خاص

إعادة هيكلة القطاع النفطي أمام تحدي الشفافية والكفاءة

•خبراء ل الجريدة•: قرارات غير مدروسة أفرغت القطاع من الخبرات
•إعادة هيكلة الشركات تحتاج إلى إجراءات حاسمة وواضحة

نشر في 13-12-2022
آخر تحديث 12-12-2022 | 20:30
مؤسسة البترول الكويتية
مؤسسة البترول الكويتية
أكد خبراء نفطيون أن إعادة هيكلة القطاع النفطي تعني خفض أعداد العمالة في مؤسساته، وهو ما لا تستطيعه مؤسسة البترول الكويتية، لافتين إلى أنه قبل الحديث عن موضوع الهيكلة المشتمل على عمليات دمج الشركات النفطية لابد من طرح تساؤل عن الغرض من تلك الاندماجات، فهل هو ضغط المصروفات وعدم تحميل المؤسسة مصاريف أخرى؟ متسائلين: إذا كان هذا هو المطلوب فهل لدى المؤسسة مخطط ستستفيد منه إزاء تلك الهيكلة؟ وهل هي هيكلة تقنية أم عملية تقليد استراتيجيات أو شركات لا تؤدي في النهاية إلى شيء؟ وأشار الخبراء في تحقيق ل «الجريدة»، إلى أن الحلول الضامنة لنجاح القطاع النفطي المحلي تتضمن إنشاء كيان واحد عملاق تكون تبعيته لقيادة الدولة للنأي به عن التدخلات السياسية... وفيما يلي التفاصيل:

بداية، قال عضو المجلس الأعلى للبترول سابقا محمد حمود الهاجري، إن اعادة الهيكلة تعني تصحيح وضع قائم، والتصحيح هنا يعني تعديل وضع خاطئ من واقع تجربة وتطبيق ترتب عليه إخفاقات في كل الجوانب الادارية والمالية والفنية لأي منشأة أو شركة واحدة، مضيفا «ولكن حينما نتحدث عن اعادة هيكلة القطاع النفطي فالأمر أكبر وأعمق وأدق».

وأضاف الهاجري أن تفنيد هذا الأمر يتلخص في أربعة أمور، أولها أن إنشاء المؤسسة خلق وضعا شاذا من البداية، ولم يكن محددا لها دور لرئاسة الشركات النفطية الا من خلال مجلس ادارتها وكيانها القانوني الذي يتبع الخدمة المدنية، في حين تتبع الشركات النفطية قانون التجارة ولها استقلالية تامة بمجالس ادارات وأنظمة مختلفة، ومن هنا دبت الفوضى في القطاع النفطي بهيمنة ادارات المؤسسة لا مجلس ادارتها على قرارات الشركات النفطية، ومن سلطات أقل من تلك التي بالشركات.

الهاجري : ما يحدث أن من قرر واعتمد إعادة الهيكلة غير موجود لعدم الاستقرار الوظيفي الذي يعيشه القطاع الكويتي

وذكر «أما الأمر الثاني فإن إعادة الهيكلة ليست مجرد نتائج لشركات استشارية، لأن تنفيذ تلك النتائج يحتاج إلى كوادر بشرية مؤهلة تتمتع بقدرات خارقة، فمن كان يدير شركة بمئات الآلاف من الموظفين وقدرات انتاج متينة عليه اليوم ان يدير شركة بأعباء مضاعفة عن السابق»، متسائلا، هل يتوافر في القطاع النفطي اليوم من هو قادر على هذا التحدى؟

وأشار إلى أن الجميع يعلم ان القطاع تم إفراغه من الخبرات نتيجة قرارات غير مدروسة، فضلا عن عدم وجود نتائج على ارض الواقع لإعداد الصف الثاني من القيادات.

وتابع أن الأمر الثالث يتمثل في أن إعادة هيكلة اي كيان مرهونة بإيمان من يقوم بالتنفيذ بفائدة ذلك، وأن يكون مشاركا في الدراسة، لكن ما يحدث أن من قرر واعتمد اعادة الهيكلة غير موجود لعدم الاستقرار الوظيفي الذي يعيشه القطاع، مع ملاحظة ان هذه الدراسة ليست الاولى، ولن تكون الاخيرة، وهذا كله يعد هدرا للمال والجهد دون مردود.

وأوضح أن الرابع يتعلق بأن إعادة الهيكلة تحتاج إلى قرارات مؤلمة وجادة وحاسمة، ولا يمكن للقطاع النفطي المختطف من التدخلات السياسية أن يخطو خطوة واحدة لتصحيح الوضع القائم، لأنه غير مستقل، فضلا عن أن السياسيين غير مهتمين بالرأى الفني، بل بمصالح ضيقة لهم ولناخبيهم ومن يستفيدون منهم.

وأكد أن الحل الأسلم والأسرع اليوم لإنقاذ القطاع لا يخرج عن حلين هما:

1- إلغاء المؤسسة واعادة الوضع السابق باستقلالية الشركات النفطية تحت مظلة وزارة النفط، ويمكن استحداث شركة فقط لبيع النفط ومشتقاته محليا وعالميا. (بيع توزيع لا تسويق) ليصبح عندنا أربعة انشطة، انتاج وتكرير، وبتروكيماويات، وبيع.

2- إنشاء كيان واحد عملاق يشمل القطاعات الأربعة المشار إليها، الانتاج والتكرير والكيماويات والبيع. مع إلغاء كل كيانات الشركات الحالية بمجالس اداراتها الشكلية وكبار موظفيها الخاضعين لهيمنة ادارة المؤسسة، وأن تكون تبعية ذلك الكيان لقيادة الدولة للنأي به عن التدخلات السياسية.

وأوضح الهاجري أنه بدون هذين الحلين سيبقى القطاع رهينة للتدخلات السياسية وضحية للمنافسات التجارية غير الشريفة، مؤكدا أن أساس نجاح أحد البديلين هو حسن اختيار من يقود الشركات أو الكيان المقترح.

توصيات الشركة الاستشارية

من جهته، قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني، إن مؤسسة البترول حصلت على الموافقة المبدئية من المجلس الأعلى للبترول لدراسة مشروع دمج شركات النفط الكويتية (دمج) من 8 كيانات الى عدد أقل (تشير التكهنات الى 4 فقط)، اعتمادا على توصيات الشركة الاستشارية، التي يبدو أن المؤسسة قد أرسلتها على «شركة استراتيجي آند»، وذلك بعد أن أُلغيت دراسة سابقة بلغت تكلفتها أكثر من مليون دولار، من دون ذكر الأسباب.

وذكر بهبهاني أن التكهنات حول جدوى المشروع تفاوتت بين كتاب وتصريحات الرئيس التنفيذي للمؤسسة آنذاك، مما يوحي بأن قرار دمج الشركات قد اتخذ بغضّ النظر عن نتائج دراسة الشركة الاستشارية.

بهبهاني : سوء الإدارة تسبب في خسائر مشاريع ذات جدوى عالية من مصاف وبتروكيماويات وتردي إنتاج وكهولة مبكرة لحقول النفط

وأضاف انه من خلال التصريحات، فإن المشروع هو ضمن أهداف خطة 2040 التي تهدف الى زيادة إنتاج الزيت الخام والغاز، ومشتقاته، والبتروكيماويات، والصناعات النفطية التحويلية الأخرى، لافتا إلى أن الدمج سيحقق أهدافا استراتيجية أخرى كخفض الكلفة التشغيلية، ومن ثم كلفة برميل النفط (الذي قفز 6 دولارات في 2020 ليصل الى 12 دولاراً من 8 دولارات في 2019)، وزيادة فرص التوظيف، والتنسيق الهيكلي للقطاع بما يعطي مرونة ورشاقة، وسرعة اتخاذ القرار.

وأوضح أن الدمج سيزيد قدرة شركات المؤسسة على المنافسة مع الشركات العالمية الكبرى في الإنتاج والتسويق، وسيتيح الشراكة في مشاريع الشركات العالمية والمؤسسات الاستثمارية، ففي الدمج عملقة الكيان، ومن ثم زيادة الضمانة وتشجيع الشراكة، ولكن يبدو أن المؤسسة وضعت الأهداف والحل، ولم تترك فرصة للشركة الاستشارية.

ولفت بهبهاني الى أن مشاكل القطاع التي تتكرر في تقارير ديوان المحاسبة تتمثل في:

1- سوء الإدارة التي تسببت في خسائر مشاريع ذات جدوى عالية من مصاف، وبتروكيماويات، وتردي إنتاج، وكهولة مبكرة لحقول النفط، وبذلك فقدت السبق في الأسواق، وانخفضت قيمتها الاقتصادية في الناتج المحلي، ما ينتج عنه خسارة مليارات الدولارات سنويا، وبالرغم من الأفكار الجيدة والملاءة المالية فإننا ننتهي إلى الفشل نتيجة سوء الإدارة، فلا تستغرب وجود مدير فريق متواضع يدير مهمة بثلاثة مليارات دولار.

2 - تضخم وظيفي هامشي، وهو من أهم العوامل التي أثرت في كلفة برميل النفط الكويتي، ولإيضاح المفارقة نرى أن 33 ألف موظف في القطاع النفطي الأميركي ينتجون 15 مليون برميل نفط صعب يوميا، بينما 25 ألف موظف في القطاع الكويتي ينتجون 3 ملايين برميل سهل يوميا، وهذا ما جعل الكلفة التشغيلية للبرميل الكويتي تصل الى أكثر من 60 في المئة عن الكلفة البرميل عن الرأسمالية وهو الأعلى خليجيا، والسبب الأساسي هو توكيل مهام الكويتي المدرب إلى مقاول، ومستشارين شكليين، وموظفين في مواقع غير اختصاصاتهم.

3 - تضخم الميزانيات، فإضافة الى الفائض الوظيفي الذي لا علاقة له بمشروع دمج الشركات، تدنت الأرباح الحرة (Free Cashflow) لارتفاع كلفة البرميل الكويتي التشغيلية، فأرباحه الأدنى عالميا (10 سنتات لكل دولار ارتفاع للبرميل)، والعلاقة السخية بين شركات المؤسسة والمقاولين في الأوامر التغييرية التافهة، وتعليق العقود (Standby) مدفوعة الثمن التي تصل أقلها الى 2500 دولار في الساعة الواحدة دون عمل، وإيجار معدات بمشغليها دون مهمات وغيره، فبعثرة الأموال سهلة وسخية مع المقاولين وتوظيف متواضع للكويتيين، ومشروع الاستدانة من البنوك المحلية والعالمية قادم رغم أن سخاء الإيراد السنوي، الذي لم يقل عن ال 10 في المئة منذ 30 سنة، فضمان الاستدانة من البنوك يعرض كيانات المؤسسة لمخاطر الدوران الكارثي للديون.

4 - نظام حوكمة شكلي ومكلف ولا قيمة له، فبالرغم من العطاءات السخية لأعضاء مجالس الإدارات الذين يفترض أن يستفاد من خبراتهم في رقابة أداء شركاتهم ومشاريعها، نجد فشلا مكلفا في قراراتهم، والغريب أن المشاريع العملاقة التي سقطت وكلفت الدولة المليارات لم نجد مجلس إدارة حوسب عليها. فمشكلة أعضاء في غير اختصاصاتهم حقيقة مؤلمة، فالتعلم أثناء اتخاذ القرار فشل، والعثرات يكتشفها ديوان غير مختص قبل مجلس الإدارة.

وأكد انه لا علاقة بين ما يعانيه القطاع النفطي من مشاكل وبين مشروع دمج شركاته، فنجاعة دمج الشركات التجارية (Company Merger)، خاصة في الأزمات المالية، بمقاييس لا تنطبق على الشركات الوطنية الحكومية، خصوصا مقاييس العمل الكويتي، لافتا الى ان دمج الشركات قد يحدث تضخيما لميزانيات الكيانات المدمجة بما يجعل التحكم فيها أصعب، فالخسائر المليارية في الكيانات الصغيرة ستكون كارثية في الكبيرة.

وأعرب عن دهشته من ربط مشروع الدمج بعوامل بعيدة جدا كتحديات الطاقة المتجددة التي تجاوزت استثماراتها خلال ال 30 سنة الماضية 30 تريليون دولار، ولم تسلب أكثر من 1 في المئة من الطاقة الأحفورية، وأيضا ربط المشروع بأسعار النفط المستقبلية التي بلا شك في تصاعد نتيجة زيادة الطلب، ونقص الإمداد، وتحكم متجانس من تحالف «أوبك»، إضافة إلى تطور تكنولوجيا حبس الملوثات المنبعثة.

وبين أن «أغرب ربط قرأته هو العلاقة مع الاقتصاد المستدام بعيدا عن النفط، إذ لا نرى في الأفق غير تصنيع النفط ضمانا للاقتصاد المستدام، بعد أن خسرنا مشاريع السياحة في جزرنا الخمس، مدينة الحرير وطريقه، ومشروع ميناء مبارك».

وشدد على أن مشروع دمج الشركات النفطية فيه مخاطرة كبيرة، ومؤشرات فشله بيّنة في صغير كيانات المؤسسة، مُهدياً إلى المؤسسة وللشركة الاستشارية التوصيات التالية:

1 - قيّموا قيادات النفط وتحاشوا من كانت قفزاتهم سريعة للإدارة.

2 - عزل أعضاء مجالس الإدارات الذين أقروا مشاريع مليارية فاشلة وعدم مكافأتهم.

3 - العقود التي تكثر فيها الأوامر التغييرية يُحاسب ويُعاقب مصمموها ولا يكافأون.

4 - القيادات التي أهلكت حقول النفط (لتنتج 70 في المئة ماء) لا يستحقون أي منصب.

5 - الشباب الأذكياء ينتقون بعيدا عن لعب «الكفاءة السلوكية» و«المقابلات الشخصية».

6- الثروة الضخمة التي لدينا تحت الأرض لا تحتاج الى عملقة إدارية كضمانة للشراكات.

واختتم بهبهاني بقوله: «كان من الأجدى والأولى أن يسبق مشروع دمج الشركات النفطية، تقييم أداء الشركات الصغيرة للمؤسسة قبل الكبيرة، فالكفاءة يجب أن تثبت أولا، بدلا من الاستعراض المكلف».

غرض الدمج

قال الخبير النفطي كامل الحرمي، ان اعادة الهيكلة تعني خفض أعداد العمالة في المؤسسات النفطية، وهو ما لا تستطيعه مؤسسة البترول، لافتا الى انه «عندما نريد التحدث عن موضوع الهيكلة المشتمل على عمليات دمج الشركات النفطية لابد أن نسأل أنفسنا ما الغرض من تلك الاندماجات؟ وهل الغرض منها ضغط المصروفات وعدم تحميل المؤسسة مصاريف اخرى؟، وإذا كان هذا هو المطلوب فهل المؤسسة لديها مخطط ستستفيد منه ازاء تلك الهيكلة؟ وهل هي هيكلة تقنية أم عملية تقليد استراتيجيات أو شركات لا تؤدي في النهاية الى شيء؟».

الحرمي : إعادة الهيكلة تعني خفض أعداد العمالة في المؤسسات النفطية وهو ما لا تستطيعه مؤسسة البترول الكويتية

وأشار الحرمي الى كيفية أن يكون هناك دمج للتسويق العالمي مع شركات التنقيب عن النفط الخام، متسائلا، هل من المنطق إذا أردنا دمج المصاريف ان نبيع شركة كوفبيك؟

وبين انه «كان من الأفضل التفكير في بيع شركة وقود الطائرات، فهي شركة قص ولزق ولا داعي لها، وبدلا من تضييع الوقت في استراتيجيات يجب أن ننظر في أمر زيادة الانتاج النفطي»، مؤكدا ضرورة معرفة حجم انتاج النفط الكويتي مدة 5 سنوات مقبلة من خلال آلية محددة من المستشارين الخاصين بالقطاع.

وتساءل، هل موضوع اعادة الهيكلة ودمج الشركات سيسهم في تحسين اداء الموظف الكويتي مقارنة بباقي الموظفين في شركات نفطية خليجية أم ان القطاع النفطي المحلي يريد ان يفعل شيئا ما ويتجاهل الازمة الحقيقية لديه سواء بانخفاض انتاج النفط أو من انتاجية العامل الكويتي في القطاع النفطي؟

back to top