عن الاغتراب البيئي... هل نعي أهمية أسواق الكربون؟!!
تعتبر أسواق سندات الكربون، الى حد ما، من الأمور المستحدثة والمستجدة على العالم الأول، ومفاهيمها تتبلور بشكل يومي، وتتطور الى درجة أن الأسعار والأرباح المرتبطة بها ما زالت قيد الدراسة في العديد من دول العالم الأول، لكن هذا كله (حتما) لا يعني على الصعيد المحلي في دولة الكويت ألا نتخذ الإجراءات ونتدارس المعايير، بل نتطلع أن نكون على مستوى الريادة والمنافسة في هذا المجال الذي من شأنه أن يربط المشاريع الكبرى بمفاهيم حوكمة جديدة، وكذلك يكون مصدرا يدر مدخولا جديدا كرافد على الدولة بطريقة غير مباشرة.
بدأ الحديث عن تدشين سوق عالمي موحد للكربون من خلال أعمال مؤتمر مدينة (كيوتو) اليابانية للمناخ في عام 1997 الذي نجمت عنه وقائع ملزمة وقعت 180 دولة حول العالم عليها، على أن تكون الإجراءات المتفق عليها ملزمة لـ37 دولة صناعية حول العالم فقط لا غير بدءا من العام 2005 في تقليل انبعاثات غازاتها الدفيئة المتسببة للاحتباس الحراري بمقدار 5%مقارنة بمعدلات سنة 1990 في الفترة ما بين 2008 و2012، وما لا يعرفه العامة ولا حتى السواد الأعظم من المختصين أن المادة 12 من بروتوكول مؤتمر «كيوتو» قد أعطت الحق للدول الصناعية حول العالم الأول بتدشين آلية تطوير للتصفية المناخية CDM من خلال العمل على مشاريع حول العالم تكون بيئية الصبغة والطابع، وعليه تحصل على سندات تقليل الانبعاثات داخل الأسواق العالمية بشكل موحد وموسع مع الأيام، والتي عرفت لاحقا بمصطلح «سندات تقليل الانبعاثات»، وبهذا دخل البنك الدولي على هذا الخط في تدشين تلك الأسواق الموحدة والعمل على آلياتها في عام 2001 وتكون هذه الاتفاقيات ذات طابع استثماري واقتصادي أيضا للدول حول العالم.
لم يكن السابق ذكره بهدف الاستعراض الزمني التاريخي فحسب، بل للتأكيد على أن هناك ماكينة دولية حول العالم تدور رحاها مع عدد من المنظمات الدولية في العمل على أسواق موحدة للكربون، والتي بدأت بالتطور الملحوظ بعد مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 الذي ألزم الدول حول العالم (ليست الصناعية منها فقط) بانخفاض لدرجات الحرارة بأقل من درجتين لمعدلات ما قبل الحقبة الصناعية.
ومع تطور الأيام ومؤتمر غلاسكو الاسكتلندي منذ ثلاث سنوات تقريباً تبلور مفهوم السندات الكربونية التي يمكن في الوقت الراهن أن تنقسم الى نوعين رئيسين:
النوع الأول: السندات الكربونية الاعتيادية Carbon Credit وهي نوع من السندات ذات قيمة سوقية محددة يسمح بالاتجار بها وتبادلها أيضا، بحيث تسمح بانبعاث مقدار واحد طن متري من ثاني أكسيد الكربون.
النوع الثاني: هو السندات الكربونية المخصصة لتفادي الانبعاثات بمقدار طن متري واحد وهي تلك المخصصة للتقنيات التي تتفادى وتنقي البيئة بطريقة أو بأخرى Carbon Offset.
ومع الأيام بدأت المشاريع الكبرى الضخمة في العالم حتى في دول من حولنا تسوق لمثل هذه الأعمال وتلك السندات التي بدات بتشكيل القرار شيئا فشيئا في القارة العجوز مثلا، بل تخصص ميزانيات لها بشكل واضح وجلي، فأين نحن من هذا كله ونحن مقدمون على عدد من المشاريع التنموية على مستوى الدولة التي نتمنى أن نراها ضمن برنامج حكومي واضح وجلي في القادم من الأيام؟
على الهامش: أصحاب نظرية المؤامرة هم أيضا ممن يعون أهمية أسواق الكربون والحسابات الرياضية للبصمة البيئية، ويعتقدون أنه في المستقبل «القريب» سيتم التحكم بالأفراد من خلال مقدار انبعاثاتهم الشخصية والسيطرة عليها، قد يكون الشق الأخير واقعاً ليس ببعيد الآن، ولكن ليس بسبب المؤتمرات والفرضيات والمليار الذهبي وخلافه، إنما لتكلفة ضرائب أسواق الكربون الأممية، لذلك العمل الجاد والاستعداد لمثل مستقبل كهذا هو الحل الأوحد لا محالة.