لا يخفى على المتابع التوجه الحكومي نحو تقليص الميزانية وتصغير بنودها وسد منابع التسرب المالي، وتحصيل ما تأخر من مدفوعات للحكومة من المؤسسات والشركات والأفراد، وهذا كله من أبجديات المالية التي تحسنه جميع حكومات العالم سواء متقدمة أو متخلفة، في حين الاقتصاد الحي يسد عجوزاته المالية بخلق موارد جديدة بدلاً من التقليص المفرط للمصروفات، وهذا التقليص حل مؤقت لا يقترب من الاستدامة وانعكاساته سلبية أهمها الانكماش الاقتصادي الذي نعيشه حيث قدرته مؤسسات دولية بحدود 2%، والانكماش تتزامن معه معدلات بطالة عالية، ويرفع كلفة الدين الخارجي- إن حصل- ويقلل فرص الاستثمارات الخارجية، مع الأخذ بالاعتبار تبعات تخفيض الإنفاق الحكومي وما يترتب عليه من كساد لقطاعات تجارية وخدمية وإنشائية عديدة.

بالمقابل فإن تعديل خلل الموازنة لا بد أن يبحث عن زيادة الإيرادات مثلما يراعي تقليص المصروفات، فزيادة الإيرادات هي المحك الأساسي لمعرفة الكفاءة المالية للحكومة، ومن خلال الإنفاق يتغير الأسلوب البدائي لمعالجة الخلل الهيكلي لميزانية الدولة، فمن شأن التوسع في الإنفاق في بناء كويت جديدة في الشمال تستقطب مشاريع تنموية مليارية تنفذها شركات وطنية مدرجة بمساهمات عامة، أقول من شأن هذا الإنفاق الحكومي أن يوّلد إيرادات جديدة من خلال استثمارات أجنبية تدفع ضريبة شركات وتوظف مواطنين وتدر أرباحا يتقاسمها المساهمون بالشركات الوطنية، وكذلك الإيرادات تزيد بإشراك القطاع الخاص بنظام تأجير الامتيازات (BOT) لسنوات طويلة بمبالغ تغذي الميزانية، كما رأينا مؤخراً لشركة أجيليتي في دول الخليج.

Ad

لا يشك أحد بأن الميزانية الريعية لا تضمن الاستدامة، كما أن الاعتماد فقط على تقليص المصروفات لن يضمن ربع الاستدامة، والإنفاق الحكومي وإشراك القطاع الخاص المسؤول بشقيه الأجنبي والمحلي يعتبر ركناً مهماً لميزانية مليئة تقاوم تقلبات سعر النفط وتستوعب النمو الطبيعي للمصاريف.