أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أمس، خريطة طريق سياسية للتعامل مع العدوان الإسرائيلي، تبدأ بوقف لإطلاق النار وانتخاب رئيس للجمهورية «يتعهد بعدم ترك أي تنظيم أو سلاح خارج إطار الدولة»، في إشارة إلى ضرورة تخلي حزب الله عن سلاحه، مشدداً على أن ذلك لا يعني أن يكون هناك غالب ومغلوب في الداخل اللبناني، ومتعهداً بخوض كل المعارك سلمياً للوصول إلى هذه الأهداف.

وفي بيان تلاه في ختام مؤتمر وطني تحت عنوان «دفاعاً عن لبنان»، دعا إليه في معراب، قال جعجع، إن «‏لبنان اليوم كسفينة تغرق بلا رُبان، ويمر بأصعب أيامه. لقد أُدخل لبنان منذ سنة في أتون حرب مستمرة، تقضي على البشر والحجر، ودخل اللبنانيون في نفق جديد من المعاناة والقلق»، لافتاً إلى أنه «‏لا بد اليوم من وقفة وطنية في محاولة لوقف مأساة اللبنانيين، فالشعب اللبناني بكل طوائفه يستحق حياة كريمة وآمنة. في ظل هذا الوضع المأساوي، يكابر البعض على مواقفه، والأيام ليست أيام أنصاف حلول، فلا استقرار من دون بناء دولة». وأضاف جعجع، الذي يعد حزبه أقوى حزب معارض لحزب الله، «‏في هذه المرحلة بالتحديد، لا بد من استعادة الدولة بعد سقوط الهيكل على رؤوس الجميع بسبب الهيمنة وقرار الحرب»، معتبراً أنه «‏أمام كل ما يعيشه الشعب، كان لا بد من لقاء، موقف، ومبادرة، وخارطة طريق واضحة، استكمالاً لمواقف المعارضة لوقف النزيف. الحاجة الملحة تستدعي أولاً التوصل إلى وقف إطلاق النار».

ورأى أن «‏المجموعة الحاكمة اليوم تتشبث بالسلطة من دون أن تحرك ساكناً، ولا ثقة للمجتمع الدولي بالمنظومة الحاكمة الفاشلة التي حولت لبنان إلى دولة فاشلة»، لافتا إلى أنه «‏وسط معاناة الحرب، لا بد من خارطة طريق واضحة وشفافة للخروج من المحنة، تبدأ بوقف إطلاق النار. ولم يبقَ لنا لوقف النار إلا انتخاب رئيس ذي مصداقية يعمل على تطبيق القرارات 1559، 1680، 1701، وبنود اتفاق الطائف ذات الصلة». ويدعو القرار 1559 الى نزع سلاح «جميع الميليشيات» في لبنان، فيما يدعو القرار 1680 الى ترسيم الحدود البرية مع سورية، في خطوة تنهي مسألة مزارع شبعا المتنازع عليها بين لبنان وسورية وإسرائيل، فيما يدعو القرار 1701 إلى نشر الجيش اللبناني على الحدود وتراجع حزب الله الى خلف نهر الليطاني.
Ad


ودعا جعجع «إلى انتخاب رئيس يتعهد بعدم ترك أي تنظيم أو سلاح خارج إطار الدولة، وهذا لا يعني أن هناك فريقاً غالباً وآخر مغلوباً، بل سيكون كل الشعب رابحاً»، مضيفاً: «السياسة​ العدوانية الإسرائيلية على لبنان تحتّم علينا عدم الانتظار، فالتاريخ لن يرحمنا إذا تراخينا أو تراجعنا عن معركة بناء الدولة».

وختم: «إننا نعاهد الشعب اللبناني بأننا سنخوض المعارك السياسية السلمية الديموقراطية الدبلوماسية التي توصله إلى بر الأمان، والتي تثبت حقه بدولة قادرة عادلة سيدة محايدة عن سياسات المحاور منسجمة مع محيطها العربي والدولي، تستعيد دور لبنان، وطن الإشعاع لا وطن الساحات المفتوحة، وطن التعددية كمصدر للغنى والازدهار، لا وطن الأحادية المنتجة للفقر والتقهقر والحروب والتهجير والاندثار».

وشارك في المؤتمر الوطني شخصيات سياسية وإعلامية واجتماعية وأمنية سابقة معارضة، وأبرز الحاضرين إلى جانب جعجع، رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب كميل شمعون، ونائب رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» ميشال خوري، وكتلة «تجدد» ممثلة بالنائب أشرف ريفي، ونواب تكتل «الجمهورية القوية» التابع لـ «القوات» (17 نائباً)، ومجموعة كبيرة من الوزراء والنواب السابقين، وشخصيات سياسية واجتماعية. ورغم توجيه الدعوات له، تغيب الحزب الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط عن اللقاء، كما غابت أطراف سنية، ونواب معارضون.

جولة قاليباف

وتزامن مؤتمر معراب مع زيارة لرئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني محمد باقر قاليباف، التقى خلالها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتفقد خلالها منطقة البسطة وسط بيروت، التي تعرضت لغارة إسرائيلية مدمرة مساء الخميس.

وبعد لقائه بري، أكد قاليباف أن إيران «ستدعم كل القرارات الصادرة عن الحكومة والمقاومة (حزب الله) في لبنان». ووسط انتقادات لإيران لعدم إرسالها أي مساعدات تذكر إلى لبنان، أشار قاليباف الى «اننا على أتم الاستعداد لتقديم المساعدات للنازحين والمتضررين من الحرب في لبنان»، لافتا الى أنه حمل «رسالة دعم من المرشد (علي خامنئي) ورئيس الجمهورية (مسعود بزشكيان) من شعبنا للشعب اللبناني والمقاومة».

من ناحيته، أكد ميقاتي، خلال لقائه قاليباف، أن «أولوياتنا وقف إطلاق النار ووقف العدوان الإسرائيلي والحفاظ على أمن لبنان وسلامة أبنائه»، وشدد على «التزام لبنان بتطبيق القرار الدولي رقم 1701 وتعزيز وجود الجيش في الجنوب، وإجراء الاتصالات اللازمة مع دول القرار والأمم المتحدة للضغط على إسرائيل لتنفيذ القرار كاملاً».

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تلقى انتقادات لبنانية بعد إصراره، خلال زيارة بيروت ولقاء ميقاتي، على ضرورة أن يصمد اللبنانيون واستمرار ربط جبهة غزة بجبهة لبنان، في موقف اعتبر تدخلا بالشؤون الداخلية اللبنانية. ونفى ميقاتي أن يكون حدث أي اشتباك بينه وبين عراقجي خلال اللقاء، غير أنه حرص أمس، في البيان الصادر عنه، على عدم ذكر تصريحات زائره الإيراني.

اتصالات ماكرون

الموقف نفسه كرره بري خلال اتصال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جدد فيه الجانب اللبناني «على الموقف الرسمي المُطالب بوقف فوري لإطلاق النار ونشر الجيش وتطبيق 1701»، كما تطرق الاتصال إلى الجهود التي تبذلها فرنسا مشكورة لعقد مؤتمر دولي لدعم لبنان لتجاوز الأزمة الإنسانية الناجمة عن نزوح أكثر من مليون و200 ألف لبناني، وكيفية مساعدة لبنان على إغاثتهم. وجدد بري شكره لفرنسا ورئيسها على الجهود التي تبذلها على مختلف الصعد لدعم لبنان وشعبه في هذه المحنة.

وكان ماكرون بحث مع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، أمس الأول، مستجدات الأحداث في المنطقة، واستعرض الجانبان خلال اتصال هاتفي الجهود المبذولة لخفض التصعيد للوصول إلى الأمن والاستقرار.

حراك هوكشتاين

في المقابل، تلقى ميقاتي اتصالا من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، تناول بحث سبل التوصل الى وقف إطلاق النار ووقف المواجهات العسكرية، للعودة الى البحث في حل سياسي متكامل ينطلق من تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701.

وأكد هوكشتاين، في تصريح لقناة «mtv»، «اننا نعمل ليلا ونهارا من أجل مسألة وقف إطلاق النار في لبنان، والوصول إليه في أسرع وقت»، مشيرا إلى أن «التنسيق مستمر مع الحكومة اللبنانية ورئيسها وقائد الجيش، والأمر يتعلق بمستقبل لبنان من أجل الوصول إلى ما يريده الشعب اللبناني، عبر انتخاب رئيس وتشكيل حكومة». وشدد على أن «القرار 1701 هو الأساس الذي يجب أن نعمل عليه من أجل بناء مستقبل أفضل، وعلينا أن نقوم بما هو أكثر من تطبيق الـ1701، والتأكد من أن كل بنوده تم تطبيقها»، نافيا أن تكون الولايات المتحدة اعطت «أي ضوء أخضر لأي عملية برية في لبنان»، موضحاً أن «الرئيس اللبناني يجب أن يختاره اللبنانيون بأنفسهم، وليس علينا أن نختاره نحن لهم، ويجب أن يكون شخصيةً جامعةً للبنانيين، وفي هذه الظروف يجب أن يتم الاستحقاق الرئاسي سريعا».

وأكد أن «علينا التركيز على أن يكون المجتمع الدولي قادراً على جمع حكومتَي لبنان وإسرائيل والتوصل إلى تطبيق الـ1701، ولكن هذا لا يحصل بين ليلة وضحاها، ورأينا جهود رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي باستعداد الجيش للانتقال إلى الجنوب»، وأعلن «أننا ننسق مع الكثير من الدول في الشرق الأوسط، ويمكنها أن تقدم دعما اقتصاديا كي نعيد لبنان إلى الازدهار»، مشددا على أنه «حان الوقت ليتمكن لبنان من اتخاذ القرارات بنفسه، بمعزل عن التأثيرات الدولية لما يصب في مصلحته».

تحذير ورفض لوقف النار

وفيما نقلت تقارير أن لبنان تلقى تحذيرات بضرورة عدم مشاركة حزب الله في أي رد إيراني على الهجوم الإسرائيلي المرتقب على إيران، وكان بري قد تلقى اتصالاً من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أشارت وكالة «رويترز» إلى أن المسؤولين الأميركيين تخلوا عن دعواتهم لوقف إطلاق النار في لبنان بدعوى تغير الظروف، بهدف إضعاف حزب الله المدعوم من إيران.

وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط، إن واشنطن ليس لديها أمل يذكر في تقييد إسرائيل، وإنها ترى فوائد محتملة في العملية.

وأفادت مصادر أوروبية مطلعة بأنه لا توجد اليوم أي محادثات ذات مغزى لوقف إطلاق النار، وأضافت أن الإسرائيليين سيمضون قدماً في عمليتهم في لبنان «لأسابيع إن لم يكن لأشهر». وذكر مسؤولان أميركيان لـ»رويترز» أن ذلك قد يكون الإطار الزمني. وبالنسبة لواشنطن، قد تجلب الحملة الإسرائيلية فائدتين على الأقل، الأولى، هي أن إضعاف حزب الله قد يحد من نفوذ طهران في المنطقة ويقلل التهديد على إسرائيل والقوات الأميركية.

وتعتقد واشنطن أيضاً أن الضغط العسكري قد يجبر حزب الله على وضع السلاح، وتمهيد الطريق لانتخاب حكومة جديدة في لبنان من شأنها أن تهمش الجماعة اللبنانية التي تلعب دورا كبيرا في لبنان منذ عقود.

معارك وغارات

ميدانياً، تواصلت المعارك البرية على طول الشريط الحدودي، بوتيرة متوسطة، خصوصا في القطاع الغربي الساحلي حيث تعمل القوات الاسرائيلية على توسيع توغلها في وقت شهدت الناحية الغربية من القطاع الأوسط، التي تصل بين القطاعين الأوسط والغربي، توغلات وعمليات قصف.

وفيما لا يزال مجهولاً مصير رئيس وحدة التنسيق والاتصال في حزب الله، وفيق صفا، الذي يعد الصندوق الأسود للحزب، أطلق حزب الله عشرات الصواريخ باتجاه حيفا والجليل وواصلت الطائرات الحربية الإسرائيلية غاراتها على مختلف المناطق اللبنانية، بما في ذلك المعيصرة في اعالي كسروان ودير بلا في اعالي البترون شمالاً، كما استهدف مبنى في برجا بالشوف.