على غرار عام الحزن وعام الوفود وعام الرمادة، ها هو عام الطوفان يكتمل بعدما نشّط وحفز الأخوّة الدينية بين المسلمين، والتداعي الإنساني بين الأمم، وحرّك الحشود البشرية حول العالم، التي كادت تنسى قضية فلسطين أو نسيتها لتستذكرها من جديد.
طوفان من المشاعر الممزوجة بالنصر والغبطة بكسر هيبة بني صهيون، وهدم صنم الخوف والانهزامية، قابله شعور الخذلان وخيبة الأمل من المواقف الدولية الرسمية التي كان أقصاها المساعدات الإغاثية لأهل غزة وبيانات التعاطف واستنكار جرائم الغزاة، على عكس جماهير الأمة وأحرار العالم الذين لم يتركوا طريقاً متاحاً ومباحاً لنصرة فلسطين إلا سلكوه، ولا باباً لذلك إلا طرقوه، ووجدانهم لا تفارقه صورة العبور العظيم رغم ما تبعه من توجّد وكمد نتيجة جرائم الغزاة وعجز القادرين.
إن شرارة العز والإباء التي أشعلها المرابطون في غزة وصلت نيرانها إلى جل أرجاء المعمورة، فحرقت الصورة الزائفة للغزاة، وأظهرت حقيقتهم المتوحشة والمتغطرسة، وكسرت كبرياءهم المعهود، وكشفت عوارهم، وزلزلت كيانهم، وأبانت للشعوب أكذوبة القوانين الدولية، ومعايير الغرب المزدوجة وصراحة دعمه العقائدي لكيان الإحتلال وما يمثله من رأس حربة في كبد أمتنا المكلومة.
ومن دروس الطوفان، معرفة أن الحق لا يمكن من دون قوة، والقوة لا تتم من دون قادة مؤمنين بعدالة قضيتهم، يبذلون من أجلها المهج والأعمار والأموال، فيصنعون سلاحهم وينسجون علاقاتهم ويستغلون سنن التدافع وإتقان فن الممكن وفق ما يخطه لهم الشرع دفاعاً عن دينهم ومقدساتنا.
لم تكد تنقضي سنة الطوفان إلا وجبهات الحرب مشتدة من كل الاتجاهات على كيان الغزاة، واقتصادهم في اضمحلال، ومستعمراتهم بالشمال والجنوب بين خراب وأطلال، والمجلوبين له في انتقاص وهجرات عكسية، كل هذا لم يكن ليكون لولا هذا الحدث المفصلي الذي شكّل بداية النهاية لمشروع الغزاة، مهما بقي من وقت وكانت التفاصيل، بفضل صمود أسطوري من المجتمع الغزي، يشابه المعجزات، ولا يصدقه المنطق المادي، وبفضل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، فهم بين الحسنيين نصر أو استشهاد، وكل عام والمرابطون والمقاومون في عزة ونصر وتمكين.