حديثنا عن أشهر مؤرخ عن فلسطين وهو عارف العارف صديق عبدالرحمن الغريّب، الذي وضع له مركز شومان في العاصمة عمان قولاً مأثوراً على أحد جداريات دارة الفنون تخليداً لذكراه.
سيرته تقول إنه كان يعمل ليلاً في الصحافة ليكمل دراسته الجامعية، اشترك في تحرير جريدة «بيام» التركية وعين مترجماً في وزارة الخارجية العثمانية، أرسل للقتال في جبهة القوقاز أثناء الحرب العالمية الأولى، وتم أسره ونفيه إلى سيبيريا عام 1945، وهناك تعلم اللغتين الروسية الألمانية، وعام 1919 أصدر مع صديقه حسن البديري جريدة «سورية الجنوبية» وهي أول صحيفة عربية تصدر في القدس بعد الانتداب البريطاني.
عام 1920 لجأ إلى شرق الأردن، وتمت إعارته إلى الإدارة الأردنية عام 1926 ليتولى منصب السكرتير العام للحكومة الأردنية، وعام 1948 عاد إلى الأردن كلاجئ، أكرمه الملك عبدالله ومنحه لقب الباشوية وعينه رئيساً لبلدية القدس عام 1950، ثم تولى وزارة الأشغال في حكومة هزاع المجالي الأولى، أتقن ست لغات أجنبية، وتوفي عام 1973 في الضفة الغربية، له عدة مؤلفات وإحدى مخطوطاته عن «الكويت: ماضيها وحاضرها»، والكتاب شهادة حية وواقعية لما يحتويه من معلومات جديدة عن تاريخ الأردن خلال الأعوام الثلاثة (1926-1929) والتي شهدت:
1- ولادة الحركة الوطنية بتأسيس حزب الشعب عام 1927.
2- انعقاد المؤتمر الوطني الأردني الأول عام 1928.
3- صدور الميثاق الوطني.
كذلك شهد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929 والتي استمرت ثلاثة أعوام عانى خلالها الأردنيون «الفقر والمجاعة وتدهور الحياة الاقتصادية»، ولم تكن الحدود الجغرافية تفصل بين لبنان وفلسطين والأردن وسورية أيام «الاحتلال العثماني»، لذلك تجد كثيراً من العوائل اللبنانية تعيش في فلسطين أو الأردن والعكس صحيح، وأقرب مثال أسرة «الغريّب» اللبنانية التي عاشت وعملت لسنوات بين فلسطين والأردن، كذلك الحال مع أسرة «العارف».
هذا الترابط لم ينقطع أيام الاحتلال الإنكليزي، وبقي إلى أن ظهرت هذه الكيانات واتخذت حدوداً وسيادة لها بعد اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل التي زرعوها في المنطقة، وبقيت حتى يومنا هذا «دولة» بلا حدود، مع أن الأمم المتحدة اعترفت بها، كذلك الدول العربية التي أبرمت معها اتفاقيات سلام، أو وقعت على التطبيع، يعني اعترفوا بدولة ليس لها حدود!!
مناسبة الحديث قراءتي لكتاب «يوميات عارف العارف في إمارة شرق الأردن 1926-1929«، أهداني إياه الصديق محمد المعتوق العسلاوي، نظراً لصلة القرابة التي تربطه بجده عبدالرحمن الغريّب والذي كان ضمن أعضاء الحكومة الأردنية التي شكلت عام 1926 ورجالاتها «غير أردنيين»، بعد أن اكتسب أهلها صفة المواطن الأردني بعد الاستقلال عن الإنكليز.
حكومة حسن خالد أبوالهدى ضمت أربعة من موظفي حكومة فلسطين الذين تمت إعارتهم للعمل في شرقي الأردن وهم عارف العارف (مولود بالقدس)، الشيخ حسام الدين جارالله (مولود بالقدس)، عبدالرحمن أمين الغريّب (مولود في بيروت، 1890)، المستر ألك كركبرايد (شقيق المعتمد البريطاني).
والحقيقة أن اليوميات تعد أولى الشهادات التي يكتبها سياسي عن الأوضاع الداخلية والقرارات السياسية الأردنية التي كانت تتخذ في ظل الانتداب البريطاني، ودور المعتمد البريطاني وقائد الجيش العربي البريطاني، غلوب باشا والمستشارين الإنكليز وكذلك دور مؤسس الدولة الأردنية عبدالله بن الحسين في إدارة البلاد.
يذكر هنا أن خيرالدين الزركلي كان أول سياسي يكتب يومياته في الأردن «مذكرات عامين في عاصمة شرق الأردن 1921-1923»، وفي السياق يشير العارف إلى عدم نسيان الأمير عبدالله إرث أسرته في الحجاز، يوميات كتبها العارف كمسؤول إدارة في النهار ومناضل في الليل، غير آبه بما يقوله المسؤولون عنه، مكتفياً بما يمليه عليه ضميره.