من صيد الخاطر: «إنَّ الْمُوَصَّيْنَ بَنُو سَهْوَانَ»
«إنَّ الْمُوَصَّيْنَ بَنُو سَهْوَانَ»، مثل عربي اختلف في تفسيره كثير من الناس، فمنهم مَنْ وجهه لمن لا يسهو، فقال: إنما يحتاج إلى الوصية مَنْ يَسْهو ويَغْفُل، أما أنت فلست بحاجة إليها، لأنك لست من الذين يسهون، فالذين يُوَصّونَ بالشيء يستولي عليهم السهو، حتى كأنه مُوَكَّل بهم.
إنه مثلٌ يُضرب لمن يسهو عن طلب شيء أُمِرَ به، والسَّهْوان هو الذي يسهو عن كل أمر، ويُقال إنه يجوز أن يكون صفة: أي بنو رجُلٍ سَهْوَان، والمقصود به آدم عليه السلام، وذلك حين عُهد إليه أمر فسها عنه ونسي إنجازه، ويُقال: رجل سهوان وساهٍ، أي أن الذين يُوصون لابد أن يسهوا، لأنهم بنو آدم، فقول «بنو سَهْوان» بالمطلق مقصود به جميع الناس، لأن الكل منهم يسهو ويغفل وينسى، فهي إحدى طبائع البشر.
هناك مَنْ رادف بين السهو والغفلة، لكنه فرَّق بين السهو والنسيان، بين الساهي والناسي، فالناسي إذا ذكَّرته تذكَّر، أما الساهي، فبخلافه، فهو لن يتذكَّر ما أُوصي به. أما الغفلة، فيبدو أنها كالسهو، ما لم تكن متعمَّدة، كأن يتغافل المرء عن أمر قاصده، فالغفلة عامة تشمل السهو والنسيان، فغفلتك عما أنت عليه سهو، وغفلتك عمَّا أنت عليه لتفقد غيره نِسْيان.
وقد ذُكر في القرآن لفظ الغفلة بعدة صيغ، كقوله تعالى: «وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون»، وقوله تعالى: «أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون»، وورد أيضاً: «ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم»، وورد أيضاً: «ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا».
أما عبدالله ابن عباس، رضي الله عنهما، فقال عن النسيان: إِنَّما سُمِّيَ الإِنسان، لأنه عهِدَ إليه فَنَسِيَ. وقال شاعر في ذلك:
وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إِلَّا لِنَسْيِهِ * وَلَا الْقَلْبُ إِلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ... والله أعلم.
اللهم أبعد عنا النسيان، ولا تجعلنا من الساهين، ولا من الغافلين، وأبعد عنا المغفلين والمتغافلين، فما أكثرهم.