لو نظرنا في أحوالنا وما يدور حولنا لوجدنا أن خطوط الرجعة جامعة مكتملة الأركان، فيها كليات كل واحدة منها تدرس منهجاً لا غنى عنه في حياتنا اليومية، في منهج الأسلحة ودخول الحروب في أشكال جديدة متطورة نجد أن الاستغناء عن اللاسلكي وشفرة مورس من الأمور المحرمة لأنها بديل جاهز يتم اللجوء إليه في حال وقوع هجوم سيبراني تخريبي على أنظمة التواصل بين القيادة وكل أطراف الجيش في الميدان.

في عالم التعاملات المالية أصبح استعمال الأوراق النقدية آخذاً في التراجع بشكل ملحوظ، خصوصاً في الدول ذات البنية الرقمية المتينة، إلا أن ضياع الهاتف أو البطاقات المصرفية تجعل حاملها يعيش لحظات ضياع خانقة، تزيد حدتها لو كان خارج البلاد بلا أي خط رجعة وأعني قليل من (الكاش)، الطريف أن بعض المحلات أو المطاعم ترفض استلام (الكاش) مثل بعض المؤسسات التي لم تعد تقبل غير الدفع الرقمي.

Ad

نأتي إلى العلاقات الإنسانية والدولية والسياسية والاقتصادية، وأغلبها يسير في المنهج نفسه مع تفاوت بسيط، فالسياسي عادة لا يقطع حبال التواصل مع خصومه حتى شاتميه في العلن، ودائما يحرص على وجود مسامات دقيقة تضمن له المرور عبرها وقت الحاجة لأن السياسي بطبيعته يدفن مشاعره، وأحيانا يقتلها في سبيل الوصول إلى أهدافه، الكلام نفسه ينطبق وبأضعاف مضاعفة على أصحاب المال والأعمال لأن المكسب هو الهدف والغاية.

أخيراً تبقى العلاقات الإنسانية هي الأبرز، لأنها تلازمنا منذ لحظة الولادة وبداية الارتباط بالأم والأسرة والعائلة والمحيط، وهي السبب الرئيس في رسم وتشكيل الكثير من ملامح شخصياتنا وحياتنا وفهمنا لها ومن يعيش معنا فيها، وبخاصة الحدود الفاصلة بينها وبين حدود السياسي والاقتصادي، وكيف أن الرأي العام يثور على المواقف المتخذة سواء من حكومته أو حكومات الدول الأخرى لأنه، أي الرأي العام، يخلط بين علاقات الدول وعلاقات الأفراد.

وفي حياة سياسية زادت فقراً مثل حياتنا بعد ضعف التجمعات السياسية وإضعافها أصبح الناتج من العملية الانتخابية البرلمانية قائماً في غالبه على صلات القربى (العائلة - القبيلة -المذهب... إلخ) والتي لا تفرق بين طبيعة العمل السياسي وتوازناته وضروراته وبين العلاقات الاجتماعية وقواعدها المناقضة للعمل السياسي، والنتيجة حالة من التصادم المتواصل بلا خطوط رجعة ولا لغة تفاهم بين مكونات متنافرة يصعب تحليل اتجاهاتها أو إيجاد صيغ للتفاهم معها.

في الختام لا تعني القوة الاستغناء عن خطوط الرجعة، بل الإكثار منها لتعزيز تلك القوة وتصليب الأرض التي يقف عليها كل من امتلك القوة أيا كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.