقد أصدر القناعي كتابه (الملتقطات) في أجزاء متتابعة، ظهر الجزء الأول منها في عام 1947، ثم توالت الأجزاء حتى بلغت الستة، ثم طبعته وزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام حاليًّا) في مجلَّد ضخم. والكتاب ينتمي بمادَّته إلى كُتب المختارات الأدبيّة، وهو أوّل كتابٍ من نوعه يؤلَّف في الكويت على هذه الشاكلة، لذا فإن للملتقطات فَضل الريادة في هذا التصنيف، والكتاب عبارة عن مجموعةٍ هائلةٍ من المختارات في شتّى نواحي المعرفة الإنسانيَّة، وعلى الأخص في شؤون الفقه والأدب والتاريخ والعلوم والحكمة والطرائف، ومادَّة الكتاب لا تخضع للتبويب، بل تأتي على نحوٍ انتقائيٍّ كأنَّها حديثٌ عفويٌّ يُسامِرُك به صديق، متنقِّلًا من ميدانٍ إلى ميدان.
الإرشاد والتوجيه
وقارئ «الملتقطات» يرى أنَّ القناعي عَمد إلى هذا الضرب من التأليف لعدَّة أسباب منها: تعزيز فكرة الإرشاد والتوجيه انتصاراً لدوره المجتمعي؛ فقد كان القناعي مُربِّيًا، وللكشف عن أهمية التراث الثقافيّ والفكريّ والعلميّ والأدبيّ في حضارتنا العربيّة، وبيان أنَّ الحضارةَ كما اهتمَّت بالأدب وفنونه اعتنت بالعلم وشؤونه، وكذا لقراءة التراث والتواصل معه والتواصي به لأنَّه مصدرٌ حيٌّ من مصادر البيان والإرشاد، وللتنبيه على أنّ الحاضر صدًى للماضي، وأنَّ الماضيَ قائمٌ في الحاضر بقيام الإنسان وجودًا وقيامًا، كذلك من الأسباب التي نراها جليَّة في ملتقطات القناعي أنّه لا يورد مختاراته للاطلاع المجرَّد، وإنما يهدف إلى غرضٍ أبعد وأعمق، وهو الاستناد إلى هذه الآراء والأقوال في الدعوة إلى إصلاح المجتمع والارتقاء به طبقًا للأسس السليمة والدعائم المتينة. كما تمتاز هذه الملتقطات باحتوائها على مادٍة تاريخيةٍ حيَّة لم يقتبسها من الكتب، فهي أحداثٌ تاريخيَّةٌ متعلقة بتاريخ الكويت، وعايشها القناعي بنفسه، فضلًا عن قصائد نبطيَّةٍ لشعراء شعبيين من الجزيرة العربية لم تُحفَظْ أشعارُهم حينها، فجاء كتاب (الملتقطات) ليسجِّل جهدهم ويصونه من الضياع، ويعترف بفضلهم.
أما الكتاب الثاني الذي نُسِجَ على المنوال نفسه فهو كتاب: (من كلّ شجرةٍ ثمرة) للأستاذ عبد المنعم بن عيسى السالم (1894- 1968)، وقد كان - رحمه الله - محبًّا للأدب غير أنَّ التجارةَ أشغلته عن حِرفته، فأهمله مؤرِّخو الأدب في الكويت، وليس له من الأثر سوى دفترٍ صغيرٍ يخصُّ مهنة الغوص على اللؤلؤ، وكتاب (من كل شجرة ثمرة) الذي طُبِع في مطبعةِ حكومةِ الكويت قبل عامٍ من وفاة صاحبه في عام 1967، ويضم منتَخباتٍ من الأحاديث النبويّة والأقوال المأثورة، وأقوال الصحابة والتابعين، إلى جانب الحكم والأمثال والوصايا والنصائح، فضلًا عن الأشعار والأخبار، كما لا يخلو من قصائد شعرية باللغة المحلية لشعراء من المنطقة، وقصائد للمؤلف نفسه، ويحوي كذلك حكاياتٍ ترتبط بالكويت ونشأتها، وأهلها، وعاداتهم وتقاليدهم. وقد ذيّل الكتاب بقانون الغواصين في الكويت الذي صدر عام 1940 في زمن حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، ويقع في 52 مادة، وغلب على المختارات الواردة في هذا الكتاب الأخلاقيات والحكم والسلوكيات القويمة المستحبة التي يجب أن يكون عليها المرء.
وإن كان هذا الكتاب قد جاء على شاكلة كتاب (الملتقطات) للقناعي، فإنَّنا يجب أن نؤكِّد الفارق الكبير بين الكتابين؛ فثقافة القناعي ووعيه بالمادة الأدبيّة واللغويّة أكبر من ثقافة السالم التي تنمُّ عن بساطة ثقافة الرجل، وتواضع ملكاته بالتأليف والتصنيف، وجدير بالذكر أنَّ كتاب السالم أُخِذَ من دفترٍ كان يسجِّلُ فيه مختاراته هذه، وقد طُبع على حالته من دون مَنهجٍ بَيـِّنٍ أو تعليقٍ واضحٍ مِن قِـبل جامِعه، وقد جـَمَع السالم في مصنَّفه - كما أسلفنا الذِّكر- من مختاراته النثرية والشعرية اقتباساتٍ متنوعةً من الأحاديث والحكمة والشعر والأقوال المأثورة والأمثال السائرة، كما ضمَّ شعرًا باللهجة المحلية وشعرًا نبطيًّا، وغلبت على مختاراته الروايات الشفاهية التي حرص السالم على تدوينها مخافة ضياعها، وهذه من حسنات مختاراته على الإطلاق، ومما يُؤخَذُ على هذا الكتاب كذلك، خلوُّه من الإحالة إلى مرجعٍ أو مصدرٍ أُخذت منه الأخبار والأشعار، على خلاف ما كان يعمل القناعي الذي كان يعزو كلَّ مادَّةٍ يأخذها إلى مصدرها، هذا فضلًا عن غلبة اللهجةِ العامِّيَّة في التعبير، ورواية بعض الحكايات المنقولة شفاهيًّا، وغياب المنهج في التصنيف، مما يكشف عن بساطة المصنَّف لغةً وتأليفًا.
ثالث الثلاثة
وإن كان كتاب السالم من حيث التصنيف من كُتب المختارات التي كان للقناعي فَضلُ السبق في تأليفها، وللسالم فضل الـمتابعة، فإنَّ لخالد سعود الزيد (1937 - 2001) فضلَ الزيادة؛ فهو ثالث الثلاثة بتتويجه هذه التجارب بكتابه: (الـمُقتَبَـس في النحو واللغة والأدب) الذي قال فيه: « كان المقتبس أساسًا هوامشَ على قراءاتي، أكتبُ في هذه الهوامش ما أفهمه أنا لا ما يفهمه غيري، إحساسي أنا بالكلمة لا إحساس غيري، ماذا تعطيني أنا هذه الكلمة التي أكتبها على هامش هذه القراءات عبر خمسة وأربعين عامًا، قد لا تعني شيئًا بالنسبة لغيري هذه القراءات، قد لا تثير سواي هذه المعلومات، قد يراها آخرون تافهة جدًّا، حين أفهم هذ النص أو هذه العبارة أو هذه الكلمة فهمًا مغايرًا لما يفهمه الآخرون، ولكنَّني مَضيت في هذا الطريق أُسجِّل هوامشي أحيانًا مكتوبة، وأحيًانا مقلوبة؛ لأني أسجل في هذه الهوامش إشارات لا يفهمها غيري، ولكل كتاب هوامشه ورموزه، وأحيانًا أكتب الهوامش بعبارٍة فصيحةٍ.
هذه الهوامش عبر خمسة وأربعين عامًا صارت تُشكِّل لَبِنةً من لَبنات تأسيسي. جاءني يومًا أحد الأصدقاء في مكتبتي الخاصّة الكائنة في منزلي، فرأى هذه الهوامش على هذه الكتب، قال لي: لم لا تسجِّل هذه الهوامش في مجلة (البيان) التي تصدر عن رابطة الأدباء، فاستجبتُ لهذا النداء، وكتبتُ في البيان (الـمُقتَـبَس في النحو واللغة والأدب)». ونُشرت الحلقة الأولى من المقتبس في العدد (210) من مجلة البيان الصادر في سبتمبر 1983، وافتتح الزيد هذه الحلقة بقوله: «هذه كلماتٌ من الشعر والنثر اقتبستُها خلال مطالعتي وقراءاتي، جمعتها لأتفيَّأ ظلالها حين يجهدني الوقت، ثم رأت مجلة (البيان) أنْ تنشرها في أعداد متتالية.. فللبيان الحبيبة ما تريد».
وفي يونيو 1985 توقَّف الزيد عن نشر المقتبس في البيان وهو تاريخ نشر الحلقة الأخيرة منها في العدد (231)، التي ختمها باقتباسٍ من مقدّمة القاضي الجرجاني في كتابه: (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، وفي عام 1992 طلبتْ إذاعة الكويت منه أن يسجِّل لها (الـمقتبس) إذاعيًّا، فاستجاب لطلب الإذاعة وشرع في تسجيل برنامجه الذي اختار له اسم: (قَبساتٌ أَدبيَّة)، وظل يذاع ليليًّا في إذاعة الكويت الساعة العاشرة مساءً لمدة عام أو أكثر، وبعد أن توقَّف برنامجه في الإذاعة طلبت منه صحيفة (القبس) الكويتية أن يكتب لها (الـمقتبس في اللغة والتاريخ والأدب)، فاستجاب لها، وكان ينشر حلقةً واحدة أسبوعيًّا حتى توقف عن النشر مرة أخرى. ورغم أنّ المقتبس قد حظي بمتابعة قـُـــرّاء كُثر، فإن الزيد لم يحفل كثيرًا بجمع مادته، ولكننا اعتنينا بذلك منذ بداية نشرها في عام 1985؛ فقد وجدناها مادّةً أدبيّةً رفيعةً ومفيدة، جعلتنا نربط بينها وبين كتب الأمالي والمختارات الأدبية التي تحفل بها المكتبة العربية، التي لا ننكر أننا أفدنا منها كثيرًا في تكويننا الثقافيّ والمعرفيّ.
وانطلاقًا من هذه الأسباب مجتمعةً شرعنا بجمع المادة المنشورة في مجلة البيان وصحيفة القبس، ولم نحفل بالمادة التي سجلها الزيد للإذاعة؛ فهي لم تقع تحت أيدينا، وربما خلت من التعليقات والتحقيقات والإشارات التي كانت مبثوثة في المقتبس المكتوب، فضلًا عمّا للمادة المكتوبة من أثرٍ واضحٍ وعناوين بارزة اختارها الزيد بنفسه، إضافة إلى الهوامش التي كان يضعها. وقد أحصينا مواد كتاب الـمقتبس فبلغت (362) مُقتبسًا متنوعًا في اللغة والتاريخ والأدب ومعارف أخرى شتَّى، وجعلناها مُرقَّمة بالترتيب وفقًا لتاريخ نشرها، وراعينا خلال عملنا، مراجعة هذه الـمواد في مصادرها الأصلية، والإحالة إليها متى أمكن ذلك، كما عزونا الآيات، وخرَّجْنا الأحاديث، وعرَّفنا ببعض الأعلام الواردة، مع إيراد معاني الكلمات والمصطلحات الغريبة، مُفـرِّقين بين هوامش الزيـد - التي ذيلناها بالرمز [خ] - وما استجد من هوامشنا التي ذيلناها بالرمز [ع]، وألحقنا بالكتاب تعليق الشيخ حمد الجاسر المنشور في مجلة (البيان) في العدد (223) الصادر في أكتوبر 1984 على ما نشره الزيد في مقتبسه الـمعنون بــــــــ: (مصحف عثمان في مسجد قرطبة ومآله) المنشور في أغسطس 1984 بالمجلة نفسها، وشفعناه بتعقيب الزيد على ما جاء في تعليق الجاسر؛ إتمامًا للفائدة وبيانًا لما كانت تـتسم بها أوساطنا الثقافية حينئذٍ من سعةِ اطلاعٍ ومعرفةٍ ورَحابة أُفـقٍ وأدبٍ وخُلُقٍ في الآن نفسه، وفي النهاية أوردنا ثَبْتًا بالمصادر والمراجع التي استقى منها الزيد كثيرًا مما جاء في مقتبساته، ما يجعلنا نقف على مسافةٍ قريبةٍ منه لنتعرّف على أبرز ما طالع من عيونِ الأسفار وعجائب الآثار في المكتبة العربية، ما من شأنه أن يكشف لنا عن مكوِّناته الثقافية ومكنوناته الـمعرفيّة، ويمنحنا إحاطةً بمكتبةٍ بِأسْرها من خلال فقراتٍ مُقْتَبساتٍ، ويبث لنا علومًا شتَّى عبر مجزوءاتٍ رَشيقةٍ جَزلةٍ، تدفعُ السَّآمةَ عن مُطالِعها، ولا تـُفضي به لنفورٍ أو ضَجر.. قَبساتٌ يصحبها راحلٌ فـي سَفاراته رجاءَ الونس، ويحلِّق في ملكوتِ عوالـمها الواسعة آخرُ قبل أن يُطبقَ جفونه، ويَفِيء لظلِّها الوافِر أيـُّما هاربٍ من جفاءٍ وجمود، ويقصدها كلُّ مَن طلبَ جَنَى قطوفها الدانية فتؤتي ثمارها وتجود.
جاء في ختام المقدمة: أولًا وأخيرًا: فإننا نحمد الله تعالى الذي وفَّقنا لمصاحبة هذا الرائد الجميل، ومجالسة هذا العالم الجليل الذي أَفَدْنا منه بالقدر الذي أَفَدْنا من أساتذتنا في الجامعة، وربما أكثر من ذلك، لما كان يمنحنا من سعةٍ في الوقت، وانشراحٍ للصدر، وحوارٍ لا يتوقَّف بيننا، نصقل من خلاله معارفنا، وبه ننفتح على آفاق معرفيَّة يكون في السؤال رائدا لنا، وهاديا لطريقنا في تلقي العلوم والمعرفة. ويأتي هذا الكتاب تعبيرا عمّا نُكِنُّ في قلوبنا لصاحبه من أسمى آيات الإجلال والمحبة، شيخنا ومعلمنا خالد سعود الزيد رضوان الله عليه، الذي أثقلت أياديه كاهلنا، فرجونا أن نردَّ له بعض فضله، فقيَّضنا الله لجمع مُصنفاته وآثاره، في محاولةٍ لا تهدفُ بالأصالةِ لحفظ تراثِ واحدٍ من أبرز أدباء وطننا العربي ومفكريه فحسب، بقدرِ ما تسعى لتوثيق فترةٍ مُهمةٍ وفارقةٍ من تاريخ هذا الوطن الحبيب، كما تسعى إلى نشرِ مفاهيم الفكر والاستنارة وتعظيمِها، وهي المفاهيم التي دأب الزيد وأترابه على ترسيخها في وعي الأمة، استشعارًا منهم بالمسؤولية وأداءً منهم إلينا بإحسان.