استضاف المسرح الوطني في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، على مدى يومين، حفلا بعنوان «ليلة الصوت الجريح»، والذي جاء بتنظيم احترافي وناجح ومشاركة مجموعة بارزة من نجوم الأغنية العربية، لتقديم أهم أعمال الفنان الكبير الراحل عبدالكريم عبدالقادر، حيث شارك في الحفل المكتمل العدد كل من «نبض الكويت» الفنان القدير نبيل شعيل، إلى جانب المطربة المغربية فدوة المالكي، والمطرب مساعد البلوشي، والفنان فواز الرجيب، كما كانت الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو الدكتور أحمد العود.
الهولوجرام
وانطلق الحفل بتقنية «الهولوجرام»، وهي أحد تطبيقات الليزر لخلق واقع افتراضي مجسم ليظهر الراحل عبدالكريم عبدالقادر بأغنية «أنا رديت»، من كلمات عبداللطيف البناي، وألحان عبدالرب إدريس، وتضمن الحفل فيلما تسجيليا اشتمل على مقاطع من أبرز أغانيه وشهادات من أبرز المقربين منه، ومنهم الفنان أحمد الجميري.
ومن جانبه، أكد الشاعر عبداللطيف البناي أن الراحل عبدالكريم عبدالقادر فنان من نوعية خاصة جداً، فهو أمين جداً في اختياراته، وكذلك أمين في إيصال رسالته الفنية، ويبحث عن القصائد الجميلة والهادفة.
وأضاف البناي أن «عبدالقادر لديه حسن فني فريد يميزه عن غيره من متذوقي الشعر. لدي رصيد كبير من الأعمال الناجحة التي تغنى بها الراحل». الذي استذكر أغنية «غريب»، وقال إنها تميزت بصدق التعبير، لافتا إلى أن نوعية الأغاني التي كان يختارها الراحل عبدالكريم عبدالقادر فيها إحساس قوي وشجن.
أما الشاعر بدر بورسلي فقال عن الراحل إنه كان يؤمن بالفكرة، وبالنسبة له عبدالكريم كان مرحلة من أجمل المراحل التي عاشها ككاتب أغنية، وكإنسان، وكصديق إلى أن وصلت صداقتهما إلى الأخوة وأكثر.
بدوره، قال الشاعر ساهر إن اللقاء الفني الأول مع «بوخالد» كان من خلال أغنية «لا خطاوينا»، معلقا: «لم يغير ولا كلمة، ولا أبدى اعتراضه على أي كلمة، بالعكس كان متحمسا إلى يوم التسجيل، فحضرت معه وكان شعوراً لا يوصف، والحمد لله الأغنية لاقت نجاحا كبيرا وتوفقنا فيها».
ووصف الملحن أنور عبدالله الراحل بأنه هرم من أهرام الأغنية العربية وليس الكويتية والخليجية فقط، واصفا إياه بأنه «تاريخ»، وأي ملحن يتمنى ويتشرف بالتعامل مع فنان بحجم «بوخالد».
أهرام الأغنية الخليجية والكويتية
وعلى هامش الحفل قال المشرف الموسيقي للحفل الملحن عبدالله القعود: «بوخالد يستاهل أكثر من جذي، فهو هرم من أهرام الأغنية الخليجية والكويتية، تربينا على موسيقاه، وفنه، وعلى غنائه، ونتمنى أن نكون قد قدمنا شيئا بسيطا من الذي قدمه في إثراء الساحة الغنائية». وحول اختيار الأغاني أوضح القعود أن «الاختيار تم بالمشاورة بينهم وبين الفنانين، وقمنا بمراعاة المقامات الموسيقية، والإيقاعات، والسرعات».
من جانبه، عبر الفنان فواز الرجيب عن سعادته بالمشاركة، مبينا قيمة الراحل الكبيرة الأستاذ عبدالكريم عبدالقادر، وأن الحفل جاء لإحياء الأغنية الكويتية الأصيلة، فهناك أجيال جديدة لم تسمع هذا اللون من الأغاني. وعن جديده بين أن هناك أربع أغاني تحتاج إلى متابعة ومجهود أكثر من قبله، ومن المحتمل أن يطلق «ميني ألبوم»، لافتا إلى أنه يعكف على التخطيط في طريقة إطلاقه.
واستهل الحفل الغنائي بالوصلة الأولى ليبدأها الفنان الرجيب بأغنية «رد الزيارة»، والتي تألق في أدائها، وهي من كلمات خليفة العبدالله الخليفة، وألحان سليمان الملا، ليتبعها بأغنية «لا خطاوينا» من كلمات ساهر وألحان سليمان الملا، فأدى الرجيب الأغنيتين بكل إحساس، فلمس قلوب الحاضرين.
وعبرت الفنانة المالكي عن سعادتها بالمشاركة، ووصفت الجمهور الكويتي بأنه يمتلك ذوقا عاليا، «وأتشرف شرفا عظيما بالمشاركة في تكريم الراحل عبدالكريم عبدالقادر»، لتغني بعدها أغنية «عاشق» من كلمات عبداللطيف البناي، وألحان عبدالرب إدريس، حيث استطاعت أن تقدم أداء متقنا، وغنت بعدها «غيب وأنا أغيب» من كلمات فهد الأحمد، ثم أغنية «أجر الصوت» من كلمات عبداللطيف البناي، وألحان أنور عبدالله، لتختتم وصلتها بأغنية «ارجع يا كل الحب»، من كلمات ساهر وألحان مشعل العروج.
بصمة وتاريخ
وبعد الاستراحة انطلقت الوصلة الثانية، والتي قدمها الفنان مساعد البلوشي، حيث قال قبلها إن «ليلة الصوت الجريح تعني لنا الكثير»، معلقا: «نتمنى أن نقدم شيئا ينال إعجابكم»، ليبدأ بأغنية «ليل السهارى» من كلمات خليفة العبدالله الخليفة، وألحان عبدالرحمن البعيجان، ثم أغنية «آخر كلام» كلمات عبداللطيف البناي، وألحان أنور عبدالله، واختتم وصلته بأغنية «ما نسياه» كلمات يوسف ناصر، وألحان عبدالرحمن البعيجان.
ومسك الختام كان مع الفنان القدير نبيل شعيل، وقبل أن يبدأ وصلته الغنائية رحب بعائلة الفنان الراحل عبدالكريم عبدالقادر ليقوم الجمهور بعدها بالتحية والتصفيق لهم، واستكمل شعيل كلمته ووجه كلمته للجمهور قائلا: «اليوم وجودكم وتكريمكم للراحل، ووجودنا، والقائمين على هذا العمل سنبقى مقصرين ولا نوفيه حقه، ولكن هذا جزء بسيط نحاول أن نعبر به عما بداخلنا للفنان الراحل عبدالكريم الذي ترك بصمة وتاريخا، ولا يمكن أن يتكرر، ولا يمكن أن يغنى، ومهما قمنا بغناء سنظل نحن صغارا عند إمكانياته وقدراته الفنية، فلقد تعلمنا منه الكثير، ومهما عملنا نظل مقصرين، ولكن يبقى لنا شيء واحد هو أننا كل فترة نستذكره بالطيب، خاصة أنه قام بتعليمنا كيف نكون محترمين مع الناس، مع فنه، وكيف ننقل صورة جميلة لبلدنا الحبيب الكويت سواء بالداخل والخارج».
وختم بقوله: «نتمنى أن نقدم سهرة جميلة وشكرا على حضوركم»، وغنى شعيل أربع أغاني لاقت استحسانا وتفاعلا كبيرا من الجمهور، وهي: «سامحني خطيت» كلمات مبارك الحديبي، وألحان غنام الديكان، و«تأخرتي» كلمات بدر بورسلي، وألحان عبدالرب إدريس، و«آه يا الأسمر يا الزين» كلمات يوسف ناصر وألحان مصطفى العوضي، واختتم بأغنية «نعم نحبك» كلمات خليفة العبدالله الخليفة، وألحان عبدالرحمن البعيجان.
فنان الكويت
ويعتبر الفنان الكبير عبدالكريم عبدالقادر أحد الرموز الفنية في الأغنية الخليجية، ولقب بـ«الصوت الجريح» منذ أن أصدر ألبوماً بهذا العنوان في عام 1988، وكان من أنجح أعماله، وتجسد أغانيه الذاكرة الجمعية للكويتيين في مختلف حالاتهم المزاجية، وظروفهم الحياتية بتجلياتها المتباينة، ففي كل مناسبة وطنية أو سياسية أو رياضية كانت له أغنية توثق الحدث وتحتفي به كمساحة للمجد، ما جعل من صوته وأغنياته قيمة توحيدية لإرادة ووجدان الكويتيين دولة وشعبا.
أما أغاني عبدالقادر العاطفية فقد عبرت عن مشاعر الحب والوجد والهجران، فكأنه «يغني لكل الناس ويوثق كل لحظة عشق»، وأثرى المكتبة الغنائية الكويتية بمئات الأغنيات على مدى 60 عاما، برع خلالها في أداء ألوان مختلفة من الفنون التقليدية، مثل السامري والخماري والليوة والطنبورة، إلى جانب تميزه في الأغنية الحديثة المعاصرة التي سادت منذ منتصف السبعينيات، فمن الأغنية الطويلة التي شهدت انطلاقته إلى الأغنية القصيرة التي تتراوح بين 7 و8 دقائق.
وتميز عبدالقادر وأبدع في الأداء، ليبقى فنان الكويت الخالد «أبوخالد» أحد ساكني القمة في الساحة الغنائية المحلية والخليجية حتى رحيله في مايو 2023، بل سيظل في ذاكرة الفن والجمهور سنوات طوال.