كشفت مصادر عليا في هيئة أسواق المال لـ«الجريدة» تفاصيل التعامل مع أحد أهم الملفات الشائكة على الساحة حالياً، وهو الوقف المفاجئ للتداولات على الأسهم المدرجة، والذي يهم المؤسسات والأفراد.

ففي وقت شددت الهيئة على أن هذه الممارسة حق قانوني ومعمول به في كل الأسواق، أكدت أنها ليست عقوبة، بل تحمي السوق وسمعته وتوفر أقصى حماية لجميع المتداولين، خصوصاً صغار المستثمرين، الذين قد يكونون عرضة للمتلاعبين في اقتناء أسهمهم بأسعار متدنية، فضلاً عن أن عملية الإعلان المسبق عن الوقف يسبب التدافع للبيع والهروب من السهم ما يضر بالقيمة السوقية للشركة نتيجة لهذا السلوك.

Ad

وأوضحت هيئة الأسواق، أنها تلزم جميع الشركات بالإفصاح عن أي تحفظات لمراقب الحسابات، بالتالي المعلومة واضحة ومعلنة ومعروفة للجميع بشكل رسمي.

وفي تفنيدها للموضوع، قالت الهيئة، إنها عكفت بمجلس مفوضيها برئاسة د. أحمد الملحم على المحافظة على مبدأ الإفصاح المستمر في السوق، وتطويره من خلال وضع ضوابط في لائحتها التنفيذية لضمان عدم انخفاض جودة المعلومات والإفصاحات المالية في سوق الأوراق المالية، لتحقيق أهداف الهيئة التي تشتمل على توفير حماية المتعاملين في السوق، وتطبيق سياسة الإفصاح الكامل بما يحقق العدالة والشفافية.

وذكرت أن مبدأ الإفصاح المستمر يعتبر من المبادئ الأساسية لأي سوق أوراق مالية ناجح وجاذب للاستثمار، كما يتطلب الالتزام بهذا المبدأ قيام الشركات المدرجة المشاركة في السوق بتوفير بيانات وإفصاحات ذات جودة عالية من ناحية المحتوى والتوقيت، مما يوفر بيئة استثمار تتسم بالعدالة والشفافية والتي تسمح بأن تكون القرارات الاستثمارية للمتعاملين في السوق مبنية على أسس سليمة.

وفي المقابل، فإن أي إخلال بهذا المبدأ يؤدي إلى إضعاف سمعة السوق المالي، ويقلل من جاذبيته للمستثمرين، ويعرض المتعاملين في السوق لمخاطر أعلى لأن الإفصاحات المتوافرة لا تكون متوافرة في التوقيت المناسب أو بجودة المحتوى المطلوبة.

وفي هذا الصدد، تقوم معظم الجهات الرقابية على الأسواق المالية بإيقاف التداول على أسهم الشركات المدرجة عندما تكون هناك أخبار أو شائعات متداولة دون قيام الشركة بالإفصاح عن تفاصيل تلك الشائعات من ناحية التأكيد أو النفي. كما تقوم الجهات الرقابية بإيقاف تداول سهم الشركة المدرجة عند عدم التزامها بمهلة للإفصاح عن البيانات المالية خلال المهل التنظيمية المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهيئة أسواق المال.

وهذه أمور تخل بمبدأ الإفصاح المستمر، ويتطلب إيقاف سهم الشركة عن التداول في تلك الحالات لحماية المتعاملين من الاستناد على بيانات ذات جودة منخفضة، إلى حين إفصاح الشركة عن البيانات المالية أو الإفصاحات المحدثة، لأن الالتزام بمبدأ الإفصاح المستمر يتطلب أن تكون تلك الإفصاحات ذات محتوى عالي المصداقية والدقة، بالإضافة إلى الإعلان عنها في التوقيت المناسب.

وقامت الهيئة ضمن لائحتها التنفيذية بتحديد الحالات التي يجوز للهيئة فيها إيقاف السهم مؤقتاً عن التداول، مثل حالات تخلف الشركة عن التعقيب على الاخبار والشائعات وفقا للمادة 4 – 4 – 2 من الكتاب العاشر (الإفصاح والشفافية)، وحالات عدم الالتزام بمهل تقديم البيانات المالية المرحلية والسنوية وفقاً للمادة (1 - 16 – 1) من الكتاب الثاني عشر (قواعد الإدراج) وغيرها من الحالات المذكورة في المادة (1 – 20) من الكتاب الثاني عشر (قواعد الإدراج) من اللائحة التنفيذية لقانون الهيئة.

الإفصاح المستمر

وفي سياق متصل، فإن مبدأ الإفصاح المستمر ينسحب على جودة البيانات المالية المفصح عنها للسوق، إذ تضمنت اللائحة التنفيذية للهيئة حالات يتم على أساسها إيقاف تداول سهم الشركات عن التداول عند وجود مؤشرات على ضعف جودة تلك البيانات المالية، التي تعتبر من أهم الأسس عند اتخاذ القرارات الاستثمارية.

وتضمنت المواد (1 – 16 – 2) و(1 – 20) من الكتاب الثاني عشر (قواعد الإدراج) من اللائحة التنفيذية لقانون الهيئة على الحالات التي يتم على أساسها إيقاف تداول سهم شركة مدرجة في بورصة الكويت، مثل قيام مراقب حسابات الشركة بإبداء رأي متحفظ جوهري أو رأي معاكس أو قرر عدم إبداء رأي على البيانات المالية المرحلية أو السنوية للشركة المدرجة. لأن تلك الحالات تعتبر مؤشرات على عدم سلامة وعدالة المعلومات الواردة في البيانات المالية. الأمر الذي يتطلب تدخلاً من الهيئة حماية للسوق والمتعاملين فيه، لتفادي الإضرار بسلامة السوق ونزاهته.

كما راعت الهيئة أن يكون المتعاملين في السوق على علم مسبق بملاحظات مراقب الحسابات وطبيعتها وجسامتها، التي قد تؤدي إلى إيقاف سهم الشركة، إذ ألزمت الهيئة كل شركة مدرجة أن تقوم بالإفصاح في البورصة عن رأي مراقب الحسابات، وشرح تفصيلي للحالة التي استدعت مراقب الحسابات لإبداء رأيه، والخطوات والجدول الزمني لمعالجة تلك الملاحظات، من خلال نموذج إفصاح يتم الإعلان عنه مع كل بيانات مالية يعتمدها مجلس إدارة الشركة المدرجة.

وبذلك يكون المستثمر أو المساهم على علم ودراية بحالة البيانات المالية للشركة المدرجة، ويمكنه اتخاذ قراره الاستثماري بالدخول بالاستثمار أو التخارج منه أو المحافظة عليه. ومن ناحية أخرى، يلزم هذا الإفصاح الشركة بالإجراءات والخطوات والجدول الزمني المفصح عنه، وفي حال أخلت به بدون مبرر مقنع للهيئة تقوم الأخيرة باتخاذ إجراءاتها حيال ذلك حماية للمتعاملين في السوق.

الملاحظات الجوهرية

والجدير بالذكر أنه في حال تم رصد ملاحظات جوهرية على البيانات المالية للشركة المدرجة، فإنه لا يمكن للهيئة تحديد مهلة مسبقة لتصويب تلك الملاحظات مع استمرار التداول على أسهم تلك الشركة، لأن الإعلان عن تلك المهلة بشكل مسبق سيؤدي إلى موجة هروب من ذلك السهم وتدهور قيمته، وهو ما قد يتم استغلاله لتجميع ملكيات في تلك الشركة بقيمة منخفضة جداً، ومن ثم الاستفادة من الارتفاع في قيمة السهم بعد استيفاء الملاحظات في البيانات المالية وإعادة سهم الشركة للتداول مرة أخرى.

أي بمعنى أنه قد يكون هنالك تعمّد من المتلاعبين للإضرار بموجبات استمرار تداول سهم شركة ما – كالبيانات المالية مثلاً – بنيّة مسبقة لخفض سعر السهم عن طريق بيع صغار المستثمرين لملكياتهم، بالتالي يبدأ المتلاعب بتجميع تلك الأسهم بسعرها المنخفض، مما يعني خسارة كبيرة للمساهمين الذين تأثروا بالإعلان عن المهلة المسبقة، واستفادة أطراف أخرى على حسابهم. الأمر الذي يناقض الهدف من حماية صغار مساهمي الشركة المدرجة.

وفي المقابل، فإنه عند إيقاف سهم الشركة عن التداول بشكل مباشر ودون الإعلان عن مهلة مسبقة، فإن سهم الشركة سيحافظ على قيمته كما في تاريخ الإيقاف، وسيتمكن صغار المساهمين من اتخاذ قرارهم الاستثماري، سواء بالتخارج أو الاحتفاظ بالسهم بعد استيفاء ملاحظات الهيئة وإعادة سهم الشركة للتداول، وبناء على معلومات مالية معروضة بشكل عادل وسليم.

ومن الضروري التأكيد على أن إجراء إيقاف سهم الشركة عن التداول في هذه الحالات لا تعتبر عقوبة على الشركة المدرجة أو مساهميها، إنما هو إجراء رقابي احترازي لحماية السوق والمتعاملين فيه من الاعتماد على بيانات وإفصاحات غير دقيقة إلى حين قيام الشركة بتوفير الإفصاحات والبيانات بالجودة والتوقيت المطلوبين، لما لذلك من تحقيق مصلحة الجميع بدءا من الاقتصاد الوطني وسوق المال وانتهاءً بمصالح مساهمي تلك الشركات ومستثمريها الحاليين لا سيما الصغار منهم، وكذلك مستثمروها المستقبليون، الذين تمثل حمايتهم أولوية دائمة للهيئة.

تجدر الإشارة إلى أن الهيئة منذ نشأتها اتخذت قراراً بتطبيق الشركات المدرجة معايير المحاسبة الدولية انطلاقاً من جودة هذه المعايير في بيان المركز المالي الصحيح للشركة فإنها تشجيع المستثمر الأجنبي على الاستثمار في البورصة.

وشددت هيئة أسواق المال على أنه لا يمكنها غض النظر عن مسؤولية المساهم في تحمل قراراته الاستثمارية، واستخدام الوسائل القانونية المتاحة له في محاسبة المسؤولين عن الضرر الذي لحق به من جراء إيقاف السهم عن التداول أو إلغاء ادراج الشركة المستثمر فيها، خصوصاً مع إمكانية تقديم دعوى جماعية بهدف توحيد جهود صغار المساهمين في الإجراءات الخاصة بالتقاضي ضد الأطراف التي أضرت بمصالحهم والتقليل من تكلفة رفع القضية أمام المحكمة المختصة باختيار محام واحد لرفع القضية والمطالبة بالتعويض، وفي هذه الحالة يكون مجلس الإدارة مسؤولاً عن التعويض من أمواله الخاصة، مع إمكانية إدخال هيئة الأسواق خصماً في الدعوى الجماعية مما يعزز حق المساهم، ويسهل على الهيئة إجراءات تقديمها للوثائق والدلائل والقرائن الدالة على ما ارتكبته مجالس الإدارات في حق المساهمين.

وفي الختام، أصدرت الهيئة نشرة توعوية بالركن التوعوي على موقعها توضح حقوق المساهم في شركات المساهمة.

شبكة الطرق والمتداولين في البورصة

يمكن تشبيه سوق الأوراق المالية بشبكة طرق والمتعاملين في السوق بقائدي المركبات على تلك الشبكة، وفي حال وجود خلل في أحد الطرق، فإنه يجب على الجهة الرقابية إيقاف مرور المركبات على ذلك الطريق، وهذا ليس عقاباً، بل حماية لكل قائدي المركبات (المتعاملين)، حتى وإن سبب ذلك قليلاً من القلق لهم، وذلك يأتي مراعاة لسلامتهم إلى حين إصلاح ذلك الطريق، فليس من المنطقي السماح باستخدام الطريق مع وجود مؤشرات على عدم سلامته أو احتمال انهياره بحجة أن إيقاف ذلك الطريق سيسبب بعضاً من الإزعاج أو الربكة. ومن الأسلم إيقاف استخدامه، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاحه، ومن ثم إعادة فتحه للمستخدمين.

وفي هذا الصدد، فإن الهيئة تحرص كل الحرص على ترجيح المصلحة العامة على الخاصة من خلال تعزيز سلامة السوق ونزاهته وثقة مستثمريه واتخاذ إجراءات رادعة لا تعدو أكثر من تطبيق تشريعات واضحة ومحددة ومعروفة للجميع، وبعد استنفاد عوامل المرونة المطلوبة مع انقضاء المهل الممنوحة للمخالفين لتسوية أوضاعهم دون قيامهم بالمطلوب.