رياح وأوتاد: هل سيسقط آخر معاقل الأممية؟
بعض الأحزاب السياسية كانت فروعها تمتد إلى أكثر من دولة تحت قيادة مركزية، وأشهرها الأحزاب الشيوعية التي كانت تعتبر الاتحاد السوفياتي هو الوطن الأم للبروليتاريا الدولية، ولذلك تم إنشاء منظمات دولية تجمع الأحزاب الشيوعية من مختلف الدول، وتدعم هذه الأممية مثل منظمة «الكومنترن»، ولكن هذه الأحزاب الفرعية سقطت في أول امتحان لها، وذلك عندما تعارضت مصلحة الوطن المحلية مع مصلحة الحزب الأممية، فلم يكن أمام هذه الأحزاب إلا خياران، إما انتماؤها للوطن ومصالحه أو ذوبانها واضمحلالها، وكان من أمثلة هذا التعارض ذلك الذي حدث بين الصين وروسيا، وخروج الصين عن القيادة الأممية الروسية، وهذا حدث أيضاً لمعظم الأحزاب الشيوعية في أوروبا، التي تحولت في النهاية إلى أحزاب محلية الانتماء والمصلحة.
وفي الوطن العربي عندنا أمثلة صارخة، فقد أعلن الإخوان المسلمون - فرع الكويت تجميد عضويتهم في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين (وهو تنظيم أممي) بعد الموقف المخزي لهذا التنظيم من الغزو العراقي للكويت، وكذلك كان لحزب البعث العراقي امتداد أممي في معظم الدول العربية، وقام بعرضه الشهير أثناء الغزو على الأخ فيصل الصانع، رحمه الله، لكي يبلغ نواب مجلس 85 بتسلم الحكم، ولكن الأخ فيصل رفض هذا العرض، وقد شرح الأخ فيصل، رحمه الله، هذا العرض لي وللأخ جاسم العون بالتفصيل، في ديوانه بمنطقة كيفان، قبل القبض عليه بأيام، وقال إنه رد عليهم بأن ما قاموا به احتلال ولا يمثل الشعب.
واليوم نسمع ونشاهد ثورة أهل لبنان على «حزب الله»، الذي استغل ضعف الدولة اللبنانية فتبنى التبعية الأممية لإيران، حسب مفهوم ولاية الفقيه، وذلك في جميع مواقفه ونفقاته المالية وتسليحه، حتى أصبح مستقلاً عن الدولة اللبنانية، ثم تم توجيهه للقيام بمهام في سورية والعراق لمصلحة إيران وحلفائها، ولكن ها هي بوادر ثورات وطنية لبنانية بكل طوائفها تطالب بعودة السيادة اللبنانية وإقصاء أي تنظيم أممي.
وقد أحسنت الجمعية الكويتية لتعزيز القيم بإقامة ندوة في الأسبوع الماضي بعنوان «الانتماء والمواطنة في ميزان الإسلام»، تكلم فيها المحاضرون عن قيم الانتماء والمواطنة في الشريعة الإسلامية، ولا شك في أن هذه القيم عظيمة وبناءة للأوطان، وهي تتعارض مع سلوك الأحزاب المنتمية إلى خارج الوطن.