العديد من الناس من ذوي الاختصاص ومن غيرهم يعتقد ويردد أن أحكام المحاكم الدستورية هي أحكام سياسية بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح، بل يظن أن هذه المحكمة هي محكمة سياسية، تدخل ضمن الكيانات السياسية للدولة. إلا أن الواقع والصواب أنها محكمة قضائية بحتة، وأحكامها تصدر من قضاة أو من هم في موقع القضاة «والمقصود في الدول التي يختلط فيها تشكيل المحكمة» أو تلك التي تتبنى نموذج المجالس الدستورية.
إلا أنه ولاشك في أن لتلك الأحكام تأثيرا سياسيا كبيرا على الدولة وفي المجتمع «لاسيما إن كانت الدولة ترزح تحت خلاف سياسي يحمل آراء متناقضة ومتباعدة أو صراعا بين سلطاتها السياسية، ينطوي على أهداف غير معلنة»، وقد تؤدي تلك الأحكام إلى تأثيرات في النظام الإداري للدولة أو كما يسميه بعض السياسيين انشقاقات في المجتمع أو تتسبب في تعديلات في أنظمة الدولة وسلطاتها وأجهزتها العامة أو الخاصة.
وهنا وفي حالة استفحال هذا التأثير السياسي قد يتطلب الأمر تدخل قيادة الدولة للتعامل مع هذه النتائج لحلها أو التصدي لها بالشكل المناسب الذي يضمن استقرار الدولة والنظام العام بها... إلا أنه يقيناً أن هذه المحاكم ضرورية الوجود مستلزمة العمل في الدول الدستورية التي تستظل بدساتير حاكمة لنظامها ووجودها أياً كان شكل تكوينها وتشكيل هيئاتها أو التسمية التي تطلق عليها «محاكم دستورية أو مجالس دستورية»، وأياً كان اختصاصها ورقابتها على دستورية القوانين وغيرها من أدوات التشريع، سابقة على صدورها أم لاحقة له، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية في العديد من أحكامها بأنها هي الضامنة للنظام الدستوري والقانوني والسياسي في الدولة، وهي الحارسة على الدستور، والداعمة لنظام الدولة وكيانها، ومهما بلغ التأثير السياسي لأحكامها.
* رئيس المحكمة الدستورية السابق