انخرط في ماراثون السباق للحصول على هذا اللقب عدد لا يستهان به من حملة المؤهلات العليا، والعجيب الغريب أن معظمهم ممن كانوا ينتمون إلى التيارات اليسارية، ففيهم اللينيني الماركسي والماوي والتروتسكوي والبعثي والقومي العربي والناصري.
والأغرب من كل هذا وذاك أن أغلبيتهم العظمى انقلبوا على مبادئهم بعد أن تمكنوا من الحصول على امتيازات مناقضة تماماً لما كانوا يؤمنون به، بل إن البعض منهم أصبح يبارك الإجراءات التي كان يتصدى لها أثناء نشاطاته الأيديولوجية يوم أن كان داعية لها بين صفوف الدارسين في الجامعات، وخصوصاً في الخارج، وسوف أضرب القليل من الأمثلة لنماذجهم:
***
كان بعثياً نشطاً في الساحة الأميركية، التي كان يتلقى فيها العلم، وكان مهدي الدليمي مسؤول البعث العراقي في أميركا، هو الذي يُشرف على تنظيمه حزبياً، إلى أن تخرج وعاد إلى وطنه ليعمل مدرساً للعلوم السياسية في الجامعة، ويكتب تحليلات سياسية، ثم دخل في معارك مع التيار الإسلامي، وألف بعض القصص الخالية من الحبكة القصصية، لما تحمله من سذاجة، وانتهى به المسار مستشاراً للحكومة، وصار يهاجم ما كان يؤمن به بالأمس.
***
كان يقدم نفسه كتقدمي، وهو لقب يضعه في التيار المعارض للرجعية، وُظف مدرساً في قسم الاجتماع بالجامعة، لكن نزعته الوصولية لم تكتف بالتدريس، وإذا به يتبوأ مناصب ثقافية إعلامية، وكان نصيبه الفشل الذريع فيها واحداً بعد الآخر، رغم أنه كان معروفاً عنه الاستعانة بمن يكتبون له، والمقالات والبحوث التي منحته ألقاباً هو أبعد ما يكون عنها... وإذا بالتقدمي قد صار منظراً لكل ما هو رجعي مُتخلف.
**
كان من حركة القوميين العرب، وكانت الإمارة التي يقيم فيها تحتضن التيارات ذات التوجه العروبي، وكان هو من أنشط الدعاة لهذا التيار القومي... ثم لعبت الأهواء السياسية لعبتها، وتغيرت الظروف في المنطقة، بعد أن دخل التطبيع، وإذا بالقومي العربي هو الأشد هجوماً على القومية العربية، داعياً إلى السلام مع أولاد العم... بعدها أصبح مستشاراً، وناطقاً رسمياً باسم سياسة التطبيع.
***
هذه مجرد ثلاثة نماذج، ولو أن المجال يتسع لذكرت الكثير من هذه النماذج التي يُطلق عليهم البعض مفكرين مثقفين كتاباً مُنظرين... إلخ... إلخ... بينما هم من أشد البشر خطورةً على المجتمع.