تظهر المؤشرات الرئيسية نمو الاقتصاد الكويتي بوتيرة ضعيفة، لكنه قد لا يكون بعيداً عن الوصول إلى مرحلة الانتعاش الدوري، ومن المعروف أن نمو الناتج المحلي غير النفطي كان قوياً بشكل مفاجئ في الربع الأول من العام الحالي، إذ اتخذ منحنى تصاعدياً نتيجة لتأثير قاعدة الأساس ضمن قطاع تكرير النفط.
وعلى النقيض من ذلك، حسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، بقي نمو الإنفاق الاستهلاكي ضعيفاً في الربع الثاني من العام الحالي، في وقت تباطأت وتيرة نمو مؤشر مديري المشتريات لنشاط القطاع الخاص في الربعين الثاني والثالث من العام الحالي، وإن كانت قراءة المؤشر تشير لارتفاع إنتاج الشركات. وتأثرت أنشطة إسناد المشاريع والمبيعات العقارية بالهدوء الموسمي في الربع الثالث رغم المؤشرات التي تشير لإمكانية تزايد الزخم في الربع الأخير من العام الحالي.
وكان لتسارع نمو الائتمان المصرفي في الربع الثالث، خصوصاً على صعيد إقراض أنشطة الاعمال، وقع إيجابي على أداء الاقتصاد الكلي بصفة عامة، ومن المتوقع تحسن أداء الائتمان الشخصي وائتمان قطاع الأعمال بعد بدء بنك الكويت المركزي دورة خفض أسعار الفائدة في سبتمبر.
كما شهد الربع الثالث من العام تأكيد وكالة فيتش مرة أخرى التصنيف الائتماني السيادي للكويت عند «-AA»مع نظرة مستقبلية مستقرة على خلفية ميزانياتها العمومية المالية والخارجية القوية بشكل استثنائي والأصول الاحتياطية الكبيرة، رغم إشارة الوكالة لارتفاع الإنفاق الجاري والاعتماد الكبير على النفط ضمن المخاطر التي تتطلب إصلاحات هيكلية، مع ضرورة طرح مبادرات التنويع الاقتصادي لمعالجتها. ومن المتوقع أن يتضمن الإطار الاقتصادي للحكومة، المتوقع صدوره قريباً، مزيداً من التفاصيل حول هذه التدابير وغيرها.
انتعاش نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الربع الأول
وكشفت البيانات الأولية الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء تحسن وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الربع الأول من عام 2024 إلى 4.7% على أساس سنوي مقابل الانكماش الذي سجله في الربع الرابع من عام 2023 (-2.3%).
ويعزى هذا التحسن للنمو القوي الذي شهده قطاع الصناعات التحويلية (بما في ذلك أنشطة تكرير النفط)، الذي ارتفع بنسبة 20% مقارنة بانخفاض بنسبة 8.8% في الربع السابق، إلى جانب الخدمات الأخرى (معظمها عقارية)، التي ارتفعت بنسبة 7% تقريباً.
من جهة أخرى، تراجع الناتج المحلي للقطاع النفطي بوتيرة حادة في الربع الأول من العام بنسبة 9.8% مقابل -6.4% في الربع الرابع من عام 2023، ما يعكس خفض الإمدادات النفطية الذي تقوده «أوبك».
وسجل نمو الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً بنسبة 2.7%، في انخفاض أقل حدة مما كان عليه في الربع السابق (-4.4%).
انخفاض أسعار النفط
وانخفضت أسعار النفط بأكثر من 15% في الربع الثالث من العام الحالي وسط المخاوف المتعلقة بجانب الطلب، خصوصاً من جهة الصين، إلى جانب المخاوف المتعلقة بفائض إمدادات النفط العالمية في الربع الرابع من عام 2024 وحتى عام 2025.
واستقر سعر خام التصدير الكويتي عند 74.3 دولاراً للبرميل (-15.5% على أساس ربع سنوي) بنهاية سبتمبر الماضي، فيما أنهت العقود الآجلة لخام برنت تداولات الشهر على انخفاض، لتصل إلى 71.8 دولاراً للبرميل (-16.9% على أساس ربع سنوي).
ولم يكن لقرار «أوبك» وحلفائها، الذي صدر في سبتمبر بشأن تأجيل إلغاء التخفيضات الطوعية لعام 2024 (بنحو 2.2 مليون برميل يومياً) لمدة شهرين حتى ديسمبر، سوى تأثير محدود لكبح هذه التراجعات الحادة.
وبحلول نهاية الربع الثالث من العام الحالي حتى أوائل شهر أكتوبر، بدأت الأسعار تستجيب بشكل إيجابي في ظل امتداد الصراع بين غزة وإسرائيل إلى لبنان، ما دفع بحزب الله وإيران إلى دائرة الصراع (لامس سعر خام برنت 74 دولاراً للبرميل في 3 أكتوبر).
وتشير أساسيات السوق الحالية لتراكم المخزونات بمعدلات كبيرة في عام 2025، إلا أن السعودية ألمحت إلى أنها قد لا تدعم خفض الأسعار بعد الآن من خلال تقليص الإمدادات في الوقت الذي يتجاهل فيه العديد من أعضاء «أوبك» وحلفائها الالتزام بالحصص المقررة والوفاء بالتزاماتهم بالخفض التعويضي.
من جانبها، حافظت الكويت على استقرار معدلات إنتاج النفط الخام خلال الربعين الثاني والثالث من العام الحالي عند 2.41 مليون برميل يومياً، لكن إنتاج المنتجات المكررة ارتفع إلى مستوى قياسي (1.39 مليون برميل يومياً)، إذ تم تحويل المزيد من النفط الخام الذي كان يتم توجيهه إلى أسواق التصدير للمصافي المحلية لتلبية الطلب من أوروبا والشرق الأقصى على زيت الغاز وزيت الوقود منخفض الكبريت.
كما تجاوزت صادرات المنتجات المكررة صادرات النفط الخام لأول مرة على الإطلاق من حيث الكمية والقيمة في الربع الثاني من العام، في سابقة تاريخية مهمة، أما بالنسبة للتطورات المستقبلية، فإنه ووفقاً لجدول إنتاج «أوبك» وحلفائها، قد يرتفع إنتاج الكويت بمقدار 135 ألف برميل يومياً إلى 2.55 مليون برميل يومياً بنهاية عام 2025.
منطقة سلبية
استمر تباطؤ نشاط القطاع الخاص غير النفطي خلال الربع الثالث، إذ انخفضت قراءة مؤشر مديري المشتريات الكلي إلى 50.3 نقطة بنهاية هذا الربع، مقابل 51.6 نقطة بنهاية الربع السابق. كما شهد النشاط تراجعاً لفترة وجيزة في أغسطس الماضي إلى ما دون حاجز 50 نقطة الذي يعتبر مستوى عدم التغيير في المؤشر.
ومع ذلك، لوحظ تباطؤ وتيرة نمو الإنتاج والطلبات الجديدة والتوظيف، والتي تعتبر المكونات الثلاثة الأساسية لمؤشر مديري المشتريات. وكان هذا التراجع ملموساً خلال عام 2024 نتيجة لضعف الطلب على الصعيدين المحلي والدولي، إضافة لتأثير عنصر تضخم أسعار الإنتاج، إلا أن الشركات ما زالت متفائلة بشأن آفاق النمو في العام المقبل.
عودة نمو الإنفاق الاستهلاكي لمسار معتدل
وتشير بيانات البطاقات المصرفية في الربع الثاني من العام الحالي لاستمرار نمو الإنفاق الاستهلاكي بوتيرة معتدلة على مدار ثلاثة أعوام. وتراجع معدل نمو الإنفاق المحلي إلى 4.8% على أساس سنوي، مقارنة بارتفاعه إلى 5.9% في الربع السابق، مما يعتبر أبطأ معدل نمو للإنفاق المحلي منذ ذروة الجائحة في الربع الثاني من عام 2020.
وفي المقابل، شهد الإنفاق في الخارج تسارعاً ملحوظاً بنسبة 17%. وبصفة عامة، ارتفع الإنفاق باستخدام البطاقات المصرفية بنسبة 5.4%، ليصل إلى 12.1 مليار دينار.