بدون مجاملة: دردشة إجبارية!
التطفل (اللقافة) وكثرة الأسئلة سلوك مزعج لا يطيقه أحد، ورغم سوء هذا التصرف فإن المتطفلين يسألون ويسرحون ويتدخلون ويمرحون، بل يحاسبون! يحاسبونك على ميولك وقراراتك، فيصدمني السؤال عن خصوصيات الناس وكأنها لا حرمة لها!
عندما تسأل عن الحالة الصحية، أو المادية، أو العلاقات الأسرية، فهذه أمور لا ترتبط بك، ولا تضرك ولا تنفعك لا من قريب ولا من بعيد، فما شأنك بكم راتب فلان؟ أو حين تسأل عازبا: لماذا لم تتزوج؟ أو متزوجا لماذا لم تنجب؟ أو مطلقا عن أسباب وقوع طلاقه؟! هل تتخيل أنك تعد دراسة علمية، أو تفتح تحقيقا مع أحدهم حول أسباب استقالته من وظيفته؟! أو لماذا لم تتخصص في هذا المجال؟ وتبدأ بتعداد مزاياه، أو لماذا لا تذهب إلى جهة العمل تلك؟!
هل تساءلت «يا أبو الأسئلة» عن الأسباب بينك وبين نفسك، بكونها أمرا شخصيا أولا، وأنها لا تعنيك ثانيا، وقد تحمل في طياتها تفاصيل «خاصة» وغير قابلة للمشاركة؟ لا تبرر بأنك «حريص» على مصلحة الآخرين، والقصد إسداء نصيحة أو إفادة، أو مجرد دردشة، فشؤون الناس الخاصة ليست موضوعا للدردشة، وتأكد أن من «أراد» الدردشة سيقبل عليك وبإرادة تامة منه.
جوانب الحياة متعددة متشعبة، متباينة، معقدة، وكل فرد يعيش حياته بما فيها من تنوع وتمايز، فبعض الأمور التي تعتبرها شاقة ومكروهة يعتبرها آخر نشاطا ممتعاً، وما تظنه عن حياة غيرك ليس فعليا ولا حتميا هو «ظن» افترضته وفقا لمعتقداتك أنت، وقد يكون نقيض معتقدات الآخرين، وما تعتقده عن الزواج والطلاق والإنجاب والتخصص والوظيفة والمستوى المادي، والسعادة والنجاح والاستقرار، والرئيسي والثانوي، والعاجل والآجل وغير المهم... جميعها ليست في خانات ثابتة ولا بالدرجة نفسها، وليست قطعية.
نحن لا نتكلم عن الأخلاقيات أو الحلال والحرام، والمبادئ والثوابت، نحن نتكلم عن خيارات الحياة، فحين تختار أن يكون عشاؤك «سندويش» جبنة حلوم فلا تسألني: لماذا اخترت أن أتعشى «قوزي»، فـلِكُلٍ شهيته، ولِكُلٍ معدته، والحياة مائدة طويلة.