نعم التمرُّد على قوانين البلد وتعليمات الحكومة أصبح ثقافة تعوَّد عليها منذ عقود مجموعة من الذين استمرأوها. شجعهم على ذلك تغاضي الحكومات السابقة، وحتى تهربها من المتحدين لهيبتها، فقد رأوا أن ضغوطهم عليها دائماً تفلح، وانصياعها الغريب بتوسطهم للمخالفين والمتعدين على قوانين البلد دائماً مضمون.

لقد أصبح عاراً على البعض أن يطيعوا القوانين ويتقيدوا بها، حالهم كحال باقي المواطنين. نعم تعوَّد الكثيرون على أن من الرجولة والشجاعة كسر القوانين، وأن من الشهامة أن يفزع لهم ذوو السُّلطة والحظوة، ولتذهب هيبة البلد ومصالحه إلى الجحيم، ونحن هنا لا نتحدث من فراغ، فما أكثر الذين أفلتوا من عقاب مُستوجب عليهم! وما أكثر مَنْ تسببوا في انتشار هذه الظاهرة المُضرة! إنها الحكومات السابقة والمجالس المنتخبة، لا غيرهم.

Ad

لا نريد أن ننكأ الجراح، لكنها حقيقة، فخلال العقود الأخيرة زادت سطوة البعض على الحكومات السابقة، وتنمَّروا عليها عندما رأوا ترددها، بل خنوعها للتهديدات والاستجوابات. هذا الاستسلام غير المبرر يدل على أن هناك أسباباً تدفع الحكومات إلى هذا التصرف المتردد، وهو أن تبادل المصالح بين الطرفين غالب على مصالح البلد العليا.

فهم مَنْ شجَّع ثقافة التمرُّد عندما رفضوا قانون تشديد عقوبة المستهترين في الشوارع، وهم مَنْ خرجوا متمردين على محاولة الحكومة منع الغشاشين ومعاقبتهم، وهم مَنْ خرجوا رافعين راية العصيان على محاولة الحكومة وقف البعثات الدراسية إلى جامعات مخرجاتها هزيلة، وهم مَنْ وقفوا ضد قرار مساواة العاملات في مراكز تحفيظ القرآن بغيرهن من موظفي الدولة.

إنها قائمة طويلة من التمرُّد على القوانين وإجهاض كل محاولات الإصلاح، رَفَعَ رايات إجهاضها أُناس انتُخبوا من أجل المصلحة العليا للبلد، فتحوَّلوا إلى أدوات تشجع على التمرُّد، قابله عجز حكومي لا لبس فيه. إنهم مَنْ رسخوا تلك الثقافة في أذهان كثير من المواطنين، لتصبح سمة متعارفاً عليها، بعد أن صار من السهل على البعض تخليص مستهترين محسوبين عليهم، فتراهم يتراكضون ويتسابقون على إفلاتهم قسراً من يد القانون، مما فاقم تلك الثقافة غير الحضارية، فمن أمِن العقوبة أساء الأدب.

أليس وقوف الأصحاء في مواقف المعاقين يُعد تمرداً على القوانين؟ أليس وقوف الشباب في المواقف المخصصة لكبار السن هو تمرّداً على القوانين؟ أليس رمي القمامة من المركبات يُعد مخالفاً للقوانين ومنافياً للتصرف الحضاري؟ ألا يعتبر رفض أخذ البصمة البيومترية تمرداً على تعليمات أمنية بحتة؟

هناك سؤال لابد أنه دار في خلد الكثيرين، لماذا هذا العناد والتمرُّد على القوانين والتعليمات لا يحصل إلا في الكويت؟ لماذا تتغيَّر شخصيات المتمردين في الخارج؟ أليست هذه دلالة على أن فرض القانون على الجميع ليس له مكان في بلدنا؟