أكتوبر المفترى عليه

‏ حيث نعيش نحن العرب، في هذه الأوقات العصيبة من هذا الشهر حرب إبادة ‏للمقاومة اللبنانية التي هبّت دفاعاً عن الحق العربي، وعن الكرامة العربية، التي ‏داسها الجيش الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على الشعب ‏الفلسطيني في غزة والضفة الغربية في الثامن من أكتوبر من العام الماضي، وهي ‏حرب لا تعرف قوانين الحرب ولا تعترف بها، فهي حرب يقتل فيها المدنيون من ‏أطفال ونساء وشيوخ، حيث يعيش حكام العالم العربي والإسلامي في استسلام تام للإمبريالية العالمية، ‏التي تعيش أزهی عصورها، في فرض إرادتها على هذا العالم، والشعوب العربية ‏والإسلامية في ذهول مما يحدث، ومن موقف حكوماتها، وحرب الإبادة الجماعية ‏على الشعب الفلسطيني هي حرب وجود للأمة العربية كلها، وفق المخطط ‏الصهيوني الذي رسمه هرتزل قبل قرن مضى من الزمان، وحيث تمارس الدولة ‏الصهيونية حروبها بالوكالة عن الإمبريالية العالمية، فإسرائيل قناعها أو قفازها.‏

Ad

‏ وفي أول أكتوبر من سنة 1946، أصدرت محكمة نورمبرغ أحكامها بإعدام 12 ‏من القادة النازيين، والسجن مدى الحياة لثلاثة آخرين تمت إدانتهم من المحكمة ‏بالتخطيط والإعداد والترتيب للحرب العالمية الثانية التي أزهقت أرواح 50 مليون ‏إنسان، وفي أول أكتوبر سنة 1918 أعلنت الإمبراطورية العثمانية استسلامها في الحرب العالمية الأولى، وفي أول أكتوبر سنة 1980 أغارت الطائرات الإسرائيلية على تونس لتضرب ‏وتقتل في عمقها قيادات منظمة التحرير الفلسطينية مُخلفة وراءها 50 شهيداً فلسطينياً و18 شهيداً تونسياً و100 جريح، وخسائر مادية قُدرت بـ8.5 ملايين دولار.

أكتوبر التضحيات والأمجاد

وفي الثاني من أكتوبر 1789م استعاد صلاح الدين الأيوبي بجيشه من مصر ‏القدس من أيدى مغتصبيها المرتزقة من المجرمين والسفاحين والمغامرين من أوروبا الذين ‏خاضوا الحرب الصليبية التي ناداهم إليها البابا إيبان الثاني «لإنقاذ القدس من ‏المسلمين الكفرة»، وقد كانت غايتهم من هذه الحرب نهب ثروات المشرق العربي ‏وكنوزه التي كانت حديث الخاصة والعامة في أوروبا، حيث صلى صلاح الدين الجمعة في هذا اليوم في قبة الصخرة، بعد استسلام دانيال ‏قائد حامية القدس، إثر الحصار الذي فرضه صلاح الدين الأيوبي على هذه الحامية. ‏

وفي السادس من أكتوبر سنة 1973 كانت ملحمة نصر أكتوبر العظيم الذي تحقق ‏فيه التضامن العربي لأول مرة في التاريخ، الذي لم يعرف هذا التضامن مناسبة ‏فيه اجتمعت فيه كلمة العرب جميعاً شعوباً وحكاماً، على النحو الذي شهدته حرب أكتوبر ‏‏1973، ولا غرو في ذلك، ففلسطين هي خط الدفاع الأول عن العرب وعن المسجد ‏الأقصى والقدس، فمعاركنا معارك وجود وحياة صنعتها العقيدة اليهودية على مدى العصور والقرون، وقد ورد في سفر التكوين في الوعد ‏الإلهي لنبي الله إبراهيم أنها الأرض من نهر مصر الى نهر الفرات.

وقد قال بن ‏غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل «ستنشأ ظروف ‏لتوسيع ‏ حدود الدولة، وإذا ‏لم تنشأ فعلينا أن نصنعها بأيدينا»، كما قالت غولدا مائيرا إن حدود إسرائيل في أي ‏دولة يوجد فيها يهود، وقد كان الوطن العربي كله مرتعاً خصباً لليهود كونوا فيه ‏جالياتهم وثرواتهم، ففي خيبر كان اليهود وقد عقد معهم النبي (ﷺ) صلح الحديبية، ‏وذلك قبل ظهور النفط في المملكة العربية السعودية بقرون طويلة، والنفط عند اليهود ‏أغلى بكثير من حائط المبكى، وما كان هذا الحائط إلا ذريعة دينية يخدعون بها ‏العالم كتراث روحي لا صلة لليهود به، وقد جاؤوا من كل حدب وصوب بلا قومية ‏واحدة أو ثنائية تجمعهم، مثلما يحدث في الصراع بين القوميات في التاريخ كله.

فقد ‏نشأت إسرائيل من قوميات متعددة، واليهود أساطين المال ودهاقين السياسة، لا يجمعهم ‏انتماء وطني أو قومي مثلما يجمع العرب الدين واللغة والتضحيات التي قدموها في ‏نشر الدعوة الإسلامية، فالأمم العظيمة تصنعها هذه التضحيات وتصنعها ثقافة ‏واحدة وموروث تاريخي من العادات والتقاليد التي هي مفتقده تماماً في المجتمع ‏الإسرائيلي لكنهم يتفقون على أمر واحد وهو القضاء على الآخر وقتله إذا اقتضى ‏الأمر، لأنهم شعب الله المختار وغيرهم من الشعوب التي خلقت لخدمتهم.‏

المعجزة الإلهية في نصر أكتوبر

والتي تمثلت في النصر الذي حققه الجنود المصريون في عبور أخطر ممر مائي ‏عرفته الحروب تحرسه 31 نقطة حراسة قوية تخرج منها فتحات على القناة لأنابيب النابالم لتحويل القناة إلى جحيم من النار تحرق كل من يقتحم هذا الممر ‏كانت بحق معجزة إلهية والجنود يهتفون بأعلى أصواتهم «الله أكبر الله أكبر» عند هدم ‏خط بارليف المنيع الذي يصل ارتفاعه إلى 20 متراً، وكان رأي السوفيات أن ‏فتح ثغرة واحدة في هذا الخط يحتاج إلى قنبلة نووية، وكان رأي الخبراء ‏العسكريين أن خسائر مصر في معركة خط بارليف وعبور القناة ستصل إلى ‏‏60% من قواتها العسكرية، ولم تزد خسائرنا على مئتي شهید.‏

‏ إن القنبلة النووية التي صنعت هذا النصر العظيم الذي غير الموازين العسكرية ‏العالمية هي قوة الإيمان، والعقيدة الدينية التي تعتبر الدفاع عن الحق والمطالبة ‏بالعدل والموت فى سبيلهما شهادة إلى جنة عرضها السموات والأرض، فقوة الإيمان والتوكل على الله كانت ذخيرة المقاتلين البواسل من قادة الجيوش ‏وجنودها كما كانت كذلك في الفتوحات الإسلامية، ثقة بالله وحسن الظن به والتسليم ‏لأمره وقد نزل في هذه الحروب قول الله تعالى‏«فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ‏»‏.

فالصحابة رغم قلة عددهم وعتادهم توكلوا على الله وقاتلوا واستشهدوا ونصرهم ‏الله، لقد زلزلت صيحات الله أكبر التي كان يرددها الجنود أثناء عبور خط ‏بارليف، ‏الأرض من تحت أقدام جنود العدو الإسرائيلي.

وغداً بإذن لله للحديث بقية إن كان في العمر بقية.